عقدة داعش في العراق... سجال عسكري على وقع الصراع السياسي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: استعدادات قوية للحسم العسكري ظهرت ملامحها مؤخراً من جانب الحكومة العراقية بتوجيه القوات المسلحة العراقية لاقتحام مدينة الفلوجة التي يتحصن فيها مقاتلي ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) ويحكمون السيطرة عليها منذ ما يزيد على الشهر، بعد ان سيطرت القوات العراقية على اغلب مدن محافظة الانبار باستثناء "الفلوجة" التي تحولت الى سبب لاثارة المشاكل السياسية بين الفرقاء، إضافة الى الخوف المتنامي من تحولها الى شرارة لحرب أهلية او مذهبية "لا تبقي ولا تذر"، بحسب تصريح لاحد قيادات (ائتلاف متحدون) المعارض للحكومة الحالية.

وتشير المعطيات الأولية ان المواجهة المسلحة بين الطرفين لا مناص منها، في الوقت الرهن، بعد ان نفدت الحلول السلمية والمفاوضات التي سبقت الاستعداد لدخولها ولم تؤدي الى نتائج واقعية، خصوصاً وان تنظيم (داعش) رفض الاقتراح المقدم له من قبل المفاوضين السنة للخروج من المدينة وتجنيبها واهلها خيار المواجهة المسلحة.

ويبدوا ان من بين الأسباب التي دعت مسلحي (داعش) الى اختيار "المواجهة الأصعب" في الفلوجة، من اجل تعويض ما فاتهم في سوريا، سيما وان خسائرهم تتنامى هناك، الى جانب تخلي التنظيم الام (القاعدة) عنهم لصالح (جبهة النصرة) وقطع أي علاقة لها بتنظيمهم او بتصرفاتهم، وما ينسحب عليها من عدم دعمهم في أي مواجهة مستقبلية سواء في سوريا ام في العراق، ويبدو ان هذه المواجهة تأتي في سياق اثبات الوجود والفاعلية على الأرض.

بالمقابل، فان الحكومة العراقية، تحاول حسم هذا الملف قبل الانتخابات كي لا تزيد من تعقيد الأمور من جهة، ولاستثمار الدعم الأمريكي والدولي في هذه المواجه على أكمل وجه، من جهة أخرى، كما انها تتخوف من إطالة امد الازمة ببروز مفاجئات جديدة تصب في مصلحة الفصائل المتطرفة وتعقد المسالة وتفرط عقد التعاون بين الحكومة العراقية والعشائر السنية الداعمة لها.

الموقف الامريكي

فقد بحث الرئيس الاميركي باراك اوباما مع رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي في الحاجة لدمج قادة ومقاتلي العشائر السنية بالقوات العراقية، في وقت لا تزال مناطق عدة في غرب العراق تحت سيطرة متمردين، وجاءت تصريحات اوباما لدى انضمامه الى لقاء في واشنطن بين نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ورئيس مجلس النواب العراقي.

وقال البيت الابيض في بيان ان "الرئيس حض القادة العراقيين على مواصلة الحوار كي يتم اخذ الشكاوى المشروعة لكل المجموعات بالاعتبار في العملية السياسية"، واضافت الرئاسة الاميركية ان "الجانبين اتفقا على الحاجة الى تدابير امنية وسياسية لمحاربة الارهاب، وناقشا التدابير التي ستسمح بدمج القوات العشائرية والمحلية في البنى التحتية الامنية تماشيا مع التزامات الحكومة العراقية مؤخرا". بحسب فرانس برس.

وجاء في البيان ان "الرئيس اوباما ونائب الرئيس بايدن أعربا ايضا عن دعم الولايات المتحدة القوي للتعاون المستمر بين قادة العشائر والقادة المحليين والحكومة العراقية في مواجهة القاعدة في العراق، تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام"، وتحض ادارة اوباما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على منع عودة مقاتلي القاعدة الى غرب العراق عن طريق القيام بمزيد من الخطوات لدمج قادة العشائر السنية في القوات المسلحة والحكومة العراقية.

وأعرب مسؤولون مؤخرا في مجالس خاصة عن اعتقادهم ان التهديد القادم من المتطرفين في مدن عراقية مثل الفلوجة، دفعت المالكي الى القيام بخطوات جديدة لدمج العشائر السنية في المنطقة، وتريد واشنطن من المالكي ان يتبنى تكتيكا مماثلا في استمالة العشائر السنية لمحاربة المتطرفين، كما فعلت القوات الاميركية في استراتيجية ارسال تعزيزات في الحرب ضد القاعدة، وجاء الاجتماع في البيت الابيض بعد ساعات على دعوة المالكي سكان محافظة الانبار الى "ان يتهيأوا ويستعدوا ويتخذوا مواقف حاسمة" من المسلحين الذين يقاتلون الحكومة، في وقت قالت تقارير ان الضربات الجوية اسفرت عن مقتل 50 مسلحا.

ولا تزال اجزاء من الرمادي وكامل الفلوجة، المدينتان الواقعتان غرب بغداد، تحت سيطرة المسلحين منذ أسابيع، وهي المرة الاولى التي يسيطر فيها المتمردون بشكل علني على مدن عراقية منذ تصاعد العنف الذي أعقب الغزو بقيادة اميركية في 2003، وقالت وزارة الدفاع العراقية ان الضربات الجوية في انحاء الانبار اسفرت عن مقتل 50 مسلحا بينهم مقاتلين اجانب من جنسيات عربية.

فيما ابلغت ادارة الرئيس باراك اوباما الكونجرس بخطط بيع طائرات هليكوبتر اباتشي هجومية للعراق بعد تقديم ضمانات للمشرعين بشأن كيفية استخدام الطائرات، وقالت وكالة التعاون الدفاعي والامني في موقعها على الانترنت انها أبلغت الكونجرس باحتمال بيع 24 طائرة اباتشي لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يسعى للتصدي لخطر الجماعات المسلحة المتزايد.

وتعطل بيع الطائرات بسبب بواعث قلق لدى قيادة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يتعلق بعضها بما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع الحصول على ضمانات كافية لعدم استخدام الطائرات في غير الاغراض التي خصصت لها، وقال مساعد في مجلس الشيوخ ان اللجنة وافقت على تأجير وبيع طائرات هليكوبتر للعراق بعدما تواصلت وزارة الخارجية "معنا بشكل مكثف هذا الشهر" لمعالجة بواعث قلق الكونجرس، ولم يتضح على الفور عدد طائرات الهليكوبتر التي ستؤجر او تباع للعراق.

تسليح الارهابيين

من جهته أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رفض بلاده تسليح "الارهابيين" في سوريا فيما استطاعت قوات عراقية استعادة سيطرتها على مناطق كانت بيد مسلحين من تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" في محافظة الانبار الى غرب بغداد، وقال المالكي في كلمته الاسبوعية ان "فسح المجال لإيصال السلاح الى التنظيمات الارهابية والمتطرفين في سوريا يعني دعما لهم في العراق"، وأضاف "ما حصل فعلا السلاح الموجود بيد هؤلاء الان والذي حشدوه وخزنوه بدأ يتدفق علينا اليوم من سوريا".

واضاف "ادعو الدول التي بدأت تتحدث عن ضرورة دعم هؤلاء بالسلاح أقول، انكم بوجه اخر تدعمون القاعدة والارهاب في العراق"، واتهم وفد النظام السوري الى مفاوضات جنيف-2 الولايات المتحدة ب"تسليح الارهابيين" في سوريا، وجدد مطالبته بدعم عالمي للوقوف ضد الارهاب قائلا ان "العالم ينبغي ان يكون مسؤولا عن مساعدتنا ومساعدة كل من يقف بوجه الارهاب والقاعدة".

فيما قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إن الوقت حان لطرد مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة من بلدة الفلوجة لكنه لم يحدد موعدا لشن هجوم عسكري على البلدة، وقال "حان الوقت لحسم هذا الموضوع وإنهاء وجود هذه العصابة في هذه المدينة وانقاذ أهلها من شرهم، وحث المالكي أهالي الفلوجة مجددا على أن "يتخذوا مواقف حاسمة من وجود هؤلاء الارجاس بدون خسائر وبدون تضحيات" لكنه لم يحدد مهلة لذلك، وأضاف "هؤلاء المجرمين يريدون ان يوقعوا الفتنة الطائفية ولينتهوا الى عملية تقسيم العراق". بحسب رويترز.

ووزع التنظيم منشورات الاسبوع الماضي تعلن تشكيل لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعيد إلى الأذهان ذكريات محاكم شرعية صارمة كانت في الفلوجة عامي 2005 و2006، وفشلت جهود التفاوض لحل الأزمة حتى الآن. وقال مشاركون في اجتماع لزعماء العشائر ورجال دين عقد مؤخراً لاختيار رئيس بلدية وقائد شرطة للفلوجة إن التنظيم رفض النتيجة لأنه لم يكن ممثلا في المحادثات.

وأرسل مقاتلو التنظيم المزيد من المقاتلين والاسلحة الى الفلوجة خلال الاسابيع الثلاثة الماضية واستغلت جماعات مسلحة اخرى الفراغ الأمني، وقال سكان انه لا يمكنهم تحديد ولاء المسلحين الذين يجولون في البلدة، وخطف مسلحون قبل يومين قائدا سابقا للشرطة في الفلوجة على المشارف الجنوبية للمدينة، وقال اقارب وزعماء عشائر إنهم يسعون لإطلاق سراحه بدفع فدية، وقال أحد زعماء العشائر "الوضع في الفلوجة خطير ويخرج عن نطاق السيطرة، الجميع يحملون الأسلحة وشرارة واحدة يمكن ان تشعل حربا في المدينة".

تواصل الاشتباكات

على صعيد ذو صلة كثفت القوات الحكومية العراقية التي تحارب متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة الضربات الجوية والقصف المدفعي لمدينة الفلوجة التي يسيطر عليها متمردون، وقال مسؤولون مستشفيات وزعماء عشائر إن سبعة أشخاص على الاقل لاقوا حتفهم، وقال زعماء دينيون وعشائريون في المدينة التي تقع على بعد 50 كيلومترا غربي بغداد إنهم يخشون من وقوع هجوم وشيك للجيش لطرد المسلحين وإنهاء مواجهة مستمرة منذ ثلاثة أسابيع أدت إلى نزوح ألوف الأشخاص من ديارهم.

وتفرض القوات العراقية وقوات الأمن طوقا غير محكم على الفلوجة وخاضت اشتباكات متفرقة مع مسلحين داخلها، لكن القوات تحجم عن شن هجوم شامل لإتاحة الوقت للزعماء المحليين ورجال العشائر لإقناع المسلحين بالانسحاب.

وقال رجل دين في الفلوجة التي كانت مسرحا لمعركتين كبيرتين مع القوات الامريكية عام 2004 "لم يعد هناك وقت للمحادثات ونشعر بالخوف من أن يكون هناك حل عسكري وشيك، هناك معركة ثالثة في الفلوجة على الأبواب"، وهاجم متشددون مرتبطون بالقاعدة موقعا للجيش في جنوب الفلوجة واستولوا على عربتين من طراز همفي ودمروا ثالثة حسبما قال مسؤولون محليون، ورأى شاهد عيان مسلحين يقودون العربتين ويحتجزون فيهما أربعة أشخاص يرتدون زي الجيش العراقي.

وقالت مصادر مستشفيات في الفلوجة إن 42 شخصا أصيبوا بجروح في الضربات الجوية والقصف بالمدفعية والمورتر، وقتل أربعة مدنيين في الفلوجة مؤخراً، ولم يتضح ما إذا كانت وقعت إصابات في صفوف المسلحين، وسيطرت جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبطة بالقاعدة والتي تقاتل ايضا في سوريا على الفلوجة ومناطق من الرمادي القريبة بمساعدة رجال عشائر مسلحين متعاطفين معها في أول يناير كانون الثاني.

وأدى هجوم عسكري حكومي في الأيام القليلة الماضية الى طرد مقاتلي القاعدة من مساحات كبيرة في الصحراء كانوا يسيطرون عليها على امتداد الحدود السورية في غرب العراق، وقال مسؤولون أمنيون عراقيون إنه لم يتم بعد تحديد موعد نهائي لتنفيذ عملية عسكرية في الفلوجة لكنهم أعربوا عن شعورهم بالقلق من أن يسمح المزيد من التأخير للمتمردين بتعزيز مواقعهم، وقال ضابط في القوات الخاصة "لم نتلق الضوء الأخضر لبدء هجوم لكن كلما انتظرنا كلما تمكنت القاعدة من تعزيز قوتها وتعقيد مهمتنا في إلحاق الهزيمة بهم".

وفي الرمادي حيث يساعد رجال العشائر الجيش في مواجهة متمردي القاعدة قالت مصادر مسؤولة إن جماعات مسلحة استعادت المناطق الشرقية من المدينة بعد انسحاب قوات الأمن، وقالت وزارة الدفاع إن 20 من مسلحي جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام قتلوا في عملية الجيش بشرق الرمادي، ودفعت الاشتباكات اكثر من 140 الف شخص من اهالي الانبار الى الفرار منذ اندلاعها نهاية العام الماضي، وفقا للأمم المتحدة، وافادت المنظمة الدولية أن أعمال العنف في العراق قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ خمس سنوات في 2013 بمقتل حوالي 9000 شخص أغلبهم مدنيون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/شباط/2014 - 3/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م