أفريقيا الوسطى.. الكراهية والفوضى ترسم أزمة إنسانية عنيفة

 

شبكة النبأ: ازمة انسانية خطيرة تعيشها جمهورية أفريقيا الوسطى بسبب استمرار المعارك وأعمال العنف الطائفي التي تقوم بها المليشيات المسلحة والتي اودت بحياة المئات من الأبرياء، هذا بالإضافة الى تشريد عشرات الآلاف من السكان كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على خطورة وحساسية الموقف الذي ينذر بحدوث كارثة إنسانية خصوصا مع تصاعد مشاعر الكراهية وازدياد اعمال القتل الانتقامية والتي ارتفعت بشكل خطير في الفترة السابقة على الرغم من وجود القوات الدولية المشتركة التي تحاولون استعادة النظام في البلاد، وفي هذا الشأن فقد أثارت جريمتا قتل ارتكبتا على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام وقوات حفظ السلام الفرنسية في جمهورية أفريقيا الوسطى تساؤلات حول الأمن وتوازن القوى في العاصمة بانغي. وكان صحفيون ووسائل الإعلام حاضرين عندما قُتل رجلان وأُحرقت جثتيهما في دوار بشارع بوغاندا في القسم الجنوبي من المدينة.

وكانت دورية تابعة للجيش الفرنسي مصحوبة بعربة مدرعة، وهي جزء من بعثة سانغاريس لحفظ السلام، متواجدة أيضاً في مكان الحادث، على الرغم من أنه ليس من المؤكد ما إذا كانت عملية القتل التي شهدها الصحفيين مرئية بوضوح لهؤلاء الجنود، أو كان الدخان والحشد يحجبان رؤيتهم. وارتكبت جريمتا القتل في حوالي العاشرة صباحاً، بعد أن قامت مجموعة من الشبان بإغلاق الطريق المؤدي إلى الدوار بالحجارة وإطار محروق.

وقال أحد المارة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الشباب كانوا يحتجون لأنه في اليوم السابق، "خطف المسلمون سائق سيارة أجرة وأعدموه في منطقة الكيلومتر الخامس"، وهو حي يتركز به المسلمون. وأضاف أن "المسلمين يتهمون سائقي سيارات أجرة معينين بتسليم المسلمين إلى مواطني أفريقيا الوسطى لإعدامهم".

وتجدر الإشارة إلى أن السيليكا، وهو تحالف من المتمردين ذي الأغلبية المسلمة، استولى على السلطة في بانغي في شهر مارس من العام الماضي. وتصاعدت حدة العنف بين أعضاء سابقين في تحالف السيليكا (تم حل التحالف بشكل رسمي، ولكن ليس على نحو فعال) والمجموعات غير المسلمة منذ ذلك الحين.

والمشكلة الأولى، التي لا تزال قائمة، هي ما يجب القيام به حيال أعضاء السيليكا السابقين. والمشكلة الثانية هي كيفية منع المزيد من العنف بين الطوائف، وهذا يعني أن تكون قادراً على حفظ الأمن في بانغي وقد أدت الهجمات العشوائية من قبل ميليشيات غير مسلمة تُعرف باسم مكافحة البالاكا (الترجمة التقريبية لهذا المصطلح هي "الذي لا يقهر") والعمليات الانتقامية التي قام بها أعضاء سابقون في تحالف السيليكا إلى مقتل 750 شخصاً على الأقل في بانغي في أوائل ديسمبر، واستمر وصول الضحايا إلى المستشفى الرئيسي في المدينة بمعدل 20 ضحية يومياً في المتوسط، كما أفادت منظمة أطباء بلا حدود.

من جانبها، حثت منظمة العفو الدولية في 20 يناير، الرئيسة المؤقتة الجديدة كاثرين سامبا-بانزا، التي تولت منصبها في ذلك اليوم، على كبح جماح ميليشيات مكافحة البالاكا التي أصبحت "خارج السيطرة" وتدفع المسلمين حالياً إلى الفرار بأعداد كبيرة. وأشارت المنظمة غير الحكومية إلى أن الأحياء المسلمة في بوالي، التي تبعد 80 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من العاصمة، فارغة، وإلى ورود تقارير عن فرار المسلمين بأعداد كبيرة أيضاً من مدن بوسيمبيلي وياكولي وبويالي، فضلاً عن العديد من القرى الصغيرة والعديد من الأحياء المحيطة بالعاصمة بانغي.

وفي حوالي الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم 19 يناير، تقدم حشد يتكون من عشرات الأشخاص في شارع بوغاندا نحو دورية للجيش الفرنسي، الذي كان يتمركز على بعد حوالي 100 متر من الدوار. وتوقفت مجموعة من الرجال على بعد حوالي 50 متراً من الدورية وبدا أنهم يضربون شخصاً ملقى على الأرض. وبعد ذلك بوقت قصير، تم إطلاق طلقات تحذيرية وتقدمت الدورية لتفريق الغوغاء الذين تراجعوا إلى شارع جانبي.

وبعد حوالي 15 دقيقة، عادت نفس المجموعة إلى الدوار، حيث وضع بعض الشباب إطاراً آخر على بعد حوالي 30 متراً من مركبة مدرعة فرنسية. ثم ألقوا جثة على الإطار، وسكبوا عليها البنزين وأشعلوا فيها النيران. وبعد مرور بعض الوقت، جروا ضحية أخرى نحو الإطار، وضربوه حتى الموت ثم أحرقوه. لم تتدخل قوات حفظ السلام، التي كانت قد تلقت تعزيزات، في هذه المرحلة.

وقال روبرت ديموبينغا، وهو أحد شهود العيان، أن الضحية الأولى كان قد استوقف على دراجته النارية في الدوار وسُئل عما إذا كان يعرف شيئاً عن مقتل سائق السيارة الأجرة، وما إذا كان قد شارك في الجريمة. "قال أنه لم يكن يعرف شيئاً عن ذلك، وبعد ذلك أعدموه بعد أن ضربوه بشدة"، كما أفاد ديموبينغا. وقال أحد المارة الذي فضل عدم ذكر اسمه: "قتلوه لأنهم وجدوا قائمة بأسماء شباب من أفريقيا الوسطى في جيبه". ورداً على سؤال عن ما فعلوه بتلك القائمة، قال أنهم أحرقوها "لأنهم كانوا غاضبين".

وقال المقدم توماس مولار، المتحدث باسم سانغاريس، أن الدورية تمكنت من إنقاذ شخصين من الحشد في ذلك اليوم، لكنها لم تتمكن من إنقاذ رجل ثالث. وقد استجابت سانغاريس لحادث خطير آخر في اليوم نفسه، عندما تم استدعاء دورية لحماية حوالي 1,000 مسلم كانوا قد لجؤوا إلى كنيسة في بلدة بوالي التي تبعد حوالي 90 كيلومتراً عن بانغي. تم الإبلاغ عن مقتل أربعة أشخاص هناك، وربما يكون تدخل البعثة قد منع خسائر أكبر بكثير في الأرواح. ومن الجدير بالذكر أن الكاهن الكاثوليكي في بوالي فتح أبواب الكنيسة للمسلمين، متحدياً تهديدات ميليشيات مكافحة البالاكا.

وقال تييري فيركولون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية في بانغي، معلقاً على الحادث الذي وقع في شارع بوغاندا، أن قوات سانغاريس لحفظ السلام "غير مجهزة لإدارة الحشود" لأنها لا تملك رصاصاً مطاطياً أو غازاً مسيلاً للدموع كما أنها غير مدربة على هذا الدور. وأضاف أن بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في جمهورية أفريقيا الوسطى (MISCA) تضم وحدة شرطة، ولكنها قليلة العدد وغير مجهزة أيضاً لتنفيذ مهمتها.

والجدير بالذكر أن القوات التشادية المشاركة في بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في جمهورية أفريقيا الوسطى تعرضت لانتقادات شديدة في وقت سابق بسبب فتحها النار على حشود عنيفة في بانغي. ومنذ ذلك الحين، يتوارى التشاديون عن الأنظار، كما أفاد فيركولون. وأضاف أنه في هذه الأثناء، تغير الوضع الأمني في بانغي، نظراً لانتزاع السلطة من أيدي أعضاء تحالف السيليكا السابقين.

وأوضح فيركولون أن "أعضاء السيليكا السابقين كانوا يديرون المكان" حتى منتصف ديسمبر، لكنهم منذ ذلك الحين محتجزين في ثكناتهم وتم تجريدهم من أسلحتهم بموجب نظام مراقبة تنفذه قوات حفظ السلام. وعلى الرغم من أن بعض المدنيين أبلغوا عن وجود بعض أعضاء السيليكا السابقين في أحيائهم، إلا أنه لا يبدو أنهم يسيطرون على أي طرق رئيسية في وضح النهار. كما أعدمت مجموعات الغوغاء عدداً من المشتبه في أنهم من مقاتلي السيليكا السابقين في الأسابيع الأخيرة.

وقال المتحدث باسم سانغاريس المقدم سيباستيان بيليسييه مؤخراً أن أعضاء السيليكا السابقين لا يسببون متاعب أكثر من الميليشيات الأخرى، وأنهم محتجزون على نحو فعال في ثكناتهم. وفي حين أنه من المؤكد تقريباً وجود مسلمين مسلحين في بعض الأحياء، يُعتقد أن العديد من المقاتلين المسلمين الآخرين قد رحلوا عن بانغي.

ويرى فيركولون أن "المشكلة الأولى، التي لا تزال قائمة، هي ما يجب القيام به حيال أعضاء السيليكا السابقين. والمشكلة الثانية هي كيفية منع المزيد من العنف بين الطوائف، وهذا يعني أن تكون قادراً على حفظ الأمن في بانغي". ومنذ استقالة الرئيس المؤقت ميشيل جوتوديا، بدأت إعادة تجميع عناصر الشرطة والدرك والجيش في جمهورية أفريقيا الوسطى، الذين كانوا في السابق لا يذهبون إلى أعمالهم نظراً لخوفهم الشديد من أعضاء السيليكا السابقين.

وفي السياق نفسه، أعدت الجهات المانحة مشروعاً لإعادة فتح مراكز الشرطة، ولكن فيركولون أفاد أن هذا المشروع لا يمكن تنفيذه إلا من خلال التعاون الوثيق مع الحكومة الجديدة، والتي يجري تشكيلها حالياً بعد انتخاب سامبا-بانزا. وخلال حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حول القوات الأفريقية والفرنسية المنتشرة في جمهورية أفريقيا الوسطى، قالت سامبا-بانزا أن "الأعداد الحالية ليست كافية لاستعادة الأمن والنظام".

ويوجد حالياً 1,600 جندي فرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما تم نشر 4,400 آخرين من مختلف البلدان الأفريقية، ومن المتوقع وصول عدة مئات من الجنود قريباً من الاتحاد الأوروبي. ومن المخطط أن تقوم أجهزة الأمن في جمهورية أفريقيا الوسطى بتسيير دوريات مشتركة مع قوات حفظ السلام.

في الوقت نفسه، قد يتدهور الوضع الأمني في الولايات. وذكر برنامج الأغذية العالمي أن موظفي الأمم المتحدة وأسرهم في بلدة بوار لجؤوا إلى مجمع برنامج الأغذية العالمي، وأن القتال بين أعضاء السيليكا السابقين وميليشيات مكافحة البالاكا اندلع من جديد في بلدة سيبوت، بعد عدة أيام فقط من عقد مصالحة بين المجموعتين بوساطة عمدة البلدة. لا أحد منا يريد البقاء هنا. لا يمكننا الذهاب إلى أي مكان في بانغي. نحن محاصرون وفي 17 يناير، تم الإبلاغ عن هجوم بقنبلة يدوية على قافلة للمسلمين في بوار أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 50 آخرين بجروح. بحسب شبكة إيرين.

وقد غادر عشرات الآلاف من المسلمين، معظمهم من الأجانب، جمهورية أفريقيا الوسطى خلال الشهرين الماضيين. وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، التي تساعد في عمليات الإجلاء، إلى أن المسلمين يشكلون حوالي 15 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم 5 ملايين نسمة. في أسوأ سيناريو، يمكن أن تصبح نسبة كبيرة من المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى هدفاً للعنف الطائفي.

مهمة صعبة

في السياق ذاته فالمكان الأكثر صعوبة لوضع حد للهجمات الانتقامية هو بوسانغوا، حيث اندلعت أعمال العنف الطائفية للمرة الأولى في سبتمبر 2013 بين متمردي السيليكا الذي يشكل المسلمون غالبيته والذي أوصل دجوتوديا إلى السلطة ووحدات الدفاع عن النفس وغالبيتهم من المسيحيين والمعروفة باسم "مكافحة البالاكا". ولم تثمر حتى الآن عدة محاولات من قبل قادة الديانتين لتحقيق المصالحة.

وقال عبده دينغ، منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في وقت سابق: "لقد وجدت مدينة منقسمة الى جزئين. جزء من السكان – المسيحيون - يخيمون في موقع، والجزء الآخر – المسلمون - يخيمون في موقع آخر. هناك غياب تام للحوار. الجميع خائف ولا أحد يريد أن يذهب إلى دياره، والأوضاع في المخيمات فظيعة".

وقد أطلقت مجموعة مكافحة البالاكا (التي تعني "مكافحة المنجل") هجماتها للمرة الأولى هنا في سبتمبر، مما أدى إلى وقوع أعمال انتقامية على يد أعضاء سابقين في تحالف السيليكا. ومنذ ذلك الحين، تضاعف عدد النازحين داخلياً في المخيمين الرئيسيين ويعيش الآن حوالي 36,000 مسيحي في حرم البعثة الكاثوليكية و4,000 مسلم لجؤوا إلى مدرسة. وقد أصبحت الحياة في المخيمات صعبة على نحو متزايد، كما أنها تزداد سوءاً بسبب الخوف وعدم الثقة الذي يحول دون التواصل بين المجتمعات. ولكن النازحين يصرون على أن الحوار أمر ضروري.

وقال مصطفى علي الذي يقيم في الموقع التابع للمسلمين "نريد العودة إلى ديارنا لأن هذا المكان ليس جيداً. ولكننا خائفون من مجموعة مكافحة بالاكا. أعيش هنا مع عائلتي وزوجتي التي لديها 10 أطفال. لا توجد هنا أدوية أو طعام - والأسعار مرتفعة. فمكعب مرق اللحم ماجي يكلف 25 فرنكاً [حوالي 0.05 دولار]. كما أن مواداً مثل الصابون والملح والسكر مكلفة أيضاً. لا يوجد سلام هنا. نحن خائفون حتى في وضح النهار. المسيحيون والمسلمون على حد سواء خائفون من بعضهم البعض. حان الوقت لإنهاء هذا الوضع".

ويشاركهم المسيحيون في مواقع نزوحهم نفس المشاعر، حيث قالت مونيك التي تعيش وعائلتها هناك منذ أربعة أشهر: "لا يوجد اتفاق بيننا وبين المسلمين. إنهم لا يسمحون لنا بشراء أي شيء من عندهم، ونحن نرفض السماح لهم بشراء أي شيء من عندنا. الوضع سيء للغاية. ونحن نتساءل: من يمكنه مساعدتنا على تسوية خلافاتنا؟ نريد من قادتنا تحقيق السلام ومساعدتنا على إعادة بناء منازلنا التي أحرقت".

ولم تسفر عدة لقاءات مصالحة نظمها الزعماء الدينيون والسلطات في بوسانغوا عن أي نتائج. ويتهم المسلمون المسيحيين بسوء النية وعرقلة عملية التفاوض. وأوضح أباكار أحمد، وهو مسلم بارز يعمل مع إمام المنطقة، سبب عدم نجاح المصالحة قائلاً: "إنه خطأ المسيحيين بشكل كامل. نحن المسلمون، قد وافقنا على المصالحة مع إخواننا المسيحيين، لكنهم لا يرغبون في المصالحة". وأضاف أن المسيحيين الذين تحدث معهم قالوا له أنهم سيقاتلون حتى استقالة دجوتوديا.

في الوقت نفسه، يلقي أسقف بوسانغوا، المونسنيور نيستور أزياجبيا، باللائمة على كل من الأفراد السابقين لتحالف السيليكا ومكافحة بالاكا لتعطيلهم عملية المصالحة: "كل يوم، نقوم بتعداد أولئك الذين لقوا حتفهم من بين النازحين. لم تثمر كل جهودنا لإقناع الناس بالعودة إلى ديارهم. نحن لا نحصل على النتائج التي كنا نأمل فيها. لكل خطوة نقوم بها إلى الأمام، نتراجع إلى الخلف ثلاث أو أربع خطوات. المشكلة الحقيقية هي في تحالف السيليكا. يجب سحبهم، ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن".

وقال أزياجبيا أن الناس لن يعودوا إلى بيوتهم إلا عند الشعور بالأمان. "لقد طالبت بنشر الشرطة العادية - أي الشرطة والدرك – ليتم تطبيق القانون والنظام، وليتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم، لأن هذا هو ما يريده الجميع. بعضهم على استعداد للعودة إلى منازلهم، ولكن عندما كانوا يصلون إلى هناك، كانوا يجدون منازلهم قد نهبت، وأنهم مهددون من قبل السيليكا، لذا يعودون إلى هنا". "لقد تناقشت مع الإمام. إنهم [المسلمون] أيضاً خائفون من مكافحة البالاكا، التي تمنعهم من العودة إلى منازلهم. ما هو محزن للغاية هو أن هؤلاء الناس يرون منازلهم على بعد 5 دقائق فقط، لكنهم يشعرون بالعجز وعدم الأمان لدرجة أنهم لا يستطيعون حتى عبور الطريق للعودة إلى هناك". بحسب شبكة إيرين.

وترغب المنظمات الإنسانية العاملة في البلدة في عودة النازحين إلى بيوتهم، لأن هذا من شأنه أن يحسن خدمات تقديم المساعدة. وقال سيدو كامارا، رئيس مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في بوسانغوا أن المساعدة محدودة بسبب الظروف الراهنة. وأضاف قائلاً: "هناك عدم ثقة بين الجاليتين، وقد ازداد ذلك سوءاً منذ 5 ديسمبر [عندما اشتبكت مجموعات مكافحة البالاكا وتحالف السيليكا السابقين في بانغي] ... وهي مدينة حيث يعيش الناس على بعد 50 أو 100 متر من منازلهم ولكن لا يمكنهم الذهاب إليها وهو وضع غير مقبول. على الرغم من أنه يمكننا مساعدة الناس في المخيمين، سيكون من الأفضل مساعدتهم في أحيائهم أو في قراهم المحيطة بها".

هجرة جماعية

على صعيد متصل فرّ زهاء 20,000 شخص من ذوي الأصول التشادية من أعمال العنف الدائرة في جمهورية أفريقيا الوسطى خلال الأسابيع الأخيرة، ومن المتوقع أن ينضم المزيد إلى عملية النزوح الجماعي تلك، التي تتسبب في إجهاد الوضع الإنساني في تشاد، ذلك البلد الذي لم يعش فيه كثير من أولئك الفارين إليه. وتعليقاً على هذا الوضع، قال أوا رابيلو، وهو واحد من آلاف الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات أمام السفارة التشادية في بانجي، بانتظار استقلال أي شاحنة من تلك المتجهة إلى تشاد: "على الرغم من أن هؤلاء الذين ولدوا هنا يحملون جنسية جمهورية أفريقيا الوسطى، إلا أنهم يعاملون كأجانب. لم نر تشاد أبداً ولكننا مضطرون للذهاب إلى هناك طلباً للحماية". وأضاف: "لقد أحرقوا منازلنا. ولم يتركوا لنا سوى الملابس التي نرتديها وألقوا علينا القنابل اليدوية أيضاً. إن الأشخاص الذين انضموا إلى أعضاء مكافحة بالاكا هم من فعل هذا بنا. وإذا مكثنا في ديارنا فسوف يقتلوننا".

وأضاف رابيلو: "نحن مواطنون ننتمي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، ولدينا حقوق في هذه الدولة، ولكن جميع المسلمين الآن يعاملون كأنهم أجانب. لذا فقد قررنا المغادرة والعيش في تشاد. ونأمل أن نستطيع العودة مرة أخرى إن شاء الله". ومعظم مقاتلي السيليكا هم من المسلمين، والكثير منهم من الأجانب المرتزقة الذين أتوا من تشاد والسودان.

ويذكر أن قرابة مليون شخص قد فروا من منازلهم في جمهورية أفريقيا الوسطى وسط موجة من الهجمات وأعمال القتل التي ارتكبت على خلفية دينية. ومعظم سكان الدولة البالغ عددهم نحو 4.5 مليون نسمة هم من المسيحيين في الوقت الذي يُنظر فيه إلى المسلمين على نطاق واسع، وخاصة التشاديون، على أنهم مرتبطين بأعضاء قوات السيليكا السابقين.

ووفقاً للجنرال شريف محمد دوسة، السفير التشادي في بانجي، فقد قتلت قوات مكافحة بالاكا ثمانية من الجنود التشاديين المنتشرين ضمن قوة إقليمية في جمهورية أفريقيا الوسطى. وأضاف أن نحو 57 من المدنيين التشاديين قتلوا أيضاً ولا يزال هناك عشرات الأشخاص في عداد المفقودين. وقال ساليف أحمد، الذي كان ينتظر أيضاً خارج السفارة التشادية: "هؤلاء الناس يريدون الذهاب حيثما لا توجد مشاكل. ونحن نأخذ نساءنا وأطفالنا إلى تشاد لأن الوضع هنا خطير. قد نتعرض لهجمات من أي مكان ولذلك نريد فقط أن نحمي عائلاتنا".

وقالت الحاجة ريمي هيجا، التي كانت تقف بالقرب منه، أنها ولدت في شمال جمهورية أفريقيا الوسطى"منذ نحو 100 عام". وقالت "لقد جئت من بوكا التي تقع على بعد نحو 450 كيلومتراً شمال بانجي. لقد أشعلوا النار في بيتي وجميع ممتلكاتي وقتلوا أبنائي الاثنين، أحدهما كان رئيساً محلياً والآخر كان تاجراً. كما احترق بيتي تماماً، ولم أستطع أخذ أي شيء منه. هربت من بوكا إلى بانجي، وعليّ الآن الفرار من بانجي إلى تشاد".

من جانبها، أنشأت الحكومة التشادية جسراً جوياً وممراً إنسانياً بين بانجي والعاصمة التشادية إنجامينا في 22 ديسمبر. ومنذ ذلك الحين، نظمت 52 رحلة طيران لإجلاء نحو 9,648 شخصاً وثلاث قوافل برية أخرى لإجلاء نحو 9,000 شخص آخرين. (كما تم إجلاء مواطنين من نيجيريا ومالي والسنغال والكاميرون من جمهورية أفريقيا الوسطى).

وسوف يؤدي النزوح إلى تداعيات كبيرة على جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد. والجدير بالذكر أن السكان المنحدرين من أصل تشادي- إضافة إلى أولئك المنحدرين من أصل كاميروني ونيجيري- يشكلون العمود الفقري للقطاعات التجارية وتربية الماشية في جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي هذا الصدد، يرى ريتشارد بوامبي، من وزارة الاتصالات في جمهورية أفريقيا الوسطى أن الدولة سوف تواجه مشاكل اقتصادية رئيسية وشيكة.

وقال بوامبي أن "الأشخاص الذين يغادرون هم من التجار ودافعي الضرائب، ومن دونهم سوف تواجه الدولة صعوبة في ملء خزائنها. إن مليارات الفرانكات مئات آلاف الدولارات تنفق كل يوم في KM5" في إشارة إلى أكبر سوق في بانجي. وبالفعل، بدأت بعض المواد الغذائية في النفاد في الوقت الذي يقوم فيه المضاربون بشراء المواد الغذائية الأساسية. كما تتجه الأسعار نحو الارتفاع بصورة عامة ولم يتقاض موظفو الخدمة المدنية رواتبهم منذ أشهر.

في تلك الأثناء، قال قاسم صوفي، رئيس العمليات في المنظمة الدولية للهجرة في تشاد أن عدد الأشخاص الذين يدخلون تشاد "يرتفع على نحو سريع للغاية، وقد بلغ عددهم 19,000 وفق آخر الإحصائيات. وأضاف صوفي أن إجمالي عدد الحالات قد يصل إلى خمسة أضعاف هذا العدد.

وأفاد أيضاً أن الأرقام الحالية تشمل 200 من الأطفال غير المصحوبين بذويهم. وبعد انتهاء الحكومة من عملية تسجيل الوافدين الجدد، يتم أخذهم إلى مراكز مؤقتة تقع في العاصمة وعلى مقربة من الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تُقدم لهم الرعاية الطبية والغذاء، بالإضافة إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لأولئك الذين يعانون من صدمات نفسية.

وبعد بضعة أيام، يتم نقل المهاجرين إلى مواطنهم الأصلية. وكما جرى مع نحو 150,000 من المهاجرين التشاديين الذين عادوا من ليبيا في الفترة ما بين عامي 2011 و2013، تخطط المنظمة الدولية للهجرة للمساعدة في عملية إعادة الإدماج الاقتصادي وتنفيذ مشروعات تهدف للتخفيف من حدة التوترات مع المجتمعات المحلية المضيفة.

وقال صوفي "بالنسبة إلى أولئك الذين غادروا البلاد منذ فترة طويلة أو حتى ولدوا في جمهورية أفريقيا الوسطى، يتعين التوصل إلى نهج مختلف لتلبية احتياجاتهم، وتقوم المنظمة الدولية للهجرة حالياً... بالتنسيق مع الحكومة التشادية لتطوير استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه المجموعة الأخيرة".

وأضاف أنه نظراً لأن الحالات الجديدة قد قامت بتحويل مبالغ مالية كبيرة لأقاربهم في تشاد بينما لا زالوا يعيشون في جمهورية أفريقيا الوسطى "فسيكون لأزمة الهجرة هذه تأثير أكبر على الجانب الاقتصادي في الدولة مقارنة بأزمة ليبيا، حيث كان ينتمي معظم المهاجرين في الغالب من القطاعات المنخفضة الدخل، مثل السائقين والمزارعين، والحراس، إلخ". وأضاف قائلاً: "يشكل عدد المهاجرين التشاديين في جمهورية أفريقيا الوسطى (البالغ أكثر من 100,000 شخص)، تحدياً هائلاً لكل من الحكومة والمجتمع الإنساني الذي يسعى لتلبية احتياجاتهم. بحسب شبكة إيرين.

"ولهذا السبب، فقد أطلقت المنظمة الدولية للهجرة، باعتبارها وكالة الهجرة الرئيسية التي تتعامل مع هذا الوضع، نداءً لجمع (17.4 مليون دولار) في مسعى لتلبية احتياجاتهم الفورية، بما في ذلك المكون الخاص بإنقاذ الحياة من عملية الإجلاء من جمهورية أفريقيا الوسطى، ونقلهم إلى ملاذات آمنة في مواطنهم الأصلية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/كانون الثاني/2014 - 28/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م