هونغ كونغ تسعى الى الشباب في ظل شيخوخة تطفئ بريقها

 

شبكة النبأ: تعد مدينة هونغ كونغ التي تقع على ساحل الصين الجنوبي واحدة من المراكز الاقتصادية المهمة في العالم، ويبلغ عدد سكَّان هونغ كونغ نحو سبعة ملايين نسمة 93% منهم من الصينيّين والباقي من عرقيات متعددة ومساحتها 1,104 كم2، وغالبية السكان هم من قومية الهان الذين تعود أصولهم إلى مدينتي غوغانغزو وتايشان في مقاطعة قوانغدونغ المجاورة.

وظلَّت هونغ كونغ حتى عام 1997 مستعمرةً بريطانيَّة، بعدها أعيدت ملكيَّتها إلى الصّين، وتمتلك هونغ كونغ استقلالية عالية ونظاماً سياسياً خاصا يُكرِّس للمدينة حكمها الذاتي، فللمدينة استقلالية قضائية تتبع هيكلها للقانون العام، كما أنَّ لديها قانوناً أساسياً مستقلاً، وينصُّ دستورها الذي وُضِعَ عقب نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز "درجةً من الاستقلالية" في كلِّ جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكرية. ولدى المدينة نظامٌ سياسي تعددي وتتولى اختيار رئيس حكومتها لجنة انتخابيَّة من 400 إلى 1,200 عضو، وسيظل هذا النظام قائماً طوال السنوات العشرين الأولى من الحكم الصيني.

وفيما يخص بعض اخبار هذه المدينة المهمة فقد شارك الالاف في مظاهرات في هونج كونج لحث الصين على إتاحة ديمقراطية غير منقوصة للمدينة مع احتدام معركة للتصدي لمحاولات بكين السيطرة على نتيجة الانتخابات المباشرة التي من المقرر ان تجري في عام 2017 لاختيار رئيس المدينة. وكانت بكين قد وعدت بإجراء انتخابات مباشرة في عام 2017 في المستعمرة البريطانية السابقة ولكن المشكلة تكمن في تفاصيل القواعد التي تحدد من يستطيع خوض الانتخابات.

وزادت التوترات بين القوى الديمقراطية في المركز التجاري الذي عاد لسيادة الصين في 1997 وقادة الحزب الشيوعي في بكين الذين يخشون انتخاب مرشح يدعم الديمقراطية لشغل هذا المنصب. وهتف محتجون يشاركون في المظاهرة السنوية بديمقراطية كاملة في 2017 وشرطهم الرئيسي عدم فرض قيود على الترشح كي يتمكن اي شخص حتى من ينتقد الصين من خوض الانتخابات. بحسب رويترز.

ورفض مسؤولون صينيون وصحف يسارية هذا الطلب استنادا لدستور المدينة الذي ينص على ان تقر لجنة الانتخابات التي تضم 1200 عضوا معظمهم من الموالين لبكين جميع المرشحين. وقال تسانغ فان يو وهو مصمم يشارك في مظاهرة مع ابنه البالغ من العمر سبعة أعوام للعام السادس على التوالي "ثمة تداخل متزايد (من بكين).؟ يجب ان نخرج ليستمعوا لصوتنا. شكل الديمقراطية الذي تريده بكين غير مقبول. انه مزيف."

حيوية الشباب

في السياق ذاته فمراكز العناية تحل مكان المدارس فيما يخفت الاقتصاد المفعم بالحيوية بسبب تقدم السكان بالسن...هذه هي الصورة التي يتوقعها خبراء لهونغ كونغ في مستقبل ليس ببعيد. فشخص من كل ثلاثة في هذه المدينة يتوقع ان يبلغ سن الخامسة والستين وما فوق بحلول العام 2041 مما يهدد بلجم النمو الاقتصادي في هذا المركز المالي الرئيسي على ما تحذر سلطات هونغ كونغ.

ويقول بول ييب استاذ العلوم الاجتماعية في جامعة هونغ كونغ "انه مصدر قلق كبير جدا على نمو سكاننا" موضحا ان الاقتصاد سيصاب في الصميم اذا استمر هذا الميل الى تقدم السكان في السن. ويضيف ييب "سيتراجع عدد الاشخاص الذين يعملون والذين يساهمون تاليا في اقتصاد هونغ كونغ".

وفيما يقول بعض الخبراء ان توقعات الحكومة للعام 2041 لا تأخذ في الاعتبار المهاجرين والاشخاص الذين سيستمرون في العمل بعد بلوغهم الخامسة والستين، تواجه هذه المنطقة تحديات واضحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. والمشكلة الديموغرافية المقبلة هذه تنعكس في برامج مثل "الدباثي" الذي وضعه طلاب جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا ويهدف الى اثارة مزيد من التعاطف حيال المسنين من خلال تشجيع المراهقين على اختبار بزات تعيق الحركة مصممة لمحاكاة تأثير التقدم في السن على جسم الانسان.

وتقول سامنثا كونغ احدى مؤسسات "الدباثي"، ان "محنة المسنين في هونغ كونغ يزداد جدية". ويرى البعض الاخر ان المشكلة ليست في النسبة العالية من المسنين بل النقص في الانجاب في هونغ كونغ. فالضغوط المالية والعقلية التي تركز على النجاح المهني وامكنة السكن الضيقة وكلفة العقارات العالية جدا، كلها عوامل اساسية تجعل من معدل الانجاب في هونغ كونغ من الادنى في العالم مع 1,2 طفل لكل امرأة بحسب ارقام البنك الدولي.

ويقول ييب "الشباب يريدون الزواج لكنهم لا يملكون المال الكافي لاستئجار مكان يقيمون فيه". ويميل الشباب الى الاقامة لفترة اطول مع اهاليهم املا بادخار ما يكفي من المال لشراء شقة مما يعني انهم ينتظرون فترة اطول للزواج وانجاب الاطفال على ما يوضح. والميول الاجتماعية في هونغ كونغ تظهر ايضا ان عددا متزايدا من النساء يخترن عدم الزواج. واللواتي يتزوجن يقدمن على هذه الخطوة في سن متأخرة وليس لديهن تاليا فترة طويلة لانجاب الاطفال على ما يضيف الاستاذ الجامعي. ويوضح "الكثير من الازواج يفضلون الحصول على حيوان منزلي على انجاب الاطفال".

وبالاستناد الى دراسة حول معدلات الانجاب والوفيات الحالية، ان لم تتخذ هونغ كونغ اي اجراءات بشأن مشكلة تقدم السكان في السن فان متوسط العمر فيها سيكون 56,3 عاما بحلول العام 2040 على ما تفيد الامم المتحدة. وبالاستناد الى العوامل نفسها فان متوسط العمر في سنغافورة سيكون 50,3 عاما و في الصين 45,9 عاما وتايلاند 45,7 عاما.

وارتفاع اجل الحياة المتوقع وتدني معدل الولادات سيؤدي الى نسبة 712 شخصا تابعا لكل الف نسمة في العام 2041 في مقابل 355 شخصا تابعا لكل الف نسمة راهنا. وينتهي وضع هونغ كونغ التي تتمتع باستقلال ذاتي جزئي عن الصين، في العام 2047 ولا يعرف الخبراء تأثير ذلك على البنية الديموغرافية. فالمستعمرة البريطانية السابقة اعيدت الى السيادة الصينية العام 1997 مع نظام سياسي وقانوني خاص بها يضمن الحريات المدنية.

ويرى الامين العام التنفيذي لهونغ كونغ كاري لام ان على المدينة ان تنوع قوتها العاملة لمواجهة مشكلة تقدم السكان بالسن. وهو يرئس لجنة بدأت في تشرين الاول/اكتوبر دراسة واسعة تستمر اربعة اشهر حول المسألة. ودرست هذه اللجنة امكانية جذب مواهب من الخارج او من الصين القارية الا ان نقابات المدينة عارضت ذلك. والسماح لصينيين يتمتعون بمستوى ثقافي جيد انجاب الاطفال في هونغ كونغ كان ايضا اقتراحا للمساعدة على قلب الميل الديموغرافي الراهن. بحسب فرانس برس.

وحتى نهاية العام 2012، كانت الاف النساء من الصين القارية يأتين الى هونغ كونغ للولادة والحصول على اقامة لأطفالهن فيها الا ان العائلات المحلية اشتكت من انهن يشغلن الاماكن المحدودة في المستشفيات. وقد منعت المدينة الحوامل من الصين القارية من الانجاب في المستشفيات المحلية ان لم يكن ازواجهن من سكان هونغ كونغ. ويشكل احتمال ان تعاني المدينة من نقص في اليد العاملة وفي دينامية الشباب مصدر قلق فعليا. ويقول الاستاذ ييب "لن تكون فعلا مدينة اريد ان اقيم فيها".

جيش من العربات

على صعيد متصل فهيكل حديد، ومقبض متحرك، اضافة الى اربع عجلات مطاطية، انها عربات بسيطة غالبا ما يجرها رجال مسنون في ازقة هونغ كونغ وهي وسيلة لا غنى عنها لحسن سير النشاط في هذه المدينة الكبيرة. وفي ظل ناطحات السحاب او في الازقة المتعرجة في الاحياء التي تتخذ طابعا صينيا كبيرا، يدفع عمال وجامعو الخرق عربات تتكدس فيها علب الكرتون الفارغة وصناديق زعانف اسماك القرش وقوارير المياه الفارغة ودلاء الفطر المجفف. وهم مرادف للسعاة الذين يستخدمون الدراجة الهوائية في نيوريوك او شاحنات تسليم البضائع في باريس. والعين الاجنبية تلاحظ خصوصا المسنين من رجال ونساء الذين يجرون هذه الحمولة الكبيرة رغم سنهم المتقدمة.

لي تشونغ-هو (78 عاما) تجر عربتها طوال اليوم وحتى عندما يهب اعصار، من دون ان تتوقف "اريد ان اكسب لقمة العيش هذا الامر يساعد حتى لو كنت اتقاضى دولارات قليلة فقط". جامعو الخرق يبلغ عددهم نحو عشرة الاف في هونغ كونغ وهم يجمعون الكرتون القديم والصحف والخردوات لبيعها الى شركات اعادة تدوير. البعض لا يكسب اكثر من 20 دولارا محليا يويما (2 يورو) على ما جاء في نتيجة استطلاع غير رسمي.

عملية الجمع والفرز هذه تساعد قليلا في خفض كمية النفايات الموجهة الى المكبات في هونغ كونغ التي قد تصل الى التخمة اعتبارا من العام 2020. هذا النشاط المتطلب جسديا وغير المربح يتولاه افقر الفقراء في هذه المنطقة الواقعة في جنوب الصين التي تشهد تفاوتا كبيرا جدا بين سكانها الاغنى والاكثر بؤسا. وثلث المسنين في هونغ كونغ يعيشون تحت خط الفقر على ما اظهرت الارقام الاخيرة الصادرة عن الحكومة.

ويساهم العمال فيه هونغ كونغ من اجل تقاعدهم منذ العام 2000 . وكان يعتمدون حتى تلك السنة على مساعدة عائلاتهم ومدخراتهم والشقة التي اشترونها عندما كانوا لا يزالون يعملون. والعربات تقع في اخر سلسلة نقل البضائع في هونغ كونغ بعد سفن الشحن التي تفرغ حاوياتها في المرفأ والشاحنات وسيارات الاجرة الحمراء التي تجوب الشوارع على ما يقول ادم بوبيت الخبير في البيئة المدينية في جامعة هونغ كونغ.

وهي مناسبة جدا للشوارع الضيقة المكتظة المنحدرة جدا في بعض الاحياء في مدينة لا تضم الكثير من مواقف السيارات على ما يفيد الخبير الذي يعتبر هذه العربات عاملا لا غنى عنه في هونغ كونغ. ويضيف الخبير "هذا النشاط القديم عرف كيف يستمر بفضل طابعه العملي. هل ينبغي الاحتفاء بعربة هونغ كونغ ؟ بالتأكيد". بحسب فرانس برس.

البعض يشتكي من الخطر الذي تمثله وسيلة النقل هذه . فسكان هونغ كونغ يعرفون ان عليهم ان يفسحوا المجال عند مرور عربة. وتلفح عربات الترامواي والحافلات الصغيرة والسيارات، سائقي هذه العربات عندما يدفعون حمولتهم في الشارع. وفي النصف الاول من العام 2013، سجلت وزارة النقل 11 حادثا مرتبطا بعربات. وفي العام 2012 صدمت حافلة وسيارة اجرة سائقي عربات. وكانا فوق سن السبعين.

ولفترة طويلة كانت هذه العربات تصنع في هونغ كونغ. ماكي لي (46 عاما) يملك اخر مشغل لها وهي شركة عائلية اسست قبل ستين سنة. الا ان ابنيه يرتدان الجامعة ولن يواصلا هذا النشاط. وسيتم عندما استيراد العربات من الصين القارية. ويقول لي وهو يصلح عربة انها لا تكلف غاليا "لكنها لا تدوم طويلا".

وهل العربات هذه دليل على الهوة بين الاغنياء والفقراء؟. يهز لي كتفيه ويؤكد انها بالنسبة له "وسيلة" في المقام الاول. وعلى بعدج امتار من المشغل، تجمع امرأة تسعينية الكرتون وتضعه على عربتها. وتقول "ماذا عساني افعل ان لم اخرج من المنزل. هل ابقى في البيت وانتظر الموت؟".

صراعات وكوارث

من جانب اخر يقول خبراء التنجيم في هونج كونج او ممارسو الفن الصيني القديم المعروف باسم (فينغ شوي) إن عام الحصان الذي يبدأ بنهاية الشهر الجاري يمكن ان يجلب صراعات وكوارث لها صلة بالنار كما يمكن ان يجلب مكاسب كبيرة في أسواق الاسهم مرتبطة بالخشب وهما العنصران الاساسيان في هذا العام طبقا للتقويم الصيني.

ويقول فن التنجيم الصيني إن الكون مكون من خمسة عناصر هي الارض والماء والنار والخشب والمعدن وهي التي تحدد توجه ومزاج العالم. ويشمل التقويم الصيني للابراج 12 حيوانا تتأثر بهذه العناصر. وعام الحصان طبقا للسنة القمرية الجديدة يبدأ يوم 31 يناير كانون الثاني وبه الكثير من النار التي تولد الطاقة وبه أيضا خشب مما يزيد النار اشتعالا ويجعلها أقوى.

ويقول ريموند لو الذي يمارس هذا الفن القديم منذ 20 عاما وله طلاب في شتى انحاء العالم "عام الحصان القادم هو ايضا عام (يانغ الخشبي) الذي يتمسك فيه الناس أكثر بمبادئهم ويقفون ثابتين. "ولذلك يصعب التفاوض او التوصل الى حلول وسط لان الناس يميلون للقتال من أجل مبادئهم".

وهذا التزاوج بين عام الحصان وعام يانغ الخشبي والذي يحدث مرة كل 60 عاما شهد حروبا اقليمية بشكل قياسي. وكان آخر عام من هذا النوع في 1954 الذي شهد معركة (ديان بيان فو) التي انتهت بهزيمة فرنسا على يد الفيتناميين. وكان العام السابق على هذا عام 1894 الذي شهد بداية الحرب الصينية اليابانية الاولى. بحسب رويترز.

وتوقع اليون يو وهو ممارس آخر لفن (فينغ شوي) في هونج كونج المزيد من الاضطرابات في فبراير شباط ومايو ايار واغسطس اب. وقال يو "القلق الاكبر هو الخلاف بين الصين واليابان حول جزر دياويو" مشيرا الى النزاع حول جزر في بحر الصين الشرقي تعرف في اليابان باسم سينكاكو. لكن الجانب المشرق هو ان عنصر النار سينشط الاسواق وهو ما ينبيء بأداء قوي في أسواق الاسهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/شباط/2014 - 2/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م