الإعلام العراقي دوره في بناء الروح الايجابية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: يتفق جميع اصحاب المهنة وحملة الفكر والقلم، على أن الاعلام، يعد عاملا اساس في بناء الثقافة وترسيخ القناعات ونشر المفاهيم والقيم، بما يؤسس لحالة معينة في الشارع العام. بيد ان الاختلاف والتقاطع يقع عند تحديد هوية هذه الثقافة وتلك القناعات والمفاهيم. وكما هو معروف لدينا، أن الاعلامي أو الكاتب الناجح، ذلك الذي يجيب بدايةً على السؤال التالي: "ماذا أريد تقديمه.."؟. قبل الاجابة على "كيف أقدم.."؟

وعندما نقول أن المجتمع العراقي بلغ مرحلة جيدة من النضج السياسي والثقافي خلال العشر سنوات الماضية، فانه تبعاً لذلك سيكون حساساً أزاء ما يُنشر ويقال في وسائل الاعلام، ويبحث قبل كل شيء عن إجابة للسؤال الاول، ويخاطب الوسيلة الاعلامية، سواءً القناة الفضائية او الموقع الالكتروني او الصحافة الورقية، عن الغاية من وراء نشر هذا الخبر والكشف عن تلك الحقيقة والمعلومة وتجاهل غيرها.

الاجابة على السؤال يكتسب اهمية قصوى، نظراً الى ان العراق، ما يزال يعيش مخاضات عديدة في الأمن والسياسة والاقتصاد، فالانسان العراقي الذي يتطلع اليوم نحو التطور والنمو ومواكبة المستجدات في العالم، بحاجة الى الروح الايجابية والبناءة التي تساعده على المضي في هذا الطريق، بحيث يتعزز لديه الاعتقاد بأن ما يقوم به ربما يكون ذو فائدة وجدوائية، وأن ما يفكر به ربما يكون الى صواب. وهنا تتحدد مهمة ودور الاعلام العراقي، طبعاً؛ هناك من يتحدث عن مسألة تابعية وسائل الاعلام الى جهات وانتماءات ومدارس فكرية وثقافية وحتى ميول سياسية، وهذا أمراً يعد من بديهيات الاعلام، وإلا لما وصف بانه "وسيلة". فاذا كانت لدينا صحافة حزبية أو سياسية أو نقابية او طلابية او غيرها، فهذا دليل صحة لا سقم في الساحة الثقافية، لان الصحافة في الدولة المتحضرة، ليس فقط تنشر الفكرة والثقافة، إنما تنشر الأذواق والمشاعر والاحاسيس، من خلال صحافة الطفل او الأزياء أو الصحة او الاسرة وغير ذلك كثير من الامثلة على التخصص والتنوع الكبير في فنون التحرير الصحفي.

لمن يتابع النشاط الاعلامي في العراق يلاحظ عدة عوامل تحول دون نجاحه في هذه المهمة، رغم الحديث الطويل والعريض عن المشاركة في إعادة الإعمار والبناء الإنساني:

أولاً: التسييس

يبدو واضحاً ان الاعلام العراقي يعيش تحت وطأة الاجواء السياسية المشحونة بالتجاذبات والتقاطعات وحتى الصراعات العنيفة، والهدف هو تحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية على صعيد السلطة التشريعية (مجلس النواب) او السلطة التنفيذية ( الحكومة)، وسائر مؤسسات الدولة من قضاء وأمن وخدمات وغيرها. وهذا يجعله بعيداً عن ضمير الناس وارض الواقع، وقريباً جداً من السياسي؛ ممثلاً في "المحافظ" أو "الوزير" او "النائب" أو "المدير" أو غيره. والقرب هنا لا نعني لا ينصرف دائماً الى الجانب الايجابي الداعم، إنما يشمل ايضاً الجانب الآخر. فاذا كان هنالك استعداد وأرضية لمتابعة أخبار المسؤول الحكومي او الأمني، وتسليط الضوء على القضايا السياسية وحسب، فهذا يعني استهلاك واضح للجهد الذهني والعضلي في آن، بما يحرم الشارع العام، من أي ضوء او حتى ومضة تصله من اعلامي او صحفي ينقل حاجاته ومعاناته، او يناقش قضاياه، إن حالة التطور والنمو، أو حالة التدهور والتسافل، والبحث عن الطرق الكفيلة للخروج من مستنقع الازمات والمشاكل.

من هنا نجد الاعلامي العراقي معروفاً وصديقاً في الدوائر الحكومية وعند مكاتب المسؤولين وضباط الجيش والأمن، إلا انه مجهول الى - حدٍ ما- في الاسواق والمدارس والمعامل والمزارع، وإن كان، فانه مطلوب مع كاميرته ليوصل صوت الناس الى المسؤول بشكل أسرع فقط، في حين يختزن الواقع العراقي حالياً الكثير الكثير من القضايا التي من شأن طرحها وتسليط الضوء عليها، تحويلها من مشكلة ومعضلة، الى مشروع عمل او تكون نافذة نحو حل مشاكل عديدة، لاسيما في قضايا التربية المدرسية والمناهج وأشكال التعامل والسلوك الموجود لدى الطلبة والكادر التدريسي. وايضاً مثال تخلّي شريحة كبيرة من الفلاحين عن اراضيهم الزراعية واستبدالها بالنقود او الاستثمار بالبناء وما يدر عليه ارباحاً اكثر من التعب والنصب على محصول ضئيل يتسبب في الخسارة.

وهنا لابد من التذكير إن الاهتمام المبالغ فيه لدى البعض في الشأن السياسي، لن يفضي في معظم الاحوال، الى حلول استنتاجات مفيدة للقارئ والمتابع، لأن ببساطة، الصحفي والاعلامي، في هذا المضمار ليس سوى مرآة تعكس الواقع، وربما هذا ما يروق لهذا البعض، ويكون مدعاة للفخر بأنه يعكس الحقائق والوقائع، في حين ان الامر لن يعدو كونه تحصيل حاصل. وتبقى المعضلة السياسية في العراق على حالها، مثال "المحاصصة الطائفية"، أو "الفساد الاداري" أو ظاهرة العنف وغيرها. وهذا بدوره عمّق الفجوة الموجودة بين المجتمع وبين الاعلام كرسالة حضارية، ولا يعرف الناس عن الاعلام اليوم، سوى انه أدوات بيد جهات سياسية او تيارات ثقافية فهي ينفذ ما يلى عليه.

العقبة الثانية: الذاتية

ما يثير التساؤل حقاً؛ انه وبعد مرور كل هذه السنوات من التجربة الاعلامية في ظل النظام الديمقراطي، ما يزال بعض الاعلاميين يبحثون عن حريتهم، ويطالبون المؤسسات الامنية والدوائر الحكومية بتسهيل أمر دخولهم وخروجهم وتحركاتهم لاعداد المواد الاعلامية المطلوبة، بيد ان المطلوب في الوقت الحاضر التفكير في تفعيل مواد قانون "حماية الصحفيين" الذي أقره مجلس النواب عام 2011. وهنالك خشية واضحة وهم كبير يظهر بين فترة واخرى على فلتات لسان الصحفيين او على وسائل الاعلام، من عدم تحقيق آمالهم وطموحاتهم المهنية، او حقوقهم المدنية مثل التقاعد والسكن والامتيازات الاخرى، مما يجعل الاعلامي في نظر الناس والمجتمع، جزءاً آخراً من مشاكله وهمومه، وليس عامل حل وبناء.

وحتى لانجانب الحقيقة؛ فان العراق في المرحلة الراهنة، يوفر اكبر مساحة من الحرية للصحافة والاعلام بين سائر دول المنطقة، ولا أدلّ على ذلك، من الكم الهائل من الاصدارات الورقية والمواقع الخبرية على النت، وظهور مؤسسات واتحادات مهنية، وما تبع ذلك من انخراط اعداد كبيرة من الطامحين الى جبهة الاعلام والصحافة، حتى فاق عدد المنتسبين في نقابة الصحفيين في العراق عدد (16 ألف) صحفي واعلامي يحمل بطاقة العضوية، وربما هنالك الكثير ممن يمارسون المهنة ولا يحملون البطاقة، وهذا رقم كبير جداً في بلد عاش ردحاً طويلاً من الزمن تحت ظل نظام ديكتاتوري مستبد، كاتم للأصوات والآراء.

العقبة الثالثة: الكسب السريع

ربما يتصور الكثير من زملاء المهنة، أن الوصول السريع الى المتلقي، تشبه وصولهم السريع الى المعلومة بفضل تقنية الاتصالات الحديثة، وربما يكون هذا ناشئ من الاندماج الزائد في عالم السرعة والحياة الرقمية، بيد الحقائق على الارض تتطلب منّا النظر الى المتلقي والمخاطب بشكل آخر، اكثر دقة وموضوعية، فالاثارة لن تكون كل شيء للانسان العراقي الذي يعيش بالأساس حالة الاثارة في حياته قبل أن تضاف اليه اثارات على صفحات الجرائد ومواقع النت او على القنوات الفضائية.

وينطلق معظم الصحفيين من القاعدة التي تُدرس في المراكز الاكاديمية، والقائلة ان الخبر الناجح والمثير ليس "كلباً عضّ رجلاً، إنما رجلٌ عضّ كلباً"..! هذا النوع من الاثارة تستتبع مضاعفات وتداعيات عديدة في واقع الانسان، فاذا كانت الإثارة الاعلامية ذات طابع سلبي وتحريضي، فانها بالقطع ستترك اثرها السلبي على حياة الانسان. وما تبحث عنه معظم وسائل الاعلام العراقية، وفق القاعدة المذكورة، هو أي شيء خارج عن المألوف، مثل أن يكون مسؤولاً كبيراً في الدولة في عداد اللصوص، أو ان يكون شرطياً أو مسؤولاً في الأمن متورطاً في جرائم واعمال ارهابية. هذا اضافة الى الحوادث المتعلقة بمسائل الجنس.

هذا النوع من التوجه يتعارض تماماً من روحية العمل على البناء والإصلاح، ويبعث عن الإحباط والخيبة والشعور بالهزيمة النفسية لدى الانسان العراقي، والأخطر من كل ذلك، يفقد الأمل بمستقبل أفضل، وبكل من يتحدث عن الايجابيات والانجازات، لانه سيرى انها تستبطن المصالح والغايات الخاصة، قبل ان تكون في مصلحته ومصلحة البلد.

وهنالك امثلة يمكن ملاحظتها من المتابعة اليومية لوسائل الاعلام، لاسيما القنوات الفضائية ومواقع النت. حيث نرى العجيب والغريب من الفضائح ونشر الغسيل لهذا المسؤول وذاك، بداعي الكشف عن الحقائق للجمهور.

صحيح؛ ان واقع العراق يعجّ بالفساد الاداري والانحرافات في الأداء السياسي والسلوك الاجتماعي، بيد إن الصحيح ايضاً حاجة العراق والعراقيين الى ثقافة البناء والإصلاح، وهذا بدوره يستتبع الحاجة الى نشر المفاهيم والقيم الايجابية مثل التعاون والتكافل والشعور بالمسؤولية، وهذا لن يتحقق بملصقات او برامج دعائية واعلانية تقيمها بعض وسائل الاعلام لتحسين صورة الاعلام العراقي واخراجه من الحالة السلبية. من قبيل الحثّ على النظافة والتزام قوانين المرور والترشيد وغيرها، مستخدمين الشاشة الصغيرة، إنما تكون من خلال عملية تثقيف مستمرة تنطلق من اهداف محددة لإعلام ملتزم ذو رسالة واضحة يؤمن بها الجمهور، كما يؤمن بها الاعلامي نفسه، وعندها تتم اللحمة بين الاعلام والمتلقي، وبين الكاتب والقارئ، وتجد الجماهير نفسها وطموحاتها وهمومها في البرامج التلفزيونية وفي تحرير الاخبار والتقارير وفي المقالات المنشورة على مختلف وسائل الاعلام.

ويجب أن نتذكر دائماً إن فرص الحديث عن المسائل الايجابية كثيرة وعديدة في العراق، حيث العقول والأدمغة المبدعة، والأيدي العاملة والثروات الطبيعية والتراث الديني الضخم، لكن دخان القنابل وأصوات أزيز الرصاص وضجيج السياسة والبحث عن الامتيازات والمكاسب والمصالح الضيقة، هو الذي حجب كل هذه النقاط المضيئة عن العراق والعالم بأسره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/كانون الثاني/2014 - 26/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م