المشير التاسع.. واستنساخ الماضي المصري

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات تم خلالها اسقاط نظامي الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك والرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي على التوالي، بعدما لعبت التظاهرات الشعبية دورا محوريا في إسقاط الأنظمة انفة الذكر، لكن طوال تلك الاعوام الثالث اجتاحت مصر سلسلة من الأزمات السياسية والاضطرابات الأمنية العنيفة كادت ان تؤدي الى انهيار الدولة وهي في مرحلة البناء، والبناء الديمقراطي بالأخص، منذ عزل الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي وهو أول رئيس منتخب في اقتراع حر في أوائل يوليو تموز بعد مظاهرات ضخمة مناوئة له بمساعدة الجيش وقائده الاعلى المشير الجديد والتاسع في تاريخ الجيش المصري الحديث عبد الفتاح السيسي، الذي صارت نواياه أكثر إلحاحا فيما يتعلق بالترشح الى رئاسة مصر، منذ لمحت السلطات التي يدعمها الجيش إلى أن الانتخابات الرئاسية قد تسبق الانتخابات التشريعية التي كان مقررا بحسب خارطة الطريق أن تجرى أولا.

لكن يرى بعض المراقبين ان ظهور عسكري من جديد في سدة الحكم من شأنه أن يثير قلق جهات معارضة محلية ودولية والحلفاء الغربيين مثل الولايات المتحدة وأن يثير احتمال زيادة العنف على أيدي معارضي السيسي، بعد أن كانت انتفاضة عام 2011 قد أحيت آمالا في تغيير ديمقراطي في الدولة التي هيمن عليها العسكريون طويلا.

ويخشى الكثير من منتقديه أن يؤدي انتخاب السيسي الى العودة الى عهود القمع، ومع ذلك فحتى السياسيين الغربيين أصيبوا فيما يبدو بحمى الاعجاب بالسيسي، كما يحظى السيسي بتأييد الجيش أقوى مؤسسة في البلاد ووزارة الداخلية وكثير من الساسة الليبراليين ومسؤولي عهد مبارك ورجال الأعمال، مع شعبية كبيرة ستتيح له هذه القوى على الأرجح الكثير من الوقت لاثبات نفسه كرئيس، في الوقت الذي تخلو الساحة من أي سياسيين آخرين يمكنهم تحديه في أي وقت قريب.

لكن يتساءل بعض المحللين هل يمكن أن يترجم المشير الجديد المهارات التي يتطلبها منصب الرئيس في حال لو انتخب رئيسا لمصر في الانتخابات المقبلة، ويجيب محللون آخرون على هذا التساؤل بالإشارة الى خطواته قبل عزل مرسي التي كشفت عن مهارة سياسية كبيرة فقد تمكن من كسب إجماع أطراف أساسية من زعماء سياسيين إلى رجال دين قبل أن يتخذ قرار العزل، كما يرى المقربون من السيسي أن بإمكانه الفوز بأصوات من أيدوا محمد مرسي في انتخابات الرئاسة عام 2012 لمجرد أنه كان يمثل بالنسبة إليهم تغييرا عن عهد حسني مبارك.

في حين يرى مراقبون آخرون انه على الرغم من أن السيسي يتمتع بتأييد واسع بين المصريين الذين يشعرون بالسعادة لأنهم رأوه ينهي حكم مرسي إلا انه في نظر مناوئيه الإسلاميين العقل المدبر "لانقلاب دموي" أطاح بأول رئيس فاز بالمنصب في انتخابات حرة.

وقد شنت الحكومة التي يدعمها الجيش حملة على جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي مما دفعها للعودة للعمل السري وأثار مخاوف من حالة عدم استقرار قد تطول، وألقي القبض أيضا على معارضين علمانيين بارزين فيما كان ضربة للحريات السياسية.

لكن مؤيدي السيسي يرون أنه الرجل القوي المطلوب لتحقيق الاستقرار بعد ثلاث سنوات من الاضطراب، وظهرت صوره في لافتات وعلى أغلفة قطع الحلوى وجعلته وسائل الإعلام بطلا وأنتج منتجون أغاني يتردد فيها اسمه واسم الجيش.

حيث يرى اغلب المحللين بأن المشير الجديد يغرس احدى قدميه في الماضي المصري ابان حكمة الزعيم السابق جمال عبد الناصر، كما تبديه دلائل عديدة في رغبته بالرجوع للماضي، وتمثلت بالتعديلات التي تم على كل المستويات خلال الاونة الاخيرة، وذلك بهدف استعادة الهيبة المصرية إقليميا، وكذلك توسيع نفوذه محليا، وبالتالي فانه بهذه السياسيات يكشف وجها شبيها للزعيم السابق جمال عبد الناصر.

ولم يتردد السيسي في خطابه في الربط بوضوح بين دعوته للمصريين للمشاركة بكثافة في الاستفتاء والتصويت ب نعم للدستور وبين مستقبله السياسي. وقال انه سيترشح للرئاسة اذا طلب الشعب، وفي تصريحاته، بدا السيسي كأنه يؤكد ما قاله خبراء ومسؤولون الاستفتاء سيكون اشبه بمبايعة اذ انه لا تغييرات كبيرة في مشروع الدستور الجديد مقارنة بالدستور السابق فالسلطات الرئيسية تظل في يد الرئيس المقبل ويبقى الجيش العمود الفقري للنظام، واعلن الجيش انه سينشر 160000 جندي لتأمين قرابة 30 الف مكتب اقتراع في البلاد فيما قد يبقى العديد من الناخبين في منازلهم خوفا من اعتداءات محتملة مماثلة لتلك التي تعددت منذ عزل مرسي.

لذا لم يعد السؤال في مصر هل سيرشح القائد العام للجيش المشير عبد الفتاح السيسي نفسه لمنصب رئيس الدولة بل، باتت التساؤلات تتضمن ما هي التحديات التى تواجه مصر في المستقبل القريب، بمعنى ما هي الآفاق المستقبلية التي ستشهدها مصر في حال تنصيب السيسي رئيسا لها؟.

استفتاء رئاسي

وبينما لا يوجد مرشحون واضحون للمنصب يتكهن المصريون بشأن نيات السيسي فيما يتعلق بالترشح للمنصب، وعزلت قيادة الجيش الرئيس المنتخب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في الثالث من يوليو تموز بعد احتجاجات حاشدة طالبت بتنحيه، وبحسب خارطة طريق أعلنها السيسي في ذلك اليوم سيقترع المصريون على تعديلات دستورية في 14 و15 يناير كانون الثاني الحالي. وتشمل خارطة الطريق أيضا انتخابات تشريعية ورئاسية، ومنذ عزل مرسي يتولى عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا منصب رئيس الدولة مؤقتا، وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن السيسي دعا المصريين للاقتراع على التعديلات الدستورية بالموافقة.

ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية عن موسى قوله اثناء اللقاء "إن الشعب المصري يريد الخروج من المطب التاريخي الذي وقعت فيه مصر احتجاجا على الفشل" في اشارة الي حكم مرسي، واضاف قائلا ان لجنة الخمسين "عملت على ترجمة كل التحديات التي تواجه مصر وطرح آفاق المستقبل... الدستور ركز على احترام حقوق المواطن وكان واضحا في مسألة الحقوق والحريات وينافس في ذلك دساتير العالم المتقدم".

ودعا موسى المصريين الي "النزول بقوة وكثافة للتصويت على الدستور حتى تأتى النتيجة بنسبة كبيرة حتى نسير قدما في استكمال خارطة الطريق"، وقال ان المصريين "يعبرون عن الثقة الكبيرة في الفريق أول عبد الفتاح السيسي ويضعون على عاتقه مسؤولية كبرى بقرار ينتظره الكل لأنه على أساسه ستترتب أوضاع كثيرة نرجو أن تصب في صالح مصر".

والفريق اول السيسي وزير الدفاع والنائب الاول لرئيس الوزراء اضافة الى كونه قائد الجيش هو الاكثر شعبية في مصر الان وصوره معلقة في الشوارع وعلى ابواب المحلات وفي بعض الادارات. ولكنه العدو اللدود للاسلاميين المؤيدين لمرسي الذين يتهمونه بانه دبر "انقلابا عسكريا" ويدعون لمقاطعة الاستفتاء.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن الانتخابات الرئاسية قد تتحول إلى "استفتاء رئاسي" على السيسي أكثر من أن تكون منافسة حامية، واضاف "أنا متأكد من أنه سيكون هناك مرشحون آخرون لكني لا أعتقد أنه سيكون هناك أي مرشحين جادين لديهم الشجاعة أو الجرأة لمنافسة السيسي".

من هو المشير التاسع؟

في سياق متصل ولد السيسي في 19 نوفمبر تشرين الثاني عام 1954 ونشأ في حي الجمالية العريق في القاهرة وتقدم بخطوات مُطردة طوال حياته حتى وصل إلى أعلى رتبة في أحد أكبر الجيوش في الشرق الأوسط. وأعلنت الرئاسة ترقيته من رتبة الفريق الأول إلى رتبة المشير.

ويقول عنه الأصدقاء والأسرة انه رجل قليل الكلام حاسم القرار، وقال ابن عمه فتحي السيسي الذي يدير متجرا لبيع مصنوعات الحرف اليدوية "انه يحب أن ينصت ويدرس ما يقال بعناية. وبعد أن يستمع إلى كثير من الآراء يتخذ قراره فجأة"، ولم يكن العالم يعرف شيئا عن السيسي قبل أن يعلن على شاشات التلفزيون يوم الثالث من يوليو تموز عزل مرسي بعد احتجاجات شعبية ضخمة مناهضة لحكمه.

ومرسي هو الذي عين السيسي قائدا للجيش ووزيرا للدفاع في أغسطس آب 2012 وربما كان ذلك أكبر أخطائه، وكان مرسي القيادي في جماعة الاخوان المسلمين يريد قائدا أصغر سنا للحد من نفوذ العسكريين الكبار الذين كانوا يعملون مع مبارك قبل انتفاضة 2011 واستمروا بعده، ويحتمل كذلك أن ما يعرف عن السيسي من تدين لاقى استحسان مرسي.

لكن بينما لم يكن مرسي ينصت فيما يبدو لأي انتقادات كان السيسي يحس بالاستياء المتزايد في الشوارع من سوء إدارة الإخوان. وفي نهاية المطاف وجه اليه انذارا: استجب لمطالب المتظاهرين خلال 48 ساعة وإلا تحرك الجيش.

وكان السيسي قبل أن يعين قائدا للجيش يتولى رئاسة المخابرات العسكرية حيث شحذ مهاراته الاستراتيجية وكان أصغر الأعضاء سنا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر 18 شهرا بعد سقوط مبارك.

ويقول دبلوماسيون غربيون إنه كان يدرس موضوع الترشح في انتخابات الرئاسة بحذره المعتاد ولم يقرر خوض الانتخابات إلا أخيرا، ولم تكن تصريحات السيسي في ربيع عام 2013 مع تنامي الاستياء من حكم مرسي تشير إلى انه قد يقدم على عزله فضلا عن الترشح للرئاسة رغم شكوكه العميقة في الإخوان المسلمين.

وقال السيسي آنذاك "لا بد من وجود صيغة للتفاهم بيننا... البديل في منتهى الخطورة. ومع كل التقدير لكل من يقول للجيش انزل الشارع خلاص لو حصل ده لن نتكلم عن تقدم مصر للأمام لمدة 30 أو 40 سنة."K

وتعكس كتاباته إبان دراسته في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي في ولاية بنسلفانيا عام 2006 ادراكا للصعوبات التي تكتنف إقرار الديمقراطية في الشرق الأوسط. بحسب رويترز.

وفي مقهى قريب من حيه العريق علقت صورته بجوار صور بالأبيض والأسود للرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ويرى مؤيدو السيسي أن عزيمته وتركيزه كافيان لانقاذ مصر، وقال احد سكان الحي وكان يعرف السيسي ان الصبية الاخرين كانوا يلعبون كرة القدم ويدخنون أما السيسي وأصدقاؤه فكانوا يمارسون رياضة رفع الأثقال مستخدمين أدوات بدائية يصنعونها بأنفسهم في علامة على الانضباط المبكر.

وقال عاطف الزعبلاوي وهو عامل في مصنع للصباغة كان يرى السيسي كثيرا في المنطقة "كان عبد الفتاح يبدو دائما أن له هدفا. كان قوي الارادة"، ويقول جيران إن السيسي نشأ في أسرة مترابطة متدينة وقال ابن عمه إنه حفظ القرآن، وكان أبوه يشجعه على العمل في متجره يوميا بعد المدرسة. وأقام في شقة صغيرة فوق سطح مبنى سكني متداع تملكه عائلته الكبيرة، وقال ابن عمه "عندما تعرض شقة في المبنى للبيع فإنها كانت تباع لأحد أفراد العائلة.. بين الأشقاء على سبيل المثال." وأضاف أن السيسي تزوج من داخل العائلة الكبيرة.

وعبرت النائبة الأمريكية سينثيا لوميس بعد لقائها به عن اعجابها الشديد، وقالت "تحدث كصاحب رؤية وكمنفذ. بدا كما لو كان متعدد الأبعاد"، ويقول اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل إن من المرجح أن يطلب السيسي من المصريين الذين أطاحوا برئيسين في السنوات الثلاث الاخيرة التحلي بالصبر، وقال سيف اليزل الذي يلتقي بالسيسي شهريا "ليس لديه حل فوري لكل شيء. أعتقد أنه سيقول للشعب إن لدينا مشاكل وهذه المشاكل ستستمر بعض الوقت. يجب أن تتحملوا معي.. سنعاني قليلا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/شباط/2014 - 2/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م