ان صفات المرشح لشغل موقع ما تنبع من مهام الموقع ذاته، فمثلا، اذا
اردنا ان نختار مرشحا لشغل إمامة مسجد او حسينية او مركز اسلامي،
فينبغي ان يتصف بما يحتاجه الموقع من صفات ومميزات، كالتقوى والعلم
بالدين وما الى ذلك، وإذا اردنا ان نختار مرشحا لشغل موقع في القوات
المسلحة، فينبغي ان يلبي حاجة الموقع من الشجاعة والإقدام والمعرفة
بخطط الحرب والسلم والدراسة الأكاديمية العسكرية وغير ذلك، اما اذا لم
تتطابق صفات المرشح مع حاجة الموقع، فسنخسر الاثنين معا، المرشح
والموقع، وتلك هي مشكلة العراق الجديد، فما الذي نريده في المرشح
لانتخابات مجلس النواب القادمة؟.
اذا اردنا ان نحدد صفاته المطلوبة، فان علينا ان نعرف، اولا، مهامه
اذا ما حجز مقعدا تحت قبة البرلمان.
وقبل ذلك يلزمنا ان ننبه الى اخطاء شائعة في الشارع العراقي بشأن
الانتخابات النيابية، منها:
الف: يظن البعض بانه يختار في هذه الانتخابات رئيس مجلس الوزراء،
اي انه يختار الحكومة، وهذا خطا، انه يختار النواب فقط، انه يختار
ممثلي الشعب، فهو لا يختار رئيس الحكومة، ولا يختار الوزير او وزراء
الحكومة المقبلة، إنما يختار ممثليه في البرلمان فحسب، ولذلك فان من
سيفوزون في الانتخابات القادمة متساوون في الحقوق والواجبات وفي
الشرعية الدستورية والقانونية بغض النظر عن عدد الأصوات التي سيحصل
عليها كل واحد من الفائزين.
باء: يظن البعض انه اذا لم يشارك في الانتخابات فسيطعن بشرعيتها،
وبالتالي ستتوقف عملية بناء مؤسسات الدولة على أساس نتائج الانتخابات
المقبلة، وهذا خطا كبير، فنسبة المشاركة لا تؤثر على شرعية نتائجها
ابدا، فالدستور، وكذلك القانون، لم ينص على نسبة معينة في تحديد
شرعيتها من عدمها، ولذلك فان افضل طريقة للتأثير في نتائجها هي
المشاركة وليس المقاطعة، فالمشاركة قد تُسقِط مرشحين او ترفع آخرين،
اما المقاطعة فلا تؤثر بشيء ابدا لا بالسلب ولا بالايجاب.
جيم: يُقَيِّم كثيرون عمل النائب على أساس ما قدمه على ارض الواقع،
اي على أساس ما تم تنفيذه على يديه، فيسألون، مثلا، كم شارع بلّطَ لهم؟
وكم مدرسة بنى لحيِّهم؟ وكم محطة كهربائية اسس لمدينتهم؟ وهكذا، وهذا
خطا هو الاخر، فان التنفيذ ليس من مهام النائب ولا من واجباته، وإنما
من واجب الوزير في الحكومة، ولذلك ينبغي ان نميز بين مهام النائب ومهام
الوزير.
فما هي واجبات النائب تحت قبة البرلمان؟.
انها:
التشريع
الرقابة
ومن خلال هذين الواجبين يمكننا ان نحدد الصفات المطلوبة في المرشح
لعضوية مجلس النواب، وهي:
اولا: ان يكون صاحب رؤية، ليكون قادرا على التفكير السليم ليتقدم
بمشاريع قوانين وعلى مختلف الأصعدة.
فكما اننا ننتظر من الوزير ان ينفذ، ننتظر من النائب ان يشرع.
ان جلّ النواب يقضون دورة كاملة، وبعضهم دورتين، تحت قبة البرلمان
ولم نسمع يوما انهم تقدموا بمشروع قانون، ما يعني انه يفتقد للقدرة على
التفكير وذلك بسبب غياب الرؤية في ذهنه، ولعل من اهم أسباب ذلك هو عدم
الاستفادة من الخبرات والطاقات الخلاقة المتخصصة في كل مجال من
المجالات التي تحتاج الى تشريع القوانين.
لقد قضى جلهم وقته واقفاً امام عدسات الكاميرا يسب هذا ويتهم ذاك
ويُسقِّط الاخر وينشر غسيل رابع، وفي احسن الفروض تراه يبذل قصارى جهده
لتبرير فشله او فشل كتلته او حزبه او زمرة الوزراء المنتمين الى كتلته،
فهل هذه هي مهام وواجبات النائب؟.
انهم سقَّطوا انفسهم بتسقيط بعضهم البعض الاخر، فتراهم لا يحترمون
انفسهم، ولا يعيرون لبعضهم أدنى درجات الاحترام، فتسافلوا في حديثهم
الى حديث ابناء الشوارع.
ثانيا: ان يكون شجاعا ليكون صاحب صوت عال في متابعة الخطأ في
التنفيذ من قبل السلطة التنفيذية، شجاعا في متابعة المشاريع وفي متابعة
المال العام وملاحقة الفساد المالي والإداري، اما اذا كان جبانا كونه
يخشى على مصالحه، فانه سيفشل في القيام بمهمة الرقابة.
والشجاع ليس هو الذي يراقب ويحاسب وزراء الكتل الاخرى مثلا، وإنما
الشجاع هو الذي يراقب ويحاسب وزراء كتلته قبل ان يراقب ويحاسب وزراء
الكتل الاخرى، ولو ان كل نائب لاحق وزراء كتلته لقضينا على التشكيك
بالنوايا وعلى حالة انعدام الثقة بين الفرقاء وكذلك على الطائفية
والحزبية والمناطقية والعنصرية.
كم اتمنى ان ينشغل كل نائب بمشاكل كتلته ووزرائها، وبالفساد المالي
والإداري المستشري بكتلته ووزرائها، وبالفشل الذريع الذي منيت به كتلته
ووزرائها.
ان انشغال كل نائب بحاله البائس، وبالحالة البائسة لكتلته وحزبه
وجماعته، يغنينا عن التراشقات الممجوجة التي أسقطت اعتبارهم جميعا.
وصدق امير المؤمنين (ع) الذي يقول {كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ
اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ} وقوله {أَكْبَرُ الْعَيْبِ
أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ} وقوله {مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ
نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ} وقوله عليه السلام {مَنْ
حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ، وَمَنْ خَافَ
أَمِنَ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ، مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَمَنْ
فَهِمَ عَلِمَ}.
ولعل في سبب كثرة الكلام هو نقص العقل كما يقول امير المؤمنين (ع)
{إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلاَمُ} والا، كيف يفسر لنا النواب
كثرة كلامهم وقلة عملهم وانجازاتهم؟.
ثالثا: ان يكون نزيها فلا يُباع ويُشترى عند البحث ومناقشة مشاريع
القوانين، فالفاسد والمرتشي فاقد للنزاهة، فكيف ننتظر منه ان يمارس
دوره الرقابي؟ وقديما قيل (فاقد الشيء لا يعطيه)؟.
رابعا: ان يتميز بروح العمل الجمعي، لان عملية تشريع القوانين
بحاجة الى تعاون مع الآخرين بروح الفريق، اما الأنانية والحزبية الضيقة
وعبادة الشخصية، الزعيم هنا، وحب الذات فكلها صفات تقتل التعاون
وبالتالي لا تساهم في إنجاح عملية تشريع القوانين اللازمة والمطلوبة.
خامسا: ان يكون ترابيا قريبا من نبض الشارع، بابه مفتوح للناس
ليسمع منهم معاناتهم وأفكارهم ورؤاهم وآراءهم، ليطلع على حاجة الناس
وحاجات البلاد، أوليس هو نائب عن الناخب؟ أوليس هو ممثل عنه ووكيل عنه
في السلطة التشريعية؟ فكيف يريد ان يعرف حاجة موكله اذا ظل يقضي وقته
اما جالسا في برجه العاجي او خارج البلاد او يقضي وقته في السفر متنقلا
بين الدول والعواصم، او تفصله عن ناخبيه زبانيته وحواشيه وحماياته؟.
يقول امير المؤمنين (ع) في عهده الى مالك الأشتر لما ولاه مصر:
وَأَمَّا بَعْدَ، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ
رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ
شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْم بِالاْمُورِ، وَالاْحْتِجَابُ
مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دوُنَهُ فَيَصْغُرُ
عِندَهُمْ الْكَبِيرُ، وَيَعْظَمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ،
وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا
الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ
الاْمُورِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ
الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنَ:
إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ، فَفِيمَ
احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ، أَوْ فِعْل كَرِيم
تُسْدِيهِ، أَوْ مُبْتَلَىً بِالْمَنعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ
عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ
حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ ما لاَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ، مِنْ
شَكَاةِ مَظْلِمَة، أَوْ طَلَبِ إِنْصاف فِي مُعَامَلَة.
ان النائب في البلدان الديمقراطية، ومنها الولايات المتحدة
الأميركية مثلا، يقضي اغلب وقته بين جمهوره في دائرته الانتخابية،
فتراه يتواصل معهم اما من خلال اللقاءات المباشرة او عبر مكاتبه
المنتشرة في مدن وأقضية الدائرة التي يمثلها او بمختلف وسائل التواصل
الاجتماعي، وان اسعد لحظات حياة النائب هنا هي عندما يقضي حاجة ناخب او
يصغ الى رأيه لينتفع به فكرة تشريع يتقدم به الى البرلمان.
ان على النائب ان يترك آذانه، دائماً، في الشارع العام وفي السوق
والمدرسة والجامعة وفي بيوت الناخبين والأماكن العامة وفي النوادي
والمقاهي، وفي الحدائق العامة والمتنزهات ورياض الأطفال، وفي
المستشفيات والصيدليات، ليسمع مشاكلهم وتطلعاتهم وامنياتهم وآراءهم،
فيبادر لصياغة مشاريع قوانين تخدم المواطن والبلد على حد سواء وبذلك
سينجح.
سادسا: ان يكون بعيد النظر، يشرّع للمستقبل كما يشرّع للحاضر،
ويشرع للعراق كما يشرع لمحافظته، ويشرع للشعب كما يشرع لناخبيه، ويشرع
للتنمية كما يشرع لحل مشكلة.
ان المرشح لمجلس النواب يجب يتميز بالقدرة على ان يرمي ببصره أقصى
ما يمكنه ذلك، ليرى الامور من كل جوانبها، اما ضيّق الأفق فيسبب
المشاكل للبلد اكثر من مساهمته في حل مشكلة، ولذلك ترانا لا نخرج من
أزمة الا وندخل في اخرى، لان جل النواب، وخاصة رؤساء الكتل، نظرتهم
ضيقة للأمور، فهم لا يرون ابعد من أرنبة أنوفهم، فمثلهم كمثل الطفل
الذي وضع له أبواه لعبة عن بعد، تراه يسير اليها من دون ان يحذر ما هو
أمامه، حتى اذا كانت نارا، لان همه في تلك اللحظة منصبٌّ على اللعبة
دون اي شيء آخر، وهذا هو حال الكثير من النواب، فعندما يدلي بتصريح لا
ينتبه الى ما يمكن ان يتركه من اثر سلبي مستقبلي، او ان هناك من يسجل
عليه حديثه ليحاسبه عليه في قادم الايام.
nhaidar@hotmail.com |