المعارضة الأردنية.. بين معضلة الانقسامات وهواجس الاضطرابات

 

شبكة النبأ: طغت اصوات الباعة الجائلين على هتافات أطلقها على استحياء عدد صغير من النشطاء خارج مسجد في قلب العاصمة الاردنية عمان حيث كان المئات يحتجون من قبل على نهج حكم الملك عبد الله.

ويقف رجال أمن ومخابرات في ملابس مدنية مسترخين بلا سلاح. وحتى هذه الاحتجاجات المحدودة اصبحت نادرة الحدوث هذه الأيام في المسجد الحسيني الذي كان ذات يوم مركزا لاحتجاجات أسبوعية استلهمت الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي.

واسهم احساس متنام بأن الانتفاضات التي شهدتها المنطقة جلبت معاناة اكثر مما حققته من تقدم نحو الديمقراطية تضافر مع مساعدات دولية سخية وبعض الاصلاحات السياسية في إضعاف المعارضة لحكم العاهل المدعوم من الغرب الذي تولى السلطة قبل 15 عاما.

وتشكل العائلة الهاشمية قوة توحيد تجمع سكانا متنوعين. وكانت الاحتجاجات في المملكة تضم اسلاميين اغلبهم من الأردنيين من اصل فلسطيني ونشطاء حراك العشائر التي كانت عادة تدعم الملك.

لكن الاحتجاجات لم تتطور مثلما حدث في مصر عندما أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك أو في سوريا المجاورة حيث هزت الاحتجاجات قبضة بشار الأسد على الحكم. وعبر نحو مليون لاجيء سوري الحدود إلى الأردن خلال الحرب الاهلية التي بدأت منذ ثلاث سنوات، وقال معين الحراسيس أحد الشخصيات البارزة في الحراك أمضى نحو أربعة أشهر في السجن الذي دخله مرارا على مدى العامين الماضيين بعد أن طالب بالإطاحة بالملكية "ما حدث في سوريا ومصر وتقلبات الاحداث والموقف منها اربك الناشطين في الحراك".

ويواجه الحراسيس المحاكمة الآن أمام محكمة عسكرية وهو واحد من 40 من نشطاء الحراك يواجهون محاكمات عسكرية في اتهامات بتقويض الدولة تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 15 عاما مع الشغل والنفاذ. بحسب رويترز.

ولا يحتجز أي منهم ولم تصدر أحكام بعد مما يعطي مثالا على كيفية توجيه الأردن رسالة مفادها أن المعارضة المستمرة ذات السقف العالي لن تكون مقبولة وفي الوقت نفسه تتجنب المملكة حملات القمع الدموي التي أسهمت في تحويل الاحتجاجات في سوريا إلى حركة معارضة مسلحة.

وقال طارق التل وهو دارس وناشط أردني "وضع الملك مؤمن بالرشاقة التي تعمل بها قوات أمنه على احتواء الحراك وتقسيم وعزل أجنحته المختلفة."

واستفاد الملك المولود لأم انجليزية والذي تلقى تعليمه في بريطانيا والولايات المتحدة من التزام الغرب ودول الخليج بدعم بلاده التي يساهم دورها كملاذ استوعب موجات متتالية من اللاجئين في تحقيق الاستقرار بالمنطقة.

وأسهمت مساعدات إضافية بمليارات الدولارات للتخفيف من اثر تدفقات اللاجئين السوريين على البلد الذي يفتقر إلى الموارد الطبيعية البالغ عدد سكانه سبعة ملايين نسمة كذلك في تقويض المعارضة للملك عبد الله سواء من خارج أصحاب المصالح السياسية العشائرية أو من داخلهم.

ويهيمن الاردنيون من اصول فلسطينية من الضفة الغربية ومناطق أبعد على الشركات الخاصة في الأردن ويعانون من تهميش سياسي في نظام تحصل فيه العشائر من الضفة الشرقية لنهر الأردن على مزايا ورعاية اكبر من الدولة في مقابل مساندة الملك.

ويعارض نشطاء حراك العشائر الذين يقودهم خليط من ضباط الجيش الساخطين ومسؤولين مدنيين إجراءات التقشف المدعومة من صندوق النقد الدولي ويخشون من ان ينفذ الملك إصلاحات اقتصاد السوق التي يرون انها ستأتي على حسابهم.

ووقعت اعنف احتجاجاتهم في بلدات ريفية ونائية بعد زيادة كبيرة في أسعار الوقود في نوفمبر تشرين الثاني 2011 أعادت للأذهان اضطرابات مدنية سابقة أثارها ارتفاع أسعار الخبز والوقود، واعتقل المئات بعد مظاهرات احرقت فيها بنوك وممتلكات للدولة لكن اطلق سراح أغلبهم سريعا بعد أن أجازت إصلاحات تنظيم المظاهرات السلمية دون إذن مسبق من الجهات الأمنية.

وقال مسؤول بارز بالقصر طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالحديث للإعلام "الملك رأى تطور الربيع العربي وقال .. لا يجدي انكار ذلك يتعين التعامل معه لخلق التغيير الإيجابي بدلا من محاربته"، وعلى عكس نشطاء الحراك من ابناء العشائر فإن النشطاء الإسلاميين لهم جذور قوية بين الاردنيين من أصل فلسطيني في المدن الكبرى وطالبوا بتمثيل أكثر عدالة للمدن الرئيسية ذات الكثافة السكانية العالية في البرلمان لكن ذلك يواجه بمقاومة من العشائر التي تتمتع بالهيمنة السياسية والدعم المالي من الدولة.

ووزعت قوات الأمن المشروبات والمياه على المتظاهرين في احتجاجات سابقة ووفر الملك الذي يبلغ عمره 51 عاما أموالا و مشاريع تنموية للفقراء وعدل عن خفض الدعم وامر بزيادات للرواتب لتهدئة الغضب من ارتفاع تكلفة المعيشة.

ووالدا الملكة رنيا زوجة العاهل الأردني من اصل فلسطيني واثارت خلفيتها هذه ودورها البارز محليا ودوليا انتقادات عناصر عشائرية محافظة، لكن السلطات استقطبت بعض زعماء الحراك بوظائف وأموال وتجنبت المواجهة مع الإسلاميين رغم ان سقوط جماعة الاخوان المسلمين حليفتهم في مصر كان يمكن ان يشجع على ذلك بعد ان تراجع تحديهم للسلطات الاردنية، وأقر زكي بني رشيد نائب المراقب العام للاخوان المسلمين في الاردن وهي أقوى جماعة معارضة بأن الحملة على الإسلاميين في مصر والحرب الأهلية المدمرة في سوريا كان لها تاثير كبير على فتور حالة المعارضة و خلقت حالة الاحباط، وأضاف "شلال الدم في سوريا ومصر النموذج المصري وايضا في العراق تم توظيفه من قبل النظام بتخفيف سقف الطموح في الإصلاح وتخيير الناس بين الواقع الحالي من استقرار او فوضى ودمار".

وفي مواجهة هذه الخيارات المحدودة قرر أغلب المواطنين الاردنيين العاديين قبول الاستقرار، وقال عبد الهادي المجالي السياسي الاردني البارز "الاردني يطلع على اللي يصير في سوريا ومصر والعراق ويقول صح متضايق وتعبان بس يقول لنفسه اكيد احسن من الاخرين. في الاردن امن واستقرار وهذا عامل مهم جدا".

واستبق الملك الاحتجاجات بتعديلات دستورية توسع دور البرلمان في تعيين رؤساء الوزراء و تحد من صلاحياته في حل البرلمان. ويقول أن غايته أن يكون الاردن ملكية دستورية على غرار بريطانيا لكنه احجم عن تنفيذ إصلاحات كبرى من شأنها إثارة غضب المؤسسة العشائرية المتنفذة في البلاد.

وبدأت حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور في صرف تمويل بقيمة خمسة مليارات دولار من الخليج واستأنفت الاقتراض من أسواق المال العالمية بضمانات قروض أمريكية وتضاعفت الاحتياطيات الاجنبية وهو وضع افضل كثيرا من الازمات المالية الطاحنة التي دفعت الاردن إلى شفا انهيار اقتصادي في نهاية عام 2012.

وإلى جانب التحديات يقول اقتصاديون وساسة إن تدفق اللاجئين جاء ببعض المزايا الاقتصادية، وفي المنطقة الحدودية الشمالية يأتي السوريون الذين فروا من العنف الدائر على بعد بضعة كيلومترات فقط بالمهارات المطلوبة بشدة وأنعشوا بلدات حدودية يعتمد سكانها على الوظائف الحكومية.

ونقل رجال أعمال أغنياء انشطة شركاتهم ليملأوا أماكن ظلت شاغرة في المناطق الصناعية بالبلاد في حين استفاد أرباب الأعمال من عمالة ماهرة رخيصة حفزت النمو.

وعلى الصعيد السياسي خفف الغرب ضغوطه على الاردن من أجل الإصلاح. وقال دبلوماسي غربي بارز "الملك لا يشعر بالضغوط الداخلية واقنع المجتمع الدولي بأنه يقوم بالإصلاحات اللازمة".

وتشير مصادر من المعارضة إلى اعتقال من ينتقد الملكية علنا باعتباره من الدلائل على تجدد تغلغل جهاز المخابرات الذي كان قد كبحت جماحه تحت ضغط الاحتجاجات وبمساعدة جهود الملك للحد من نفوذه وتدخله الفج في الحياة السياسية.

ويقول العديد من الساسة المراقبين المستقلين إن اجراءات التقشف المدعومة من صندوق النقد الدولي والمقرر تنفيذها ستشكل عبئا اقتصاديا على الفقراء الاردنيين والطبقة الوسطى مما يزيد من مخاطر وقوع المزيد من الاحتجاجات والاضطرابات.

ومن المتوقع ان تطرأ زيادات اخرى على اسعار الكهرباء بناء على توصيات الصندوق هذا العام بهدف تقليص ديون بمليارات الدولارات مستحقة على شركات مملوكة للدولة لجأت لاستيراد زيت الوقود غالي الثمن لتوليد الكهرباء بعد قطع امدادات الغاز الطبيعي المصري الرخيص. ويجري كذلك خفض الدعم على الخبز والماء.

ونجت المملكة من ازمات اقتصادية وسياسية من قبل مدعومة بمساندة أجنبية والشعور بأن النظام الملكي حقق قدرا كبيرا من الوحدة في بلد منقسم بين عشائر متنافسة وتوترات بين الاردنيين من اصول مختلفة ومحاط بالاضطرابات الاقليمية.

وقال مروان المعشر وهو وزير سابق يعمل الآن في مركز كارنيجي للسلام الدولي "الاردن سيستمر في الشعور بانه نجح في ركوب موجة التحولات العربية دون أن يعالج بجدية بعض التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد"، واضاف "ومن المرجح بدرجة كبيرة أن تفلت المملكة بذلك على الاقل في الوقت الراهن."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الثاني/2014 - 27/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م