السلام الفلسطيني الإسرائيلي.. طريق مسدود عند نقطة البداية

 

شبكة النبأ: محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي تجرى برعاية الولايات المتحدة وعلى الرغم من كل الضغوط الدولية المتواصلة لا تزال عند نقطة البداية، بسبب الهوة الواسعة في مواقف الجانبين كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على أن المعطيات والوقائع الحالية تشير الى ان المحادثات تسير إلى طريق مسدودة خصوصا وان الجانب الاسرائيلي يسعى وبشكل حثيث الى عرقلة كل الجهود من خلال فرض بعض الشروط والإملاءات على الفلسطينيين ومنها الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، هذا بالإضافة الى اصرار على توسيع وبناء المستوطنات داخل الاراضي الفلسطينية وهو ما يعتبره البعض خطوة مكلفة قد تضرر بإسرائيل التي تعيش في ظل علاقات متوترة مع اغلب دول العالم، بسبب مواقفها المتفردة وتصريحاتها الهجومية التي طالت الجميع بما فيهم اقرب الحلفاء.

وفي هذا الشأن فقد قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري إنه لن يدع تصريحات انتقدت جهوده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونسبت لوزير الدفاع الاسرائيلي موشي يعلون تثنيه عن محاولة التوصل إلى اتفاق إطار بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال كيري "لا يمكن أن ندع تصريحات تقوض هذا الجهد ولا أعتزم ذلك."

وكانت صحيفة إسرائيلية نقلت عن يعلون سخريته من سعي كيري من أجل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وكأنه المخلص المنتظر ورفضه لخطة أمنية اقترحتها الولايات المتحدة في الضفة الغربية المحتلة. وأسفرت التصريحات عن توبيخ حاد اللهجة من البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية. وقال يعلون في وقت لاحق في بيان إنه "يعتذر إذا كان الوزير (كيري) قد ساءته التصريحات المنسوبة إلى الوزير."

ونقلت صحيفة يديعوت احرونوت الأوسع انتشارا في إسرائيل عن يعلون قوله "وزير الخارجية جون كيري الذي جاء الينا وهو عاقد العزم ويتصرف من منطلق فكرة غير مفهومة مسيطرة عليه ويشعر بأنه المخلص المنتظر لا يمكنه ان يعلمني شيئا واحدا عن الصراع مع الفلسطينيين." ونقلت عنه الصحيفة قوله "الشيء الوحيد الذي يمكن ان يخلصنا هو فوز كيري بجائزة نوبل ليتركنا وشأننا."

وقام كيري بمهمة دبلوماسية لمحاولة إقناع إسرائيل والفلسطينيين بالموافقة على اقتراح بشأن القضايا الجوهرية للصراع بينهما. وكان الجانبان استأنفا محادثات السلام في يوليو تموز بعد توقف دام ثلاثة أعوام. لكن لم يتحقق تقدم يذكر. ومن بين النقاط الصعبة في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مطلب إسرائيل الاحتفاظ بوجود عسكري في غور الاردن الذي يفصل بين الأردن والضفة الغربية المحتلة في اي اتفاق سلام في المستقبل. وعرض كيري على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أفكارا عن الترتيبات الأمنية في غور الاردن لكن لم يعلن اي جانب قبوله لها.

ونقلت الصحيفة عن يعلون قوله "الخطة الأمنية الأمريكية لا تساوي الورق الذي كتبت عليه." واعترضت وزارة الخارجية الأمريكية على هذه المسألة. وأضافت "التشكيك في دوافعه وتشويه مقترحاته امر لم نكن لنتوقعه من وزير دفاع حليف وثيق." والتزم يعلون الصمت في بادئ الامر فيما يتعلق بالتصريحات التي أدلى بها على ما يبدو في إفادة خاصة لصحفيين إسرائيليين. لكن الوزير الاسرائيلي تحرك لتهدئة الخلاف مع واشنطن بعدما وبخه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمنا في كلمة ألقاها. وقال مسؤول إسرائيلي إن نتنياهو تحدث هاتفيا مع مسؤول أمريكي كبير في محاولة لتهدئة حدة الجدل. بحسب رويترز.

ويعلون عضو في حزب ليكود الذي يتزعمه نتنياهو وهو مؤيد قوي للبناء الاستيطاني في الاراضي المحتلة التي يريدها الفلسطينيون جزءا من دولتهم. وكان يعلون قائدا للجيش ثم نحي عن المنصب قبل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 والذي كان معارضا له. وفي كلمة أمام البرلمان تحدث نتنياهو عن مصالح إسرائيل المشتركة مع "حليفنا الكبير" في واشنطن في محاولة فيما يبدو لإصلاح ما أفسده يعلون العضو بحزب ليكود اليميني الذي يتزعمه. وقال نتنياهو في كلمته "حتى عندما تكون لدينا خلافات مع الولايات المتحدة فإنها دائما ما تكون متعلقة بالمسألة المطروحة وليست شخصية."

من جانب اخر سارعت وزيرة العدل وكبيرة المفاوضين الاسرائيليين تسيبي ليفني الى الدفاع عن كيري في صفحتها على فيسبوك وأثنت على ما وصفته بحرص كيري على مستقبل اسرائيل. وقالت "يمكن الاعتراض على المحادثات بموضوعية وشعور بالمسؤولية دون هجوم والاضرار بالعلاقات مع أفضل أصدقائنا."

كما ذكرت الصحيفة ان يعلون شكك ايضا في قدرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي خسر سلطته في قطاع غزة لصالح حركة حماس على البقاء في السلطة في الضفة الغربية بعد اي انسحاب اسرائيلي. ونقلت عنه الصحيفة قوله "أبو مازن (عباس) يعيش بسيفنا" مشيرا الى قوات الجيش الاسرائيلي وانها تمنع حماس من تحدي الرئيس الفلسطيني في الضفة. واستطرد مستخدما الاسم التوراتي للضفة "اللحظة التي نغادر فيها يهودا والسامرة سينتهي."

زيادة مساحة الاحتلال

على صعيد متصل ذكرت وسائل اعلام رسمية أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو زاد من مساحة الاراضي المحتلة التي يريد أن تحتفظ بها اسرائيل ضمن أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين في خطوة قد تعقد جهودا تدعمها الولايات المتحدة للتوصل لاتفاق. وأحجم متحدث باسم نتنياهو عن التعليق على التقرير الذي أفاد بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي أضاف كتلة من المستوطنات الاسرائيلية قرب مقر الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة إلى قائمة من الجيوب التي تعتزم اسرائيل الاحتفاظ بها.

وقالت إذاعة الجيش الاسرائيلي إن إسرائيل تطلب بذلك الاحتفاظ بنسبة 13 في المئة من اراضي الضفة الغربية المحتلة. ويرجح أن يثير ذلك استياء الفلسطينيين الذين يطالبون بإقامة دولتهم على هذه الاراضي. ولم يصدر تعليق فوري من الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأضافت الاذاعة أن نتنياهو لم يلتزم بنماذج أولية سابقة لاتفاق سلام نصت على مبادلة اي أراض تحتفظ بها اسرائيل في الضفة الغربية بأراض بنفس المساحة داخل اسرائيل.

وقالت إن نتنياهو عرض شراء بعض أراضي المستوطنات من الفلسطينيين لكنهم رفضوا هذا الاتفاق. وأرجعت الاذاعة معلوماتها إلى مصدر لم تسمه مطلع على تفاصيل محادثات السلام التي انطلقت بوساطة أمريكية. وذكر التقرير أن نتنياهو أخبر وزير الخارجية الامريكي جون كيري بأن إسرائيل تعتزم الاحتفاظ بجيب بيت ايل بالإضافة إلى كتل عتصيون ومعاليه أدوميم وارييل الاستيطانية التي قالت منذ وقت طويل إنها لن تتنازل عنها. ويقع جيب بيت ايل شمالي القدس بجوار مدينة رام الله الفلسطينية حيث يوجد مقر الحكومة الفلسطينية وعباس.

وقالت اذاعة الجيش الاسرائيلي إن نتنياهو أشار في محادثاته مع كيري إلى ان منطقة بيت ايل وردت في التوراة وأنها ذكرت في سفر التكوين على أنها المكان الذي حلم فيه النبي يعقوب بسلم يؤدي إلى السماء. ومستقبل المستوطنات الاسرائيلية قضية رئيسية في الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين الذين يخشون أن تحرمهم الجيوب الاستيطانية من اقامة دولة متماسكة وقابلة للحياة. بحسب رويترز.

وبالتزامن مع الافراج عن عشرات السجناء الفلسطينيين في إطار المفاوضات الحالية أثارت إسرائيل غضب الفلسطينيين بإعلانها عن خطط بناء المزيد من الوحدات السكنية في مناطق قالت إنها ستحتفظ بها. ويطالب الفلسطينيون بإقامة دولة لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية.

واستولت إسرائيل على المنطقتين في حرب 1967 وفي عام 2005 سحبت قواتها من قطاع غزة الذي تديره الان حركة المقاومة الاسلامية (حماس). ويعيش أكثر من 500 ألف مستوطن اسرائيلي مع 2.4 مليون فلسطيني في الضفة الغربية. ولا تقر معظم دول العالم بشرعية المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة.

في السياق ذاته ردت اسرائيل علنا على ادانة الاتحاد الاوروبي للاستيطان وفتحت مواجهة دبلوماسية مع خصمها التجاري الرئيسي، بعد ايام على الخلاف مع حليفها الاستراتيجي الاميركي. واستدعي السفراء البريطاني والفرنسي والايطالي والاسباني الى وزارة الخارجية غداة استدعاء السفراء الاسرائيليين في هذه الدول ردا على الاعلان عن خطط لبناء 1800 مسكن جديد في المستوطنات.

وامر وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان "باستدعاء سفراء بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا" حسب ما اعلن المتحدث باسمه. وقال المتحدث "تم ابلاغهم ان موقفهم المنحاز دائما ضد اسرائيل والمؤيد للفلسطينيين غير مقبول" و"يهدد امكانات التوصل الى اتفاق بين الجانبين". واتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الاتحاد الاوروبي ب" النفاق" بعد استدعاء السفراء الاسرائيليين "بسبب بناء بعض المنازل" موضحا انه لا يتم اتخاذ الموقف نفسه حيال "الدعوات لتدمير اسرائيل" من قبل شخصيات فلسطينية. ووقع هذا الخلاف مع الاتحاد الاوروبي في حين ان الازمة مع الولايات المتحدة التي سببها وزير الدفاع موشي يعالون مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري قد تترك آثارا بحسب محللين اسرائيليين.

مقاطعة اقتصادية

الى جانب ذلك رفض وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت تحذيرات متزايدة من أن الشركات الإسرائيلية ستواجه عزلة دولية إذا فشلت محادثات السلام مع الفلسطينيين. وفي إشارة إلى زيادة الخلافات داخل الحكومة حث بينيت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تجاهل التحذيرات قائلا إن دولة فلسطينية مستقلة ستصبح ملاذا للمسلحين وتمثل تهديدا خطيرا لاستقرار إسرائيل. وقال بينيت لأنصار حزبه البيت اليهودي وهو حزب يميني هدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو إذ أحرزت مفاوضات السلام تقدما "الدولة الفلسطينية ستسحق الاقتصاد الإسرائيلي."

وجاءت تصريحات بينيت في اليوم الذي قالت فيه مجموعة من زعماء الشركات الإسرائيلية والفلسطينية البارزين إنهم سيسافرون إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لكي يلقوا بثقلهم وراء جهود الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام غير مرجح. وقال ايتامار رابينوفيتش وهو سفير سابق لدى واشنطن وعضو في جماعة "كسر الجمود" الإسرائيلية الفلسطينية إن مجتمع الأعمال يدرك المكافآت المحتملة إذا نجحت المحادثات والمخاطر المحتملة إذا فشلت. وقال "التوصل لاتفاق سيعني أن اسرائيل يمكن أن تخفض الاستثمار في مجال الدفاع ويفتح فرصا اقتصادية ضخمة مع العالم العربي. "لكن المقاطعة الاقتصادية وفقدان الشرعية الدولية هو بلا شك تهديد كبير.

وحذر بعض الاعضاء الأكثر اعتدالا في الحكومة الائتلافية من كارثة اذا انسحب نتنياهو من المحادثات التي يتشكك حزبه فيها صراحة. وقالت وزيرة العدل تسيبي ليفني رئيسة الوفد الاسرائيلي في المفاوضات "المفاوضات هي الجدار الذي يمنع موجة من المقاطعة الاقتصادية الآن." وسئلت في مقابلة مع تلفزيون محلي إن كانت اسرائيل عرضة لعزلة مماثلة لتلك التي تعرضت لها جنوب افريقيا في سنوات العزل العنصري فقالت "نعم". وبدأت شركات في دول الاتحاد الاوروبي وهو أكبر شريك اقتصادي لاسرائيل تعبر بالفعل عن قلقها.

واعلنت مؤسسة بي جي جي ام وهي من أكبر صناديق المعاشات في هولندا في وقت سابق انها ستنقل استثماراتها من خمسة بنوك اسرائيلية بسبب تعاملاتها المالية مع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقال دبلوماسي سكندينافي في القدس ان ممثلين من اثنتين من شركات الاستثمار الكبرى في دول الشمال زاروا إسرائيل في الآونة الاخيرة لمناقشة بواعث قلقهم بخصوص الاعمال التجارية المرتبطة بالمستوطنات وينظرون في سحب استثمارات. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي غربي اخر ان زعماء الاتحاد الاوروبي ينقلون الرسالة الى نتنياهو. وقال الدبلوماسي الكبير الذي طلب عدم نشر اسمه "خطر المقاطعة (الاقتصادية) قائم. نحن نقول للإسرائيليين اننا نعارض المقاطعة لكننا ننبه إلى خطر العزلة." وأقر بينيت بأنه يرى "بوادر مقاطعة اقتصادية" لكنه قال إن وجود دولة فلسطينية مستقلة يمثل خطرا أكبر بكثير لأنها ستصبح قاعدة لشن هجمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/شباط/2014 - 1/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م