شبكة النبأ: الحرية حق وليست معطى...
يقوم الوجود الإنساني على سؤال الحرية، وهو سؤال قلق ومقلق في وقت
واحد..
ينشأ هذا القلق من هاجس الغياب بعد وجود، او من خلال البحث عن
مساحات أوسع للذات الحرة..
السؤال بصيغته المقلقة، يطرح بغياب او محاولة تغييب ومصادرة الوجود
الإنساني الذي يقوم على الحرية.. وهو مقلق لكل ما يعد سببا في مصادرتها
وتغييبها..
تقوم الثورات للحصول على حق مضيّع، ضيّعته السياسة بالدرجة الاولى،
وتراكم عليه غبار كثيف من ثقافة المجتمع، ومن مفاهيم مغلوطة للدين،
أسست هذا المنحى الذي يطالب بما هو موجود لكنه ضاع في زحمة السياسة
والثقافة والدين..
من المؤاخذات التي يسجلها أصحاب الفكر الحداثي والأفكار الليبرالية
الأخرى، سواءا المتحدثين بالضاد او من ثقافات ومجتمعات أخرى، خارج
الوجود الاجتماعي والثقافي الإسلامي، ان الإسلام لا توجد فيه تلك
المساحة المطلوبة التي تحقق شرط الوجود الإنساني وهو الحرية، منطلقين
في مؤاخذاتهم من نصوص انزاحت خلف الهوامش حتى ما عادت تشكل متنا اصيلا
في الإسلام، ومن حوادث تاريخية هي اقرب الى التضادات الشخصية في صراعات
السياسة، والتي وظفت الدين لمصلحتها، من خلال فهم قاصر لنصوص تأسيسه
الأولى كما أرادها الله سبحانه وتعالى..
ربما تعد حرية التعبير احدى المؤاخذات الرئيسية، مثلها مثل حرية
الايمان والاعتقاد، وهي مؤاخذات ليست في محلها، وقد يفاجأ القائلون
بذلك، حين يطالعون نصا للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي حول حرية
الرأي التي يراها اكثر قدسية وتسبق شهادة الايمان والتسليم، يقول في
كتابه (من عبقات الانوار): (حرية الرأي في نظام الله وقانون الاسلام
اكثر تقديسا حتى من الشهادتين، فالاسلام يريد ان يجعل الناس أحرارا).
لأن الإسلام في جوهره يقوم على إزالة الاغلال والاصر التي تكبل الانسان
وتصادر جوهر وجوده.
والإسلام يقود التحرير، تحرير الفكر واخراجه من تلك السجون الوهمية
التي كان عليها الانسان، والتي أضحت سجونا أخرى لعل ابرزها عدم الفهم
لذلك التحرير، يؤكد المرجع الشيرازي على هذه النقطة بقوله في كتابه
(السياسة من واقع الإسلام): (واول ما يبدأ الاسلام بتحرير الناس فيه:
الفكر، واختيار الدين، فان الاسلام لا يجبر الناس على دين معين ابدا،
ولو كانوا في بلاد الاسلام وتحت رعايته وحمايته، وقد اعلن القران
الحكيم هذه الحرية الفكرية بقوله تعالى: (لا اكراه في الدين).
ولا يكتفي المرجع السيد صادق الشيرازي بتقرير هذه البديهية، لكنه
يضيف اليها بديهية أخرى غابت عن اذهان المسلمين، حين يقول: (الاسلام
يهدي ويرسم الى الطريق، وبعده لا اكراه في الدين، اي كل انواع الاكراه
يرفضها الدين).
والاكراه هو القسر والاجبار على الاعتقاد ضد اختيار الانسان
وخياره..
وثمة تحديد دقيق تقوم عليه تعاليم الإسلام، وهو الوقوف في ممارسة
الحرية عند نقطة عدم التجاوز على حريات الاخرين، او التضاد معها، لان
الإسلام كما يشرح المرجع الشيرازي: (يقول لك: اعمل ما تشاء، فلك حرية
العمل شريطة الا تضر غيرك، فانه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام).
ومن تلك التحديدات الأخرى أيضا، عدم الاضرار، سواءا ما تعلق
بالإنسان الممارس لحريته او ما تعلق منها بممارساته مع الاخرين، لأن
(الانسان حر – بنظر الاسلام – في مزاولة كل انواع الاعمال، بمختلف
اشكالها واحوالها، في اي زمان ومكان مالم يضر بالآخرين.
والآيات والاحاديث الشريفة تؤكد حرية الانسان في تصرفاته الشخصية في
جميع ابعاد الحياة: في نفسه، وماله، كيف شاء، ومتى شاء، وحيث شاء، الا
ان يستغل ذلك في المضرات الشخصية كقتل نفسه واسراف ماله، او المضرات
الاجتماعية كقتل الاخرين وظلمهم وغصب اموالهم ونحو ذلك). ويضيف قائلا:
(بكلمة واحدة: اي تصرف كان للشخص في نفسه او في امواله او في طاقاته او
في طاقات الكون – مما لا يزاحم حق انسان اخر – فهو حلال، وله الحرية
الكاملة في مزاولته).
ومزاحمة حقوق الاخرين وحرياتهم، يأخذ تسمية واسعة بعيدة الدلالات
والمعاني، وهو الظلم نقيض العدل، الذي يتفرع الى ثنائية (الظالم –
العادل) الأولى تختص بالإنسان والثانية تختص بخالقه في مطلقها، وهو من
اسمائه الحسنى، فالله احكم العادلين، ولا يرضى بظلم عباده بعضهم لبعض،
لان أي ظلم هو انتقاص للحرية الممنوحة لهم، وهو سلب لها من قبل الظالم
لهذا: (يضرب الاسلام بشدة على يد الظالم ومن يريد الحاق الضرر
بالاخرين، فاذا ضمنت ذلك فانت حر في كل امورك).
الحرية إضافة الى كونها ستبقى سؤال الان والمستقبل، بالنسبة
للمجتمعات المسلمة، والمجتمعات التي تتوهم الحرية عبر تمثلات متعددة،
فهي أيضا (نعمة الهية عظمى ينبغي اغتنامها على احسن وجه)، كما يرى
المرجع السيد صادق الشيرازي، وكل نعمة يجب علينا عدم التفريط بها تحت
أي ظرف من الظروف. |