حرب الانترنت... معارك خلف الكواليس أخطر من الإرهاب

 

شبكة النبأ: يستمر التصعيد في الحرب الالكترونية بين جميع الأطراف (افراد، دول، جماعات إرهابية، منظمات) بصورة سرية قد يترشح البعض من اخبارها على شكل تسريبات او اتهامات متبادلة لتبين للمتابع مدى ضراوتها وشددتها بعد ان سببت الكثير من الخسائر الاقتصادية والأمنية والمعلوماتية على نطاق عالمي.

وقد شهدت الآونة الأخيرة قمة هذه الصراعات والاتهامات بين الدول من جهة والحركات والمنظمات الإرهابية من جهة أخرى، في محاولة لتحقيق نصر الكتروني باختراق الجهات الأمنية او التجسس للحصول على معلومات سرية او لتخريب بعض النشاطات المعينة للدول المقصودة.

من جهة أخرى امتدت الاثار المدمرة للحرب الالكترونية لتشمل التجسس على البيانات او الحسابات الشخصية لرعايا الدول ومواطنيها على حد سواء، سيما وان طبيعة هذه الحروب لا تفرق بين الصديق والعدو، فالكل مستهدف حتى رؤساء الدول والحلفاء والأصدقاء المقربون، كما كشف سنودن المتدرب السابق في وكالة الامن القومي الأمريكي في الوثائق التي نشرها.  

في سياق متصل من شأن الهجمات الإلكترونية أن تتسبب بخسائر اقتصادية قد تبلغ قيمتها ثلاثة الاف مليار دولار بحلول العام 2020، في حال لم تتخذ الحكومات التدابير اللازمة، وفق تقرير صدر عن المحفل الاقتصادي العالمي، وقد تؤدي التهديدات المرتبطة بالجرائم الإلكترونية إلى إبطاء التقدم التكنولوجي بصورة ملحوظة خلال العقد المقبل، بحسب القيمين على هذه الدراسة التي أجريت بالتعاون مع مجموعة الاستشارات الأميركية "مكينزي".

وقد تتسبب أصلا المخاوف الأمنية بعرقلة عملية الانتقال إلى الحلول المعلوماتية المندرجة في نظام الحوسبة السحابية (المعروف بالإنكليزية ب "كلاود كمبيوتيتغ")، مع العلم أن 78% من الشركات المشمولة في الدراسة أكدت انها أخرت لمدة سنة على الأقل اعتماد هذه التقنية الجديدة.

وفي وجه هذه المخاطر، ينبغي للحكومات والشركات وجمعيات المجتمع المدني أيضا أن ترسي "بيئة إلكترونية نظامية مقاومة"، بحسب القيمين على هذه الدراسة الذين ذكروا بأن "كلفة الهجومات الإلكترونية على الشركات والمؤسسات العامة والاقتصاد العالمي والمجتمع عموما تزداد مع ازدياد وتيرة هذه الهجومات".

وبغية تقييم الكلفة الاقتصادية للهجومات الإلكترونية، استند معدو هذه الدراسة المعنونة "المخاطر والمسؤوليات في عالم جد موصول" إلى ثلاث فرضيات، وتقوم الفرضية الأولى على ان منفذي هذا النوع من الهجومات هم في موقع أفضل من الشركات والحكومات التي لا تزال تدابيرها مشتتة، وفي خضم هذه الأجواء الملتبسة، تبدي الشركات تحفظات فيما يخص استثماراتها، ما من شأنه أن يخفض من قيمة المبالغ المستثمرة في التكنولوجيات الجديدة بحلول العام 2020 بمعدل 1020 مليار دولار تقريبا. بحسب فرانس برس.

أما الفرضية الثانية، فهي تستند إلى اشتداد في وتيرة الهجومات الإلكترونية وخطورتها، وينبغي بالتالي أن تكون تدابير الحكومات أكثر تأثيرا على الاستثمارات، في حين يجب أن يبدي المستهلكون حذرا أكبر إزاء التكنولوجيات المحمولة، ومن شأن هذا الوضع أن يؤثر سلبا على المجال الرقمي، فتخفض بمعدل 3060 مليار دولار قيمة قدرات التكنولوجيات الجديدة.

وتحسب الفرضية الثالثة حسابا لخطوات استباقية يتخذها القطاعان العام والخاص للحد من ازدياد الهجومات الإلكترونية وتعزز المبادرات الابتكارية، فتدر التكنولوجيات الجديدة إيرادات تتراوح قيمتها الاقتصادية بين 9600 و21600 مليار دولار خلال بقية العقد.

وقد نفذت هذه الدراسة بالاستناد إلى مجموعة من المقابلات أجريت مع 250 مسؤولا عن الأقسام المعنية بالتكنولوجيات والمسائل الأمنية في عدة شركات تعمل في مجالات مختلفة، وذلك في إطار مبادرة أطلقها المحفل الاقتصادي العالمي في العام 2012.

وتقدم هذه المبادرة خارطة طريق تستعرض سلسلة من الخطوات التي يمكن اتخاذها لمكافحة الجرائم الإلكترونية، من قبيل تبادل المعلومات عن الهجومات وتوسيع سوق التأمين الخاص بالهجومات الإلكترونية وتطبيق "عقيدة إلكترونية" على الصعيد العالمي، ومن المفترض أن تكون المسائل التكنولوجية في قلب مناقشات الدورة الرابعة والأربعين من المنتدى الاقتصادي الذي سينظم في منطقة دافوس السويسرية بين 22 و25 كانون الثاني/يناير.

الخطر الاساسي

الى ذلك افاد استطلاع اجري لدى كبار المسؤولين في مجال الدفاع الاميركي ان الهجمات عبر شبكات المعلوماتية تعتبر الخطر الاساسي على الولايات المتحدة قبل التهديد الإرهابي، وقال 45% من الذين شملهم الاستطلاع ان الخطر الاساسي يتمثل بالحرب عبر الانترنت، بينما لم يضع سوى 26% الارهاب والقاعدة في مرتبة التهديد الأول، اما الصين التي يتنامى دورها سريعا فهي تعتبر التهديد الثالث ب14%.

وهذا الاستطلاع هو الاول من نوعه، وقد اعدته الاسبوعية المتخصصة ديفانس نيوز وشمل 352 مسؤولا عسكريا ومدنيا من البنتاغون والكونغرس والبيت الابيض اضافة الى مسؤولين في شركات سلاح.

بالمقابل يرى المستطلعون ان الخطر الاساسي الذي يتهدد الحلفاء الاوروبيين للولايات المتحدة هو الإرهاب، اما الخطر الاساسي الذي يتهدد الحلفاء الاسيويين للولايات المتحدة فهي الصين وبعدها كوريا الشمالية، اما الخطر الاكبر بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط فهي إيران وبعدها الارهاب.

ويرى نصف المستطلعين ان القاعدة اليوم أضعف مما كانت عليه قبل خمس سنوات، في حين يعتبر 21% ان القاعدة اصبحت اقوى اليوم، وبالنسبة لطالبان جاءت النتائج بخلاف ما تكرره الادارة الأميركية، ذلك ان 27% من المستطلعين يعتبرون ان حركة طالبان باتت اليوم اقوى مما كانت عليه قبل خمس سنوات، في حين رأى 40% ان قوتها لا تزال هي، بينما اعتبر 33% انها اصبحت أضعف.

حرب غير معلنة

من جهتها قالت شركة أمريكية للأمن الالكتروني ولجنة استشارية للكونجرس ان الكشف في أوائل العام عن وجود وحدة سرية في الجيش الصيني تقف وراء هجمات الكترونية لم يوقف عمليات التسلل عبر الانترنت، وكان تقرير لشركة الامن الالكتروني الامريكية مانديانت قد قال ان الوحدة 61398 في جيش الشعب الصيني ومقرها شنغهاي هي في الاغلب التي تقوم بهجمات تسلل الكترونية على عدد كبير من الصناعات، ونفت وزارة الدفاع الصينية الاتهام.

وقالت لجنة الاقتصاد والامن الامريكية الصينية وهي لجنة تقدم المشورة للكونجرس فيما يتعلق بالصين ان ما كشفته شركة مانديانت أدى الى توقف قصير فقط في عمليات التسلل الالكتروني من جانب تلك الوحدة التابعة لجيش الشعب الصيني.

وذكرت اللجنة في مسودة تقريرها السنوي للكونجرس انه "لا يوجد اي مؤشر على ان الكشف العلني بكل تفاصيله الفنية للتجسس الالكتروني الصيني طوال عام 2013 أدى الى ان تغير الصين مسلكها في استخدام التجسس الالكتروني لسرقة معلومات اقتصادية وتجارية مملوكة للغير".

وجاء في مسودة التقرير ان ما كشفت عنه شركة مانديانت "ادى فقط لان تدخل الوحدة 61398 تغييرات على معداتها وبنيتها التحتية الالكترونية حتى تضمن صعوبة تتبع اي عمليات اختراق مستقبلية ومعرفة مصدرها"، ونقل تقرير اللجنة الذي من المقرر ان ينشر في وقت لاحق من الشهر عن خبراء من شركة مانديانت قولهم ان المتسللين في الجيش الصيني قللوا من نشاطهم لنحو شهر فقط بعد نشر التقرير في فبراير شباط.

فيما ذكرت صحيفة واشنطن بوست ان تنظيم القاعدة ومجموعات اخرى تعتبر معادية للولايات المتحدة حاولت مرارا اختراق وكالات الاستخبارات الاميركية التي فتحت تحقيقات بشأن الالاف من موظفيها، واستندت البوست على وثيقة سرية قالت انه جاء فيها ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي.آي.ايه) وجدت ان خمس عدد المتقدمين بطلبات توظيف ممن تثير خلفياتهم الشبهة كانت لهم "صلات هامة بإرهابيين و/او استخبارات معادية".

ورغم ان الوثيقة لم تصف طبيعة الصلات العدائية او المتطرفة لطالبي الوظائف، الا انها اشارت بشكل متكرر الى حماس وحزب الله وتنظيم القاعدة والمرتبطين به، وحجم الاختراق كبير لدرجة ان وكالة الامن القومي الاميركي خططت العام الماضي للتحقيق مع 4 الاف موظف على الاقل حصلوا على تصاريح امنية.

ورصدت وكالة الامن القومي نشاطا مشبوها بين موظفيها بعد التدقيق في تريليونات الاستخدامات لأزرار لوحات مفاتيح اجهزة الكمبيوتر في نطاق العمل، وتضمنت التصرفات المشبوهة ولوج موظفين الى قواعد بيانات سرية لا يستخدمونها عادة ضمن عملهم او تنزيل العديد من المستندات، بحسب ما قاله للصحيفة شخصان ملمان بالبرنامج المعلوماتي المستخدم لمراقبة الموظفين.

غير ان التأخير والتطبيق المتفاوت لتلك الخطة أضر بالجهد الذي كلف ملايين الدولارات، ولم تتمكن وكالات الاستخبارات من رصد سنودن عندما نسخ عددا كبيرا من وثائق وكالة الامن القومي البالغة السرية، والخبير الهارب مطلوب من واشنطن بتهمة التجسس المتعلق بالكشف لوسائل الاعلام عن البرامج الاميركية لمراقبة الاتصالات الالكترونية في العالم.

وقال مسؤول للواشنطن بوست انه "في السنوات العديدة الماضية وضعت اشارات على مجموعة صغيرة من مجمل طالبي الوظائف لدى سي.آي.ايه بسبب مشكلات ومسائل مختلفة"، واضاف "خلال تلك الفترة تبين ان واحدا من كل خمسة اسماء في تلك المجموعة لديهم صلات مهمة مع استخبارات معادية و/او مجموعات ارهابية"، وتقوم وكالة الامن القومي بإنشاء قاعدة بيانات ضخمة أطلق عليها "وايلد سيج" للمساعدة في مشاركة المعلومات الاستخباراتية الحساسة بين مراكز الامن الافتراضي، بحسب الوثيقة، غير ان تلك الخطوة تثير مخاوف من احتمال اختراق قاعدة البيانات تلك.

وقامت وكالات الاستخبارات بتشديد اجراءات التدقيق في التهديدات القادمة من الداخل بعد كشف موقع ويكيليكس عن مئات الاف الملفات العسكرية والدبلوماسية في 2010، والذي قام بعملية التسريب لويكيليكس هو المجند الاميركي برادلي مانينغ، وهو مسجون الان ويعرف ايضا بتشلسي مانينغ.

وفي 2011 طلب الكونغرس من مدير وكالة الامن القومي جيمس كلابر انشاء "برنامج آلي لرصد التهديدات من الداخل" بهدف منع مثل تلك التسريبات ووقف عمليات اساءة استخدام محتملة والتعرف الى العملاء المزدوجين، غير ان البرنامج تأخر مرات عدة حيث كانت دوائر الاستخبارات منهمكة بعواقب تسريبات مانينغ، بحسب البوست، وقامت ادارة الرئيس باراك اوباما بخطوات صارمة لمواجهة التهديدات من الداخل.

ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2012 أصدر اوباما" التعليمات الخاصة بالتهديد من الداخل" حدد فيها تلك التهديدات بانها الناجمة عن "التجسس والارهاب (او) الكشف غير المصرح له لمعلومات حول الامن الوطني"، وتضع تلك الاستراتيجية الجواسيس والذين يكشفون عن المعلومات السرية و"الارهابيين" في نفس الخانة، واثارت هذه التوجيهات غضب المراقبين الذي يقولون ان الثلاثة يختلفون عن بعضهم البعض.

على صعيد اخر ذكرت صحيفة واشنطن بوست استنادا الى وثائق سربها ادوارد سنودن ان اجهزة الاستخبارات الاميركية شنت 231 هجوما الكترونيا العام 2011، مستهدفة خصوصا إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية.

وكتبت الصحيفة مستندة الى تسريبات المستشار السابق في الاستخبارات الاميركية ان "كشف هذه المعلومات يشكل دليلا جديدا على ان "مقاتلي الانترنت" الذين يزداد عددهم داخل ادارة (باراك) اوباما يتسللون الى شبكات معلوماتية في الخارج ويعطلون عملها".

واضافة الى هذه الهجمات، اوضحت الصحيفة ان متخصصين "يخترقون شبكات اجنبية لوضعها تحت سيطرة اميركية سرية"، لافتة الى مشروع سمي "جيني" تبلغ موازنته 652 مليون دولار يقوم على وضع برامج "كل عام في عشرات من الماكينات" لإحداث اضطرابات فيها، واضافت واشنطن بوست "بحلول نهاية هذا العام، سيكون "جيني" قادرا على السيطرة على 85 ألف برنامج على الاقل تم زرعها في ماكينات اختيرت في شكل استراتيجي في كل انحاء العالم"، مقابل نحو 21 ألف برنامج العام 2008.

وتابع المصدر نفسه ان "الوثائق التي سلمها سنودن ومقابلات مع مسؤولين اميركيين سابقين تظهر حملة اختراق معلوماتية أكبر بكثير وأكثر عداء من تلك التي تم القيام بها حتى الان"، ومن بين الهجمات المعلوماتية ال 231 التي تم القيام بها في 2011، فان "نحو 75 في المئة منها طاولت اهدافا بالغة الاهمية مثل إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية، او انشطة مثل انتشار السلاح النووي".

وكانت طهران نسبت فيروس "ستاكسنت" الذي هاجم البرنامج النووي الايراني في 2010 الى الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي الاشهر الاخيرة، كررت واشنطن دعوة الصين الى وقف القرصنة المعلوماتية، لكن الصحيفة ذكرت ان "اجهزة الاستخبارات الاميركية تستخدم في شكل روتيني وفي كل انحاء العالم برامج اقامتها الحكومة لإحداث اضطرابات، لا يختلف تشغيلها كثيرا عن "التهديدات المستمرة" التي ينسبها المسؤولون الاميركيون الى الصين"، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين ان الفارق الاساسي بين واشنطن وبكين هو ان "الصين تسرق اسرارا صناعية اميركية لتحقيق مكاسب مالية".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/شباط/2014 - 30/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م