دولة القمع التي يكرسها النظام الجديد في مصر

علاء بيومي

 

لست في حاجة لأن تصدقني، فقط اطلع على تقرير منظمة العفو الدولية الصادر منذ أيام عن أوضاع حقوق الانسان في مصر بمناسبة مرور ثلاثة سنوات على الثورة المصرية.

التقرير الواقع في 40 صفحة من القطع الكبير اختار له مؤلفوه بعناية عنوان "خريطة طريق القمع" لكي يوجهوا للسلطات الراهنة في مصر رسالتين، أولهما أن خارطة الطريق التي اقترحوها في 3 يوليو الماضي للتحول الديمقراطية تحولت لخريطة طريق للقمع وانتهاك حقوق الانسان وإهدار كل القيم التي قامت الثورة من أجلها.

أما الرسالة الثانية أو الوجه الأخر للصورة فهو أن السلطات تكرس ما يمكن تسميته بدولة "القمع" وهي دولة قائمة على أذرع ثلاث كما سماهم التقرير، وهي القوانين المجحفة بالحقوق والحريات والمؤسسات الأمنية التي لا تخضع لأي رقابة سياسية والقضاء المتواطئ من انتهاكات الانتظام، وهي معا تمثل الأعمدة الرئيسية لتطبيق القانون في أي مجتمع، ولكنها للأسف تحولت في ظل الانقلاب لأدوات قمعية، ومع اجتماعهم معا تصبح فرص الحياة الديمقراطية الكريمة صعبة للغاية.

(1) قوانين القمع

التقرير يقول أن القوانين التي تقرها الحكومة الانتقالية تعاني من مشكلتين على الأقل، أولهما أنها قمعية، يعني لا تراعي حقوق وحريات الناس، فالسلطات مثلا تقر قانون للتظاهر يعطي لوزارة الداخلية حق الموافقة على المظاهرات التي تخرج بالأساس اعتراضا على قمعها، وتعطي للداخلية الحق في مزيد من القمع، مع أن القوانين الدولية تحصر دور الداخلية في حماية المظاهرات وعدم التعرض لها إلا في أضيق الحدود وبما يضمن سلامة المتظاهرين بالأساس.

أما العيب الثاني في القوانين الصادرة من السلطات الانقلابية، فهي أنها تعطي الأولوية للقمع كذلك، فأولوية الحكومة الانقلابية تكمن في الحد من التظاهر، وفي الحد من حرية المنظمات الأهلية، ولكنها مثلا لا ترى أن العدالة الانتقالية أولوية، حتى أن التقرير يقول أن وزير العدالة الانتقالية المعين من الانقلاب أضطر "العمل لشهور تقريبا بدون أي تفويض واضح، مكتب مخصص، موظفون أو موارد أخرى".

يعني رفضوا حتى أن يعطوا للوزير مكاتب وموظفين وليس صلاحيات فقط، حتى أن الرجل نفسه خرج منذ أسابيع يقول أن العدالة الانتقالية ليست أولوية في الوقت الراهن.

مثال أخر على إهدار قيمة القانون هو إعلان الاخوان جماعية إرهابية، حيث يقول التقرير:

"تخشى العفو الدولية من أن قرار (إعلان الاخوان منظمة إرهابية) مدفوع بدوافع سياسية بهدف الموافقة على مزيد من القمع في حق الاخوان، حيث فشلت السلطات في تقديم أي دليل قائم على حقائق يربط بين الاخوان المسلمين وأي هجوم إرهابي وقع منذ 3 يوليو 2013.

مفوض الأمم المتحدة لحماية حقوق الانسان يؤكد أنه في حالة مواجهة الارهاب لا يجب منع جماعة بحجة كونها إرهابية إلا إذا أقرت بوضوح في وثائقها التأسيسية أنها تنوي استخدام وسائل إرهابية لتحقيق أهدافها، وفيما عدا ذلك لا يمكن حظرها إلا بناء على دليل على أنشطتها قائم على الحقائق ولا يجب أن يصدر قرار الحظر إلا من خلال هيئة قضائية مستقلة مع السماح دوما باستئناف قرار الحظر أمام هيئة قضائية."

وهذا يكشف بوضوح أن حكومة الانقلاب الشرعية لم تراع المعايير القانونية الدولية في إعلانها المسيس لأنه لا يقوم على أدلة من ناحية وليس صادرا من هيئة قضائية من ناحية أخرى، ومع ذلك يستمر العمل به إهدارا لمعنى القانون.

(2) سلطات أمن فوق المحاسبة

الضلع الثاني في مثلث دولة القمع بمصر حاليا هو قوات الأمن التي تعمل في حصانة شبه تامة عن أي محاسبة سياسية أو قانونية.

فالقوات المسلحة التي ارتكبت بعض عناصرها انتهاكات واضحة في حقوق الثوار منذ ثورة يناير 2011 لم تحاسب حتى الآن والدستور الجديد (ديسمبر 2013) يعطيها حصانة من القضاء المدني، إذا يجعل القضاء العسكري الرقيب الوحيد عليها، وهنا يذكر التقرير:

"الدستور الذي تم تبنيه حديثا في مصر يرسخ حصانة الجيش فيما يتعلق بأي انتهاكات لحقوق الانسان يرتكبها، وذلك من خلال منح المحاكم العسكرية سلطة قضائية مستمرة على القضايا الجرائم المتصلة القوات المسلحة"

أما عناصر الشرطة فلا تحاسب، وتقدر العفو الدولية عدد الذين قتلوا منذ الثورة بحوالي 1400 مصري، ناهيك عن عدد سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين الذين يقدر بالآلاف وتقارير عن حوادث تعذيب ومعاملة سيئة للمعتقلين ... ألخ.

كل هذا والشرطة لا تحاسب، ويقول التقرير أن كل الانتهاكات التي قامت بها الشرطة منذ 3 يوليو لم تؤدي إلى توجيه اتهام قانوني لأربعة من عناصرها في حادثة اعتداء على معتقلين في سيارة ترحيلات لسجن أبو زعبل مما أدى لمقتل 37 شخصا، ويتم أيضا التحقيق مع عنصرين أخرين للشرطة بسبب اتهامات متعلقة بحقوق الانسان والتعذيب.

الأدهى من ذلك وأمر أن السلطات أعطت للشرطة صلاحيات إضافية من خلال قانون التظاهر رغم أن المشكلة الأساسية والتي تعاني منها مصر قبل وبعد الثوري هي في عجز الشرطة المستمر عن الالتزام بمعايير الحقوق والحريات في عملها.

(3) القضاء المتواطئ

كل هذا يحدث والنظام القضائي لا يتحرك لمساعدة المتضررين من متظاهرين سلميين وضحايا للقمع، بل على العكس ترى العفو الدولية أن القضاء يوفر الضلع الثالث للقمع في مصر، فالسجون مليئة بالمعتقلين السياسيين، والقضايا يتم تحريكها ضدهم بسرعة كبيرة حيث تلحق لها عقوبات ضخمة بسبب أفعال ترتبط في أحيان كثيرة بالتعبير السلمي عن الرأي، في حين أن الأصل هو الافراج عنهم كمتعقلين سياسيين، في الوقت نفسه يترك عناصر الأمن والضالعين في انتهاكات بلا أدنى محاسبة.

بل أن القضاء بات يستهدف بعض المعارضين بتهم كإهانة القضاء، حيث يستخدم التقرير مصطلح "التحرش القضائي" لوصف الملاحقة القضائية لبعض قادة الرأي والعمل السياسي المعارضين للانقلاب، ويقول أن هدفه إثبات عزم السلطات على قمع أي معارضة لهم بغض النظر عن خلفيتها السياسية

أضف إلى ذلك عدم وقوف القضاء لحماية حقوق المعتقلين، حيث يوضح التقرير حجم المأساة القائمة في المعتقلات، حيث يتم إلقاء المعارضين والتظاهرين وربما بعض المارة في السجون ويتم تجديد الحبس الاحتياطي، ليمكثوا في المعتقلات فترات طويلة دون أدنى أدلة تثبت تورطهم في جرائم وبلا تهم واضحة، حيث تقول المنظمة أن كثير من التهم الفضفاضة التي توجه للمعتقلين السياسيين في مصر لا ترقى لتعريفات القوانين الجنائية الدولية، وبعض الاعتقال يخضعون لظروف سجن غير إنسانية، ويحرمون من حقوقهم القانونية، فالنيابة تذهب للتحقيق مع المعتقلين داخل معتقلاتهم نفسها وفي غياب المحامين، ويتم تحدد مواعيد جزافيه للمحكمات في غياب المحامين.

الخلاصة

خلاصات عديدة يمكن أن نخرج بها من التقرير.

أولا: هذا رأي خبراء الحقوق والحريات الدوليين، وهو حجة قوية في وجه داعمي الانقلاب، تثبت بالأدلة وبالقوانين الدولية ومعايير حقوق الانسان أن الانقلاب قمعي ظالم ويسير بمصر نحو القمع رغم ادعاءاته زائفة.

ثانيا: أننا أمام دولة قمع متكاملة الاركان يلعب فيه الجاني دور القاضي والمشرع والشرطي، فيخنق ضحيته ويهدم معنى العدل والدولة.

ثالثا: أن مؤسسات الدولة المنوطة مهمة تطبيق القانون تبدو المنتهك الأول للقانون مهدرة معنى القانون والدولة من أساسيهما.

رابعا وأخيرا، أن مصر لا تستحق ذلك، والثورة المصرية ومن سقطوا من أجلها شهداء لا يستحقون ذلك، ومسار السلطات الراهنة في مصر يعاند كل هؤلاء ولا يبالي بدفع مصر مجددا نحو دولة القمع السياسي والصدام والفشل.

والله أعلم، ما رأيكم!؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الثاني/2014 - 25/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م