من يفاوض من في جنيف 2

كتب: عريب الرنتاوي

 

لم نأخذ على محمل الجد، حكاية "الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري"، فالائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، أخفق في توفير مظلة جامعة للمعارضات السورية على تعددها، ووفده إلى جنيف 2" لا يمثل أزيد من 45 بالمائة من قوى الائتلاف، بعد أن انسحبت منه 67 شخصية سورية معارضة، بعضها لصراع على السلطة (44 عضو محسوبين على دولة خليجية صغيرة) وبعضها الآخر، لأسباب سياسية تتصل أساساً بالموقف من المؤتمر المذكور (23 عضواً) هم كامل حصة المجلس الوطني السوري المعارض، أما إخوان سوريا المسلمون، فقد تموضعوا في الخانتين، لهم حصة مع المقاطعين للمؤتمر ولهم حصة مع المشاركين فيه.

في المعلومات المتوافرة عن مجريات مونترو و"جنيف 2"، أن الوفد التفاوضي، كاد ينشق على نفسه حين غادره رئيسه أحمد الجربا، حول من سيقود وفد الائتلاف إلى المفاوضات قبالة وفد النظام، وكانت التسوية باختيار هادي البحرة رئيساً، وهو ما حدا بكل "كبار" الوفد السوري المفاوض للاستنكاف عن المشاركة في مفاوضات الغرفة الواحدة والغرفتين المنفصلتين تاركين رئاسة الوفد الحكومة لسفير سوريا في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، وهو أمر أضعف من مستوى وسوية المحادثات.

وفي المعلومات أيضاَ أن السفير الأمريكي إلى سوريا روبرت فورد، وعدد من سفراء مجموعة "أصدقاء سوريا"، يتابعون عن كثب شؤون المفاوضات، ويتولون بأنفسهم إدارة الوفد السوري المعارض، بل ويتحكمون بقراراته وأولوياته، فبعد حديث الجربا عن مهمة المؤتمر الوحيدة: نقل السلطة، رأينا المفاوضات تنتقل إلى حمص والسجناء والمساعدات الإنسانية، بخلاف ما كان يرفضه الوفد، ودائماً بطلب من واشنطن وتوجيه من سفيرها، وكان حريٌ بهؤلاء أن يجلسوا على المائدة مباشرة قبالة وفد النظام، بدل إدارة المفاوضات من خلف ستار.

الائتلاف في الأصل، إطار مصطنع، أنشأته وتحكمت بموازين القوى في داخله، واتخذت قراراته نيابة عنه، حفنة من الدول المؤثر والوازنة عربياً وإقليمياً ودوليا: وهنا نتحدث بالحصر عن دولتين عربيتين اثنتين، ودولة إقليمية واحدة (تركيا) فضلاَ عن فرنسا والولايات المتحدة، ومن يدقق في أسماء أعضاء الائتلاف، وعمليات الصراع على هيئاته القيادية وانتخاباته الداخلية، يستطيع أن يلحظ حجم ووزن كل دولة من هذه الدول في تركيبة الائتلاف وآليات صنع القرار ورسم السياسة فيه.

وثمة طيف واسع من المعارضات السورية، لم يجلس على مائد "جنيف 2"، وكثير من هذه المعارضات، له حجم ووزن وتمثيل، يعادل الائتلاف أو يزيد عنه، لكن الإرادة الإقليمية والدولية، تريد حصر تمثيل المعارضة بالائتلاف، للأسباب المعروفة، والتي تتجلى أساساً في سعيها لفرض نفوذها في النظام السياسي السوري الجديد، خدمة لأجندات إقليمية من جهة وطمعاً في مد النفوذ والسيطرة على مقدرات سوريا الظاهرة والكامنة من جهة ثانية.

والمضحك/المبكي، أن الوفد عدم التمثيل والنفوذ والصلاحيات، مطلوب منه إتمام تسويات وترتيبات، تتصل بوقف إطلاق نار وهو لا يمتلك نفوذا على المقاتلين، وإطلاح سراح المعتقلين وليس لديه فكرة كافية عنهم، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وهو يتصرف بمنطق عدائي لسوريين تحت الحصار في عدة مناطق محسوبة على النظام من وجهة نظر الفريق المفاوض، والتأسيس لنظام سياسي يجمع السوريين جميعاً، وهو الأعجز عن حفظ مكوناته، دع عنك تمثيل بقية ألوان الطيف السوري المعارض، في تذكير لنا جميعاً بأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وبقليل من المصارحة نختتم، أن وفداً وائتلافاً يخضع لكل هذه التجاذبات والإملاءات، فاقد لقراره وإرادته، لا يمكن أن يكون مؤهلاً لقيادة سوريا، وصوغ مرحلة انتقال نحو ضفاف الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الثاني/2014 - 27/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م