المدرسة المثقفة والمثقفة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل يمكن أن نطلق هذا الوصف، أو هذه التسمية على المدرسة؟، بمعنى هل يمكن ان توصف المدرسة بأنها مثقفة؟، الجواب نعم يمكن ذلك ضمن شروط معينة، أهمها أن المدرسة المثقفة ليست مكانا لقضاء الوقت الفائض، وهي ليست ساحة او حديقة جرداء او خضراء، يقضي في اعداد من الطلبة والمعلمين، ساعات من النهار ثم يمضون الى بيوتهم في عملية يومية مملة، المدرسة المثقفة شيء مختلف تماما، إنها لا تضيّع جهودها في التعليم الروتيني المعتاد.

بل هي المدرسة التي يقترن التعليم فيها مع الثقافة، لأن الهدف التثقيفي في المدرسة المثقفة يتقدم على التعليم، فتصبح الثقافة متصدرة اولا، ثم يأتي التعليم ثانيا، استنادا الى المبدأ الذي ينص على أن التعليم بلا ثقافة كالنهر بلا ماء، فلا فائدة فعلية منه، فالثقافة هنا هي بمثابة الماء الذي يسقي اشجار العلم، وعندما ينحسر ماء الثقافة، تصبح المواضيع التي تعلمناها من المدرسة كالاشجار الجرداء لا فائدة ترتجى منها.

هذا التوصيف أو هذه المقاربة بين الثقافة والماء، تؤكد اهمية الثقافة في الحياة، لأن الماء يقف وراء كل شيء حي، وطالما أن الثقافة والماء يتشابهان، فإن الثقافة ايضا تقف وراء الحياة النابضة بالابداع والتجديد والابتكار، إنها تصنع المجتمع الحيوي المنتج، والشعب او المجتمع او الفرد الذي يفتقر للثقافة، لن يكون بمقدوره أن يواكب العالم المعاصر الذي يضج بالتجديد والمبتكَر.

مدارسنا في العادة، تهتم بقضية التعليم اولا، لدرجة يصبح بها هذا التعليم عمل اجرائي روتيني، ويمكن أن نستدل على ذلك عندما نسأل الطلاب عن الفائدة التي يجنونها من الدراسة الروتينية، وبعد ذلك نأتي الى الواقع العملي لما تنتجه عملية التعليم الروتيني، اننا في الغالب نحصل على فرد متعلم، لكنه غير مثقف، وهذه مشكلة يمكن ملاحظتها لدى معظم الشباب ممن يتخرجون من المدارس الابتدائية او الاعدادية، بل حتى الجامعات، إن هذه الأماكن الدراسية التي نكن لها كل التقدير والاحترام، آخذة بالهبوط في مستواها العلمي والعملي لاسباب معروفة، ولكن غياب الثقافة وعد اقتران التعليم بها، يعطينا شباب لا علاقة لهم بالتفكير المنتِج، أو التفكير الذي يدفع الانسان المتعلم نحو البحث عن الجديد دائما.

هنا تطرح بعض التساؤلات، كيف نعرف أن التعليم كان ناجحاً؟ وما هو معيار النجاح؟. بل ما هو النجاح نفسه؟ ان أمر النجاح - بشكل عام- وتحديده ينطوي على الاختلاف لكن أغلب المعلّمين يقيّمون النجاح على أنه النجاح الحالي أو النجاح الآني المتأتي من عملية التعليم وحدها، وينسون او يتناسون دور الثقافة المدرسية في تطوير قدرات الطلاب، إن النجاح لا يتحدد فقط في إتمام ورقة الإمتحان بشكل صحيح و بنسبة تفوق معدّل النجاح، بل الصحيح، تحقيق درجة نجاح عالية مع ثقافة عالية، تمنح الطالب المتعلم كيف يطور نفسه ومواهبه، وكيف يتعامل مع المستجدات ثم يتعامل وفق مواهبه، ليندفع نحو التغيير والابتكار وما شابه.

لذا فإن النجاح في الدروس والمناهج المقررة، وفقا للتعليم الروتيني المتعارف عليه يمثل نجاحا احاديا او من جانب واحد، وهو نجاح مؤقت لا يصب في تطوير مواهب الطلاب، ولا يدفعهم نحو آفاق علمية عملية جديدة، لهذا ينبغي ان تكون المدرسة مثقفة، كي تدمج بين التعليم والثقافة، وتخرج طلابا يتقنون التعليم والثقافة معا.

أما كيف يمكن خلق المدرسة المثقفة، فهذا الامر يعود الى ادارة المدرسة اولا، وارتباطها الاداري ثانيا، ثم قدرة الكادر التدريسي على سحب الطلاب الى جانب الثقافة، من خلال منحهم المحفزات الفكرية اللازمة، وتوفير الكتب اللازمة في مكتبة مدرسية يجب انشاءها في كل مدرسة، فالهدف من المدارس ليس التعليم والتلقين فقط، بل المطلوب من المدرسة أن تخرج أجيالا من الطلبة المتعلمين المثقفين في وقت واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/شباط/2014 - 3/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م