خيري محمد، تجاوز الأربعين بسنتين، وهو يشكو من الإعاقة الولادية
بنسبة حددتها لجان طبية بنحو 60%، هو لا يقدر على أداء عمل يمكّنه من
الإنفاق على نفسه وتلبية حاجاته اليومية، كما تسببت الإعاقة الكبيرة
بمنعه من الزواج وتكوين أسرة، لذلك هو يواجه آلاما نفسية أيضا بالإضافة
إلى آلامه الجسدية، ويخشى كثيرا من المستقبل المجهول.
قال خيري لـ"مركز آدم" إنه يخشى التفكير بالمستقبل الذي سيحل بعد
سنوات" فحين يكبر لن يجد حوله من يعينه على مواصلة حياته، ووصف هذا
الشعور بـ"المخيف".
ولأنه لم يتمكن من العمل فهو ينتظر الإعانات المالية التي تقدمها
الدولة له ضمن مشروع شبكة الحماية الاجتماعية، وبعد كل ثلاثة أشهر يحصل
على (150) ألف دينار عراقي، دفعة واحدة "لكنها لا تكفي لسد احتياجاته"
فهو يحتاج للإنفاق على نفسه وشراء ملابس ومستلزمات شخصية ضرورية، كما
ينفق على مراجعة الأطباء من وقت لآخر.
ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد المعاقين في العراق، غير أن بعض
التقديرات شبه الرسمية تشير إلى أن عددهم تجاوز المليون شخص معظمهم من
ضحايا الحروب التي خاضها العراق على مدى العقود الأربعة الماضية، كما
وأسهمت أعمال العنف التي شهدتها البلاد في العقد الأخير بزيادة أعداد
المعاقين من مختلف الفئات العمرية.
ومع أن عدد المعاقين كبير جدا إلا أنهم لا يحصلون على خدمات فعلية
تخفف عنهم وعن أسرهم أعباء المعيشة والنفقات الطبية، وفيما أقر مجلس
النواب العراقي في أيلول الماضي "قانون رعاية المعاقين" الذي يُنتظر
منه إيجاد فرص عمل في الوزارات وشركات القطاع العام، وبما لا يقل عن 5%
من ملاكاتها للمشمولين بأحكامه، غير أن المعاقين لا يبدون تفاؤلا حيال
هذا القانون.
وقال خيري محمد" تقدمت منذ أكثر من عام بطلب الحصول على وظيفة، ولم
أحصل على إجابة لهذا الطلب لحد الآن" وهو يعتقد أن التشريعات النيابية
لا تجد طريقها إلى التطبيق وإن وجدته فستكون عرضة لحالات الفساد المالي
والإداري المستشرية في البلاد.
ولا يتوقف هذا الرأي على خيري وحده، فمعظم المعاقين يشعرون بأن
التشريعات التي تخصهم عديمة الجدوى لكونها لم تطبق على أرض الواقع، أو
إن تطبيقها لن يكون جديا وفعالا.
الأطفال المعاقون.. معاناة مزمنة
يولد الكثير من الصغار بإعاقات جسيمة، وازدادت هذه الولادات في
العقود الثلاثة الأخيرة بسبب الأسلحة التي استخدمت في حروب مدمرة
شهدتها المنطقة، وبسبب تصاعد نسبة التلوث البيئي وأيضا بسبب ممارسات
فردية خاطئة من الآباء.
وتجد أسر الصغار المعاقين صعوبة بالغة في دمجهم بالمجتمع خصوصا وأن
حواجز نفسية مختلفة تحول دون هذا الأمر، وتتفاقم معاناة الصغار ممن
يعانون من الصم البكم في ظل عدم وجود مدارس متخصصة بهذا النوع من
الإعاقة، وتبدو معاناتهم لافتة في أكثر الأحيان، مقارنة بمعاقين آخرين
من فئاتهم العمرية.
ربيع هاشم، له ولد من الصم البكم يدعى عباس، تجاوز الثامنة من عمره،
ويواجه ربيع الذي يسكن في منطقة ريفية بعيدا عن مركز المدينة مشكلة في
تعليم إبنه القراءة والكتابة لعدم وجود مدرسة متخصصة للصم والبكم، لذا
حاول أن يقوم بهذه المهمة بنفسه لكنه واجه صعوبات منعته من إتمام هذه
المهمة.
قال ربيع لـ"مركز آدم" انشغالي بالعمل وغيابي عن المنزل عدة أيام
في الأسبوع يحولان دون قدرتي على تعليم ابني مستعينا ببعض الرسوم
التوضيحية والطرق التدريسية التي حصلت عليها من الانترنت مضيفا "أن
جهوده حتى وإن تواصلت فهي لا ترقى إلى مستوى ما تقدمه المدارس المتخصصة
بتعليم الصم والبكم".
وهناك آلاف الأطفال المعاقين ينعزلون تدريجيا عن مجتمع يقسو عليهم
كثيرا، فلا يتمكنون من عيش طفولتهم كما الآخرين من أقرانهم، ويصبحون
عبئا باهضا على أسرهم من الناحيتين المالية والنفسية.
ويواجه المعاقون الصغار انتكاسة كبيرة بسبب المضايقات التي يتعرضون
لها في محيطهم الاجتماعي، وبلغ الأمر حدا أن أسر الكثير من المعاقين
تخجل غالبا من إظهارهم أو اصطحابهم في الأماكن العامة، وقال جابر فهد
ناصر، وهو متخصص في مجال البحث الاجتماعي" تخجل الأسر التي لديها معاق
من إظهاره ومواجهة الناس به لأن المجتمع ينظر بامتهان واستهزاء إلى
الأشخاص المعاقين".
واعتبر هذا السلوك يحط من آدمية المعاقين ويفاقم مشاكلهم النفسية
ويجعلهم عرضة لاهتزاز الشخصية التي تعاني أساسا من الضعف بسبب الإعاقة،
ونبه إلى أهمية ابتعاد الأسر التي لديها أفراد معاقون عن مثل هذا
السلوك.
وقال "على المجتمع أن يعي جيدا أن الناس يولدون دون أن يكون لهم دور
في أشكالهم أو أجسادهم ويجب أن لا يتحملوا مسؤولية الإعاقة الولادية
التي يعانون منها".
النساء المعاقات
لا يقتصر العوق الولادي أو العارض بسبب الظروف على الذكور فهناك
آلاف النساء يعانين من إعاقات مختلفة، ولأن المجتمع ذكوريا فهو يقسو
على المرأة المعاقة بشكل مضاعف، وتنعدم فرص النساء المعاقات في الحصول
على فرص حياتية أفضل في ظل عدم وجود مؤسسات فاعلة تعنى بشؤون النساء
المعاقات، وبسبب تراجع الدولة عن واجبها في العناية بالأشخاص المعاقين.
ولأن مشكلة الإعاقة إنسانية ولا تقتصر على مجتمع دون سواه فقد خصصت
الأمم المتحدة اتفاقية خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة لفتت فيها نظر
الحكومات إلى إن النساء والفتيات ذوات الإعاقة يتعرضن لأشكال متعددة من
التمييز، وطالبت باتخاذ التدابير اللازمة لضمان تمتــعهن بشكل كامل
وعلى قدم المساواة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
كما دعت الاتفاقيةُ الدولَ إلى اتخاذ التدابير الملائمة لكفالة
التطور الكامل والتقدم والتمكين للمرأة، بغرض ضمان ممارستها حقوق
الإنسان والحريات الأساسية المبينة في هذه الاتفاقية والتمتع بها.
وتظل الدعوات الدولية في هذا المجال قاصرة عن إيجاد حلول واقعية
لمشاكل النساء المعاقات، وقالت، جميلة محمد، وهي تعاني من شلل في
أطرافها السفلى "المعاقة في مجتمعنا أشبه بشيء قديم لا قيمة له" وهي
تعتقد أن الدولة والمجتمع يقسوان على الأشخاص المعاقين جرّاء الإهمال
المتعمد.
ومن صور الإهمال التي تراود المعاقات هو انعدام فرصهن في الحصول على
عمل، وشحة ما يخصص لهنّ من موارد مالية ضمن موازنة الدولة، وقالت جميلة
"يمكن للمعاقات القيام بعمل يتناسب وقدراتهن الجسدية والذهنية، لكن هذه
الأعمال ليست متوفرة".
المعاقون في الدول العربية
لا يختلف حال المعاقين من حيث الإهمال من دولة عربية لأخرى،
فالمعاقون في هذه الدول يعانون من ظروف متماثلة من التمييز المجتمعي
وحتى الحكومي فيما يتعلق بفرص العمل، وإن بدت ظروف المعاقين في الدول
العربية الفقيرة أكثر تفاقما من ظروفهم في البلدان الأكثر غنى.
المعاقون في المواثيق الدولية
نصت المادة الثالثة من اتفاقية حقوق المعاقين التي أقرتها الأمم
المتحدة في 2006 على احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي
بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم، وحمايتهم من
التمييز، وكفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة
في المجتمع، واحترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع
البشري والطبيعة البشرية، وضمان تكافؤ الفرص، وإمكانية الوصول، واحترام
القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على
هويتهم.
واعتبرت منظمة الصحة العالمية اتفاقية رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة
بأنها مهمة لأنها إحدى معاهدات حقوق الإنسان التي صمّمها ممثّلو الأسرة
الدولية، بمن فيهم المعوقون والمسؤولون الحكوميون وممثّلو المنظمات غير
الحكومية وغيرهم، بغرض تغيير الطريقة التي ينظر إليها الناس إلى
المعوقين والطريقة التي يعاملونهم بها في مجتمعاتهم.
وتحثّ الاتفاقية الناس في جميع أنحاء العالم على فهم الإعاقة
واعتبارها إحدى قضايا حقوق الإنسان، بدلاً من اعتبارها مجرّد مسألة
طبية أو من قبيل صنع المعروف أو الاتكّال على الغير. وهي تغطي مجالات
عديدة يمكن أن تظهر فيها العقبات، مثل الدخول إلى المباني واستخدام
الطرقات ووسائل النقل والحصول على المعلومات من خلال البلاغات المكتوبة
والإلكترونية. كما ترمي إلى الحد من أشكال الوصم والتمييز، التي تقف،
غالباً، وراء حرمان المعوقين من فرص التعليم والعمل والخدمات الصحية
وغيرها من الخدمات.
التوصيات
ونظرا لأهمية ما يجب أن يحصل عليه الأشخاص ذوو الإعاقة من الرعاية
المجتمعية والحكومية يوصي مركز آدم بجملة من الوصايا:
1- لضمان الجانب المعيشي لآلاف المعاقين يتعين على الدولة إيجاد فرص
عمل تناسب القدرات الذهنية والجسدية للمعاقين والمعاقات.
2- من الضروري تشكيل وزارة اتحادية خاصة بالمعاقين تنبثق عنها برامج
تهتم بدمج المعاقين في أوساطهم الاجتماعية وإبراز قدراتهم على الإبداع
والعطاء وتسليط الضوء على الناجحين منهم كنوع من رد الاعتبار لهذه
الشريحة الاجتماعية التي يعاملها المجتمع بسلبية.
3- إيجاد منظمات غير حكومية تتبنى برامج مدنية لتأهيل المعاقين
وتؤسس للقاءات جماعية تعزز الثقة في نفوسهم وتمنحهم فرصة اللقاء وتكوين
علاقات إنسانية ايجابية.
..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد
منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق
والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض
النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه
الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم
القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية،
كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات،
ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف
الاتجاهات...
هـ/7712421188+964
هـ: عباس سرحان/7800005641+964
http://adamrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights |