
الاشجار المثمرة ترمى بالحجارة
شبكة النبأ:
كل شيء مباح في السياسة، هذا ما توصل اليه الفهم السياسي
لفاعليات دينية واخرى سياسية في عالمنا العربي والاسلامي..
الفاعليات الدينية، ولا اشير اليها جميعها، اخذت تتأثر بما تتركه
التموجات لحركة السياسة والفاعلين فيها، والذين أدركوا ان توظيف الدين
في خصوماتهم وصراعاتهم هو اقصر طريق لنيل الشرعية في الحضور والمشروعية
في تمثيل الاخرين والتحدث باسمهم..
جميع المذاهب والطوائف الاسلامية، تعيش حالات التوظيف بدرجة واخرى،
حتى لو كان هناك رفض وعدم قبول لهذا التوظيف من قطاعات واسعة من
المنتمين لتلك المذاهب والطوائف..
لاتوجد خيارات اخرى في مناطق الفعل السياسي والذي يوظف الدين
والفاعلين الدينيين، فاما ان تكون معنا او ضدنا، فليس ثمة خيار ثالث او
رابع او عاشر، لان طبيعة السياسة كسلوك في العقل الجمعي العربي والمسلم،
لاتعترف بهذه الخيارات او الحياد، او الوقوف في منتصف المسافات بين
المتخاصمين والمتنازعين..
لايمتلك صاحب الخيارات المتعددة الا النأي بنفسه وموقعه كفاعلية
دينية لم تستطع السياسة توظيفه، او كفاعل سياسي لم يتلبس الدين قناعا
لخداع الاخرين، وحتى الرسائل التي يبعثها عبر صمته الدال والممتلئ بكل
بلاغة الخطاب، لاتؤثر بهؤلاء الذين يترصدون كل حركة او شاردة وواردة،
في حركة هذا الفاعل او من يعتقد أنه ينتسب اليه، او يكون مقربا منه، او
محسوبا عليه..
كمتابع لحركة المرجعية الشيرازية منذ اكثر من خمسة عشر عاما، لم
أسمع يومها أن الامام السيد محمد الشيرازي وكان حيا وقتها قد (اصدر
اوامره) لمقلديه او القائمين على ادارة مؤسساته في سوريا او في اي مكان
اخر، وعلى هؤلاء الالتزام بها وتنفيذها حرفيا.. كان كثير من هؤلاء
القائمين على تلك المؤسسات يجتهدون في اعمالهم، وهم الذين يتخذون
القرارات في ما يتعلق بها.. وكان الامام الشيرازي الراحل يلتزم بمقدار
معين من التوجيه حول تلك الاعمال، يبارك العمل احيانا، ويسجل اعتراضا
عليه في احيان اخرى، الا انه لايمنع الاخرين منه ولا يصادر حرية
قرارهم..
اقتطف من رسالة للامام الشيرازي الراحل موجهة الى مجموعة من
القائمين على عقد مؤتمر للكوادر المرجعية في سوريا من كافة انحاء
العالم، يقول في معرض توجيهاته وليس (اوامره) كما درج الاخرون عليه من
مرجعياتهم: (ولايكون لهم (اي المشتركون) شروط سابقة، ورائدهم الهدف،
والشورى هي المرجع) ويضيف نقطة مهمة جدا يستشف منها طريقته في العمل
والتعامل مع الاخرين، حين يقول (واذا تساوى في الرأي فريقان فالفاصل
القرعة) ويضيف الى ذلك سمة اخلاقية (شيرازية) لايتوفر عليها الا الكبار
من هذه الاسرة، يقول: (ويكون المؤتمر شعاره لفظا وقلبا وعملا الاخلاق
واللاعنف وضبط النفس).
نفس تلك السمة الاخلاقية (الشيرازية) هي مايسير عليها المرجع الحالي
السيد صادق الشيرازي في تعامله وسلوكه مع الاخرين، ونفس الفهم المغلوط
لهذه السمة الاخلاقية، ما يصر عليه الاخرون في قراءتهم لحركة هذه
المدرسة، والذين يعتقدون ان مايصدر عن اشخاص محسوبين عليها يمثل رأي
المرجعية، او انهم يباركونه وانهم لايعترضون عليه..
في الاونة الاخيرة، ظهرت عدد من الفاعليات الدينية او السياسية، او
التي تمثل الاثنين معا، وهي يحسبها البعض على مرجعية السيد صادق
الشيرازي او المدرسة الشيرازية بالمعنى الاوسع والاشمل، وهذه الفعاليات
تخوض في عدد من المواضيع وتطرح اراؤها في الكثير من القضايا الاسلامية
او السياسية داخل بلدانها او خارجها، وتكون تلك الاراء مثار جدل واسع،
لا لاهميتها او عمقها او اختلافها عن السائد، فكثير منها او ما يشابهها
يطرح ليل نهار ومن اكثر من جهة ولا يثير هذا الجدل حوله، ولكن هذا
الجدل متأت من هذا الترصد لكل مايمت الى المرجعية الشيرازية بصلة حتى
لو كانت بعيدة او ضبابية..
لحسم هذا الجدل، اصدر مكتب المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام
ظله) بيانا مختصرا لكنه بليغ في التعبير عن موقفه من هذا الجدل الدائر،
واكد فيه (إنه لا يمثل السيد المرجع "مدظله" في الآراء والمواقف إلاّ
مكاتب المرجعية المعروفة في مختلف أقطار العالم و هكذا قناة "المرجعية"
الفضائية العالمية).
ومعنى البيان لمن يتوفر على النوايا السليمة في داخله، يعني ان
مايقوله الاخرون من فاعليات دينية او سياسية لايمثل او يعبر عن رأي
المرجعية، او حتى مايدّعونه من تمثيل لها..
ان الخطوط العامة للمرجعية الشيرازية ومنهجها في التعامل مع الجميع،
كما هو مبين في خطاباتها وبياناتها، هي احترام الاخر وحريته، وانها
مرجعية قائمة على الوسطية التي ندب اليها القرآن الكريم، وجسدها الرسول
محمد (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) في حياتهم..
والمرجعية الشيرازية، تنهج في تعاملها مع الاخرين اسلوب الحكمة
والموعظة الحسنة في الكثير من القضايا المطروحة.
وكذلك في ما يتعلق بالموقف السياسي تجاه الكثير من القضايا على
الساحة العراقية او الاقليمية، هو الوقوف على مساحة واحدة من الجميع،
وانتخاب الافضل، الذي يجسد خيارات الناخب في صناديق الاقتراع، دون
توجيه لاسم او حزب معين..
أود طرح تساؤل في ختام هذه الكلمات ومن واقع التجربة السياسية
العراقية على مدار عشرة اعوام كاملة: لماذا لاتنسب مخالفات الاخرين
وفسادهم وسوء ادارتهم للبلاد والعباد الى المرجعيات التي ينتمون اليها؟
|