هولاند في مستنقع الاليزيه

 

شبكة النبأ: كما سبقه الكثير من الرؤساء والملوك والحكام، أضاف الرئيس الفرنسي "هولاند" نموذجا اخر من العلاقات التي تندرج ضمن إطار العلاقات السرية.

ويبدوا ان النهاية التي وصلت الى القطيعة الرسمية مع شريكة حياته "فاليري" كانت متوقعة بعد ان اجبرتها الصدمة للرقود في المشفى لمدة أسبوع، وقد اثرت تلك العلاقة الغرامية التي جمعت الرئيس بالممثلة "جولي" حتى على شعبيته التي انخفضت كثيراً على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها مؤخراً.

وقد اشارت صحيفة "ديلي تليغراف" أن الرئيس الفرنسي "يواجه أزمة جديدة مع تراجع شعبيته إلى مستوى قياسي، وأخر ما يحتاجه الرئيس الاشتراكي هو فضيحة أخرى، مؤكدة في الوقت نفسه أن إقامة علاقات ليس أمرًا جديدا في تاريخ الرؤساء الفرنسيين"، خصوصاً وان فرنسا نفسها تعاني اوضاعاً اقتصادية صعبة لما تتعافى منها بعد.

ويبدوا ان "لعنة الاليزيه" التي طاردت "ساركوزي" عادت من جديد لتلتف حول "هولاند" متجاوزتاً خصوصيات حياته التي طالب باحترامها لتتحول الى قضية رأي عام يحكم من خلالها الفرنسيون على مدى تقبلهم للأمر بين الغضب او المسامحة.  

فقد يبدو ان الفرنسيين يرغبون في معظمهم في طي هذه الصفحة، "انها حياته الخاصة، ليفعل ما يشاء"، او "هذا الموضوع اخذ أكبر من حجمه"، او "امل ان يهتم الان بفرنسا أكثر من حياته الخاصة لان هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به": تلك كانت ردود فعل الفرنسيين التي نشرتها وسائل الاعلام.

كذلك فان غالبية من الفرنسيين (54%) لا ترغب في منح اي دور او وضع رسمي او موارد دولة لزوجة او شريكة حياة الرئيس حسب استطلاع للراي نشرته صحيفة لو باريزيان، الرئيس الفرنسي الذي بدء زيارة رسمية لتركيا وبعدها في 11 شباط/فبراير الى الولايات المتحدة استجابة لدعوة الرئيس باراك اوباما، اتخذ وحده قرار انهاء العلاقة مع المرأة التي رافقته في مسيرة الوصول الى السلطة وخلال اشهره الاولى في الاليزيه.

واكد رئيس القسم السياسي اعلان هولاند هذا القرار الذي ما زال يعتبره من شؤونه الخاصة، وقال الرئيس باقتضاب "اعلن انني وضعت حدا لحياتي المشتركة مع فاليري تريرفيلر"، وتعليقا على ذلك، قال وزير العمل ميشال سابان المقرب من الرئيس "هذا القرار كان ضروريا" باسم "الصراحة"، وفي حديث لمجلة تايم الاميركية قبل اعلان القطيعة، اكد هولاند ان "كل انسان، اكان رئيسا او غير رئيس، له الحق في ان تكون له حياته الخاصة".

فاليري تريرفيلر وبعد ان حرصت على عدم الخوض في هذا الامر، خرجت عن صمتها وكتبت في صفحتها على تويتر "كل تقديري لطاقم عمل الاليزيه الفريد، لن أنسى ابدا تفانيكم او مشاعركم لحظة الرحيل"، واستقلت "السيدة الاولى" السابقة طائرة شركة اير فرانس المتجهة الى بومباي في مهمة دعم لمنظمة تحرك لمكافحة الجوع (اكسيون كونتر لا فان)، هذه الرحلة كانت مقررة منذ وقت بعيد وهي ممولة من مؤسسات وشركاء خاصين للمنظمة الانسانية وليس من قبل الاليزيه، وكاجراء امني يرافق تريرفيلر حارس خاص.

واكد عاملون في مكتب تريرفيلر انها "افضل حالا" بعد ان دخلت المستشفى لمدة اسبوع عقب الكشف عن علاقة هولاند السرية قبل ان تنتقل الى مقر لا لانترن الرئاسي القريب من قصر فرساي للراحة والابتعاد عن وسائل الاعلام، واوضحت المصادر نفسها انها "ما زالت على علاقة جيدة بالرئيس" الذي تناولت معه الإفطار، وذكرت اسبوعية لو جورنال دو ديمانش ان فاليري تريرفيلر المطلقة والام لثلاثة ابناء التي حرصت على الاستمرار في عملها كصحافية لضمان استقلالها المادي، ستحتفظ ايضا بحق استخدام الشقة التي تستأجرها مع هولاند.

فرنسوا هولاند لن يكون رئيس الدولة او الحكومة العازب الوحيد فهو ينضم الى عدد كبير من هؤلاء مثل البلجيكي اليو دي روبو الذي كان اول رئيس حكومة يعلن مثليته الجنسية، والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة او البوليفي ايفو موراليس او ايضا مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة تشيلي ميشال باشليه ورئيسة البرازيل ديلما روسيف الذين لم يتزوجوا من جديد بعد طلاقهم. بحسب فرانس برس.

الرئيس الذي كانت شعبيته هبطت بالفعل الى ادنى مستوى قبل هذه القصة، يامل الان في تركيز كل اهتمامه على تنفيذ الاصلاحات التي اعلنها في 14 كانون الثاني/يناير للنهوض بالاقتصاد الفرنسي المتعثر، لكن وعشية اعلان ارقام البطالة في كانون الاول/ديسمبر 2013 ورغم وعد هولاند بتغيير اتجاه مؤشر البطالة، اعترف ميشال سابان بان الاتجاه يميل اكثر الى "وضع ثابت وهو امر لا باس به بالفعل".

مجازفة جديدة

في سياق متصل وبإعلانه عن اصلاحات ضريبية لمصلحة اصحاب الشركات بهدف خفض البطالة، اختار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند السير في منعطف اقتصادي يمكن ان يثير غضب جزء من اليسار، ورحب اصحاب الشركات بهذه الاصلاحات بينما لم تصدر عن الصحف من قبل عبارات اطراء لهولاند مثل تلك التي نشرت مؤخراً منذ زمن طويل، اذ رأت صحيفة ليبراسيون ان الرئيس "تحرر" في مفارقة مع تراجع شعبية الرئيس الاشتراكي في استطلاعات الرأي والعاصفة الاعلامية السياسية التي يواجهها منذ الكشف عن علاقته بممثلة تصغره ب18 عاما.

ولمدة نحو ثلاث ساعات عرض الرئيس الفرنسي امام 500 صحافي فرنسي واجنبي تفسيرات لإصلاحات ينوي القيام بها، بلهجة حازمة نادرا ما اعتمدها منذ توليه السلطة في 2012 باستثناء في دفاعه عن سياسته العسكرية الهجومية في مالي وجمهورية افريقيا الوسطى وسوريا، وبينما يواجه صعوبة في تنفيذ وعده بتقليص البطالة، اعلن هولاند عن تخفيف الاقتطاعات الضريبية بمقدار 30 مليار يورو للشركات اضافة الى جهود من الدولة والادارات المحلية من شانها ان تتيح بحلول 2017 توفير 50 مليار يورو.

ومقابل "ميثاق المسؤولية" هذا بين الدولة التي تعد بتخفيف الضرائب والاعباء على الشركات، يتعين على هذه الاخيرة توظيف مليون شخص وهو ما وصفه الرئيس الفرنسي بانه "اكبر تسوية اجتماعية منذ عقود"، ولكن بغض النظر عن ذلك فان الرئيس هولاند تجاوز احد الخطوط الاساسية لليسار الفرنسي بتبني الخط "الاشتراكي الديموقراطي".

وقال المحلل السياسي ستيفان روزس "كالعادة يتصرف الاشتراكيون في الحكومة ببرغماتية لكن لم يسبق لرئيس اشتراكي او اشتراكي في السلطة ان تبنى الخط الاشتراكي الديموقراطي"، ويمكن ان يثير تحول هولاند ارتياح بلدان غربية وخصوصا اوروبية انتقلت منذ زمن بعيد الى الافكار الاشتراكية الديموقراطية، لكن في بلد كان يعتبر الى وقت غير بعيد عبارة "اشتراكي ديموقراطي" شتيمة في اعين ناشطي الحزب الاشتراكي، فان الامر اشبه بثورة او على الاقل منعطف.

وقال هولاند "هل انا اشتراكي ديموقراطي؟ نعم على اعتبار ان ميثاق المسؤولية هذا" ليس سوى "عملية تسوية اجتماعية بالتالي اشتراكية ديموقراطية"، الا انه نفى ان يكون "تبنى الليبرالية"، وفي بروكسل رحبت المفوضية الاوروبية بهذه الاجراءات معتبرة انها "نبأ سار" وخطوة "في الاتجاه الصحيح" يمكن ان "تعزز القدرة التنافسية للشركات الفرنسية وتعود بالفائدة على النمو والوظيفة".

من جهتها، رحبت المانيا اكبر اقتصاد اوروبي بالإعلانات "الشجاعة" لهولاند التي تسير "في الاتجاه الصحيح"، واشاد بيار غاتاز رئيس هيئة ارباب العمل مؤخراً ب "خطاب يمضي في الاتجاه المعقول"،  ورأى ان "هناك وعي بواقع فرنسا" بعدما اقر في بداية كانون الثاني/يناير بان اليسار الحاكم يفعل اليوم ما لم تفعله اي حكومة في السابق.

وفي اوساط اليمين هناك خليط من الدعم الخجول والانزعاج اذ ان اعلانات الرئيس مدرجة منذ امد بعيد في برنامج اليمين دون ان تنفذ عندما كان نيكولا ساركوزي في الحكم (2007-2012)، وقال زعيم اليسار الراديكالي جان فرنسوا كوبيه بانه "لا يمكننا الا ان نوافق" على توجه رئيس الدولة، لكنه اضاف "اقول انتبهوا فالشيطان يكمن في التفاصيل".

من جهته، اكد الوزير السابق اليميني برونو لومير انه لا يجد خطاب هولاند الداعم للشركات "مزعجا البتة"، في المقابل انتقد زعيم اليسار المتشدد جان لوك ميلانشون الذي كان في الماضي رفيق سلاح هولاند، التغير في توجهات الرئيس، وقال "انه اخطر انحراف الى اليمين نشهده من حكومة يسار منذ غي مولي" رئيس الوزراء الفرنسي عام 1956 والذي يعتبر لدى البعض رمزا للتنازلات اليسارية، واضاف النائب الاوروبي "لقد انطلق بخطاب ضد المالية وانتهى بهدايا بلا مقابل لأرباب العمل" منددا بتصريحات رئيس الدولة "النيو-ليبرالية".

السيدة الاولى

الى ذلك وفي اول ظهور علني منذ اعلان انفصالها عن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بدت فاليري تريرفيلر مرتاحة بدورها كسفيرة لقضية انسانية ما يشير الى ان حياتها العامة ستركز على هذه القضايا من الان وصاعدا، وتريرفيلر التي كانت تبدو غير مرتاحة بدورها كسيدة اولى لفرنسا، تصدرت صورها مؤخراً الصفحات الاولى في الهند حيث تقوم بزيارة حظيت بتغطية اعلامية واسعة سواء وصولها الى المطار او زيارتها مستشفى في بومباي.

ونشرت صحيفة "تايمز اوف انديا" صورة لها وهي تتذوق طعاما في مركز للأطفال في وسط مدينة صفيح في بومباي التي زارتها مؤخراً واعادت نشر كلماتها حين قالت في مؤتمر صحافي "انا بخير"، والتقت فاليري تريرفيلر بعض الصحافيين الفرنسيين الذين نقلوا عنها قولها ان علاقتها بالرئيس الفرنسي "جيدة" كما كان أعلن مدير مكتبها.

ويبدو ان ظروف حياتها الخاصة لم تؤثر على هدف زيارتها وهو دعم المنظمة غير الحكومية "العمل ضد الجوع" وإطلاق مؤسسة جديدة في الهند تحت هذا الشعار، وقال رئيس هذه المؤسسة اشيوني كاكار خلال مؤتمر صحافي "لقد قدمت لنا الكثير وتعهدت بمواصلة دعمنا بأفضل شكل ممكن في المعركة ضد الجوع وسوء التغذية"، واضاف "انه امر لافت بالنسبة الينا".

وقد واجهت فاليري تريرفيلر صعوبة في التأقلم مع وضعها الى جانب الرئيس فرنسوا هولاند ولم تكسب شعبية خصوصا بعد تغريدة اكدت فيها دعمها لمنافس سيغولين روايال شريكة حياة هولاند السابقة على مقعد نيابة لا روشيل (غرب) في الانتخابات التشريعية عام 2012.

لكنها اثبتت حضورها تدريجيا في العمل الإنساني، وهكذا التزمت بمكافحة سوء معاملة الاطفال واصبحت سفيرة مؤسسة فرنسا-الحريات التي ترأسها دانيال ميتران، ولم يسمح لها الوقت لتحقيق الكثير في هذه المعركة كما فعلت ميتران لكنها اعلنت انها ستواصل التزامها بالعمل الإنساني، وفي الهند تطرقت تغريدتها الوحيدة الى التزامها بدعم منظمة العمل ضد الجوع في اطار مكافحة سوء التغذية.

واعلنت من جانب اخر بخصوص الظروف التي تمت فيها هذه الزيارة "لم اكن لأخل بالتزامي هذا من اجل اي شيء في العالم"، واضافت "سأواصل هذه المعركة"، وصعوباتها في التأقلم مع دورها كسيدة اولى لفرنسا تعيد الى الاذهان وضع سيسيليا اتياس زوجة نيكولا ساركوزي السابقة التي قامت بهذا الدور لمدة خمسة اشهر فقط لكنها واجهت كل الصعوبات أيضا، وقالت سيسيليا لمجلة لوموند ماغازين في حزيران/يونيو 2012 "السيدة الاولى، انه دور مبهم".

من جهتها قالت تريرفيلر "حصيلة ادائي، لا اعلم ما اذا يعود الامر لي لأقيمها او لكم"، وبالنسبة لشريكة حياة فرنسوا هولاند السابقة فان التزاماتها في العمل الانساني يجب ان تكون متوافقة مع مهنتها كصحافية في باري ماتش، وكانت فريديريك غيفار محاميتها السابقة قالت في الآونة الاخيرة "لتبرير قرارها بالبقاء صحافية، كانت تفسر على الدوام انها تريد الاحتفاظ بالحد الاقصى من استقلاليتها المالية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/شباط/2014 - 4/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م