شبكة النبأ: بشتى الطرق حاول النشطاء
اقناع الناخبين بإعادة نشاط توزيع الكهرباء إلى أيدي أجهزة الدولة
فطبعوا المنشورات وعلقوا الملصقات بل وأنتجوا فيلما بالرسوم المتحركة
لدب وهو يفصل الكهرباء عن شركة فاتنفول السويدية التي تدير شبكة
الكهرباء في برلين.
فشل الاستفتاء الذي أجري في برلين خلال نوفمبر تشرين الثاني. إلا أن
مواطنى هامبورج ثاني أكبر مدن ألمانيا وافقوا في سبتمبر ايلول الماضي
على إعادة شبكة الكهرباء التي تديرها فاتنفول أيضا للملكية العامة،
ونظم الاستفتاءين جماعات لحماية حقوق المواطنين تريد من السلطات
البلدية إعادة شراء شبكات توزيع الكهرباء من شركات المرافق الخاصة لأن
السلطات المحلية يمكنها تقديم خدمة أفضل بأسعار أقل.
وكانت هذه الحركة الألمانية جزءا من تحول مغاير في الاتجاهات في كل
أنحاء أوروبا عن الخصخصة التي كانت المحرك الرئيسي لسياسات قطاع الطاقة
في السنوات السابقة، وتعمد كثير من الحكومات الأوروبية إلى الضغط على
شركات المرافق بالتدخل في أنشطة توليد الكهرباء وفي الوقت نفسه تفرض
حدودا قصوى لأسعار الطاقة رغم أنها تتخذ في الظاهر مواقف مؤيدة لحرية
أسواق الطاقة. وتقلص موجة العودة للتأميم هذه أرباح شركات المرافق
بمليارات الدولارات. بحسب رويترز.
وكانت الفكرة وراء حركة تحرير أسواق الطاقة في الاتحاد الاوروبي أن
تكون قوة دافعة للشركات الاحتكارية القديمة من أجل التنافس بما يؤدي
إلى انخفاض الأسعار وتحسين الخدمات، وسعت الدول لخصخصة المرافق وقسمتها
إلى شركات خاصة منتجة للكهرباء وشركات توزيع للكهرباء مستقلة لكنها
خاضعة في الوقت نفسه للتنظيم الحكومي. بل فتح مجال التجزئة في نشاط
الطاقة أمام الشركات للتنافس على الاشتراكات المنزلية، إلا أنه مع خلق
سوق حرة لتوليد الكهرباء عادت أوروبا لفرض القيود التنظيمية بتشجيع
توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية وبتقديم دعم سخي من الدولة.
ومع ازدهار قطاع الطاقة المتجددة أدى منحه الأولوية إلى خروج محطات
تقليدية من الخدمة إلى الحد الذي أصبح معه توليد الكهرباء بالغاز غير
اقتصادي في أوروبا، واكتشفت شركات المرافق أن اسعار البيع بالتجزئة
أصبحت خاضعة للتنظيم الحكومي بعد أن وجدت أن خياراتها الاستثمارية في
توليد الكهرباء مقيدة بالسياسات الحكومية. وتقيد أسبانيا وفرنسا أسعار
الطاقة للمستهلكين في حين تقدم ألمانيا تخفيضات كبيرة للصناعة.
لكن ليس من الممكن الابقاء على انخفاض الأسعار للمستهلكين والصناعة
وفي الوقت نفسه الحفاظ على الامتيازات المخصصة لتوليد الكهرباء من
مصادر متجددة والحفاظ على أمن الامدادات.
ويقول منتقدون إن اللوائح المنظمة لقطاع الطاقة في أوروبا أصبحت
متباينة لدرجة تجعل من الصعب على الشركات الخاصة العمل بما يحقق لها
الربح. وقد توقف تماما بالفعل الاستثمار في عمليات توليد الكهرباء غير
المدعومة.
وقال جورج زاكمان من مؤسسة بروجيل للابحاث "في إحدى المراحل تسوء
المخاطر التنظيمية لدرجة يصبح معها من الأفضل إعادة المخاطر السياسية
لواضعي السياسات وذلك بإعادة تأميم القطاع"، وأسبانيا من الدول التي
أوشكت على الوصول لهذه المرحلة حيث أدى الدعم السخى لقطاع الطاقة
المتجددة والحدود القصوى المفروضة على أسعار الطاقة إلى تراكم عجز يبلغ
30 مليار يورو يمثل الفرق بين كلفة انتاج الطاقة والسعر الذي يسمح
لشركات المرافق بيعها به، وفي الشهر الماضي ألغت الحكومة الاسبانية
خططا لخفض العجز باشراك شركات المرافق والمستهلكين والدولة في تحمله
وأعادته إلى القوائم المالية لشركات المرافق مثل ايبردرولا وانديسا
وجاس ناتورال التي ستضطر للاحتفاظ به لمدة 15 عاما، ويمثل هذا بالنسبة
للشركات الاسبانية تأميما لأرباحها.
فقد قال اجناسيو جالان الرئيس التنفيذي لشركة ايبردرولا "إنهم
يعيدون تأميم ايراداتنا دون أصولنا. وهذا أسوأ"، وقال وزير الصناعة
الاسباني خوسيه مانويل سوريا لرويترز في نوفمبر تشرين الثاني إنه لا
يعتقد أنه يجب تأميم شركات المرافق وأن من الافضل للمستهلكين وجود
تنافس أكبر في السوق، لكن أسبانيا قد تكون مثالا للاتجاه الذي تسير فيه
دول أخرى مع تزايد عدد الحكومات الأوروبية التي تملي الخيارات
الاستثمارية من خلال الدعم وفرض القيود التنظيمية على الأسعار.
ويبدو أن بريطانيا مهد حركة الخصخصة والتحرير لقطاع الطاقة في
أوروبا غير مرشحة لقيادة هذا الاتجاه. إذ أن خطة اصلاح سوق الكهرباء
التي ستسري هذا العام ستتيح ضمانات لاسعار الطاقة من المصادر التي
تتميز بانخفاض نسبة الكربون الناتج عن التوليد، وستحدد الخطة
البريطانية أيضا محطات التوليد التي ستحصل على أموال عامة لكي تكون
وحدات احتياطية لتوليد الكهرباء.
وفي أكتوبر تشرين الاول وافقت بريطانيا على تقديم ضمانات قروض غير
مسبوقة وضمان أسعار الكهرباء لمدة 35 عاما في صفقة مع شركة إي.دي.إف
الفرنسية لبناء محطة نووية لتوليد الكهرباء في هينكلي بوينت، ويمثل هذا
تحولا بعد أكثر من عشر سنوات من عدم التدخل في توليد الكهرباء ويحول
انتاج الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون لا سيما الرياح والطاقة
النووية إلى نشاط خاضع للتنظيم الحكومي، بل إن زعيم المعارضة البريطاني
إد ميليباند وعد بمزيد من القيود في سبتمبر ايلول الماضي بقوله إنه
سيجمد أسعار الطاقة للمستهلك لمدة 20 شهرا إذا انتخب في عام 2015.
وتشهد المجر أبرز حملات العودة للتأميم في أوروبا حيث تريد الحكومة
تحويل المرافق إلى مؤسسات لا تهدف للربح، ويريد رئيس الوزراء فيكتور
أوربان تأميم ست أو سبع من شركات المرافق وإذا أعيد انتخابه خلال فصل
الربيع المقبل فإنه يعتزم جعلها مملوكة للتجمعات السكنية في غضون عام
أو عامين.
وأغلب قطاع الطاقة في المجر مملوك لمؤسسات أجنبية خاصة لشركات
المانية وفرنسية وايطالية، وفي العام الماضي اشترت شركة الطاقة
المملوكة للدولة إم في إم أنشطة تجارة الغاز وتخزينه التابعة لشركة إي.
أون الالمانية كما أنها تجري مباحثات مع شركة آر.دبليو.إي الالمانية
لشراء حصتها في شركة فوجاز زرت للغاز في بودابست، ولا تصادر المجر
الشركات المملوكة لمؤسسات خارجية بل تسدد ثمن أصولها رغم أن ذلك يتم
بأسعار يحد منها القيود الشديدة وسقوف الاسعار التي تفرضها الدولة.
وبلغ الامر بمارتن هيرمان رئيس شركة آر.دبليو.إي ايست ان قال إن
خطوات المجر غير مقبولة وإن الامر يرقى إلى "المصادرة".
أما التحرك الالماني لتمليك شبكات الكهرباء المحلية للوحدات البلدية
فهين نسبيا لانه يسمح للمرافق ببيع أصولها بأسعار السوق واعادة توزيع
رأس المال، ويعتقد ستيفان تاشنر رئيس جماعة برجربجيرن كليماشوتز التي
أدارت حملة الاستفتاء في برلين إنه يجب أن تكون كل شبكات توزيع
الكهرباء في أيدي الوحدات البلدية رغم أنه لا يمانع أن تكون ملكية
وحدات توليد الكهرباء مزيجا من العامة والخاصة.
وبعد خسارة الاستفتاء في برلين تعمل هذه الجماعة على مساعدة
المواطنين في مدن مثل ايسن وكارلسروهه على انتزاع ملكية شبكات التوزيع
من أيدي الشركات الخاصة، وقال يوهانس تيسن الرئيس التنفيذي لشركة إي.
أون لرويترز "أمضيت في هذه الصناعة 25 عاما وشهدت مدنا تتحول ثلاث مرات
للملكية الخاصة وثلاث مرات للملكية العامة ولذلك لن أبالغ في تفسير ما
يجري الان"، وأضاف ان ضغوط التكلفة ستظل واحدة في ظل الملكية العامة أو
الخاصة، وتيسن واحد من أعضاء جماعة ماجريت لرؤساء شركات المرافق التي
تمثل نصف طاقة توليد الكهرباء في أوروبا. وتقول هذه الجماعة إن سياسة
الطاقة الأوروبية فاشلة وإن أسعار التجزئة بلغت أعلى مستوياتها وتراجع
أمن الامدادات وتوقف الاستثمار.
وتريد الجماعة وضع نهاية لدعم مصادر الطاقة المتجددة التي ترسخت مثل
طاقة الرياح والشمس، وفي الواقع فإن اثنين من مقترحات هذه الجماعة
يتمثلان في تدعيم سوق الكربون الاوروبية ووضع ارشادات أوروبية لاليات
إعادة تقييم الطاقة يفتحان الباب أمام مزيد من التنظيم الحكومي وتعزيز
دور الدولة في سياسات قطاع الطاقة.
وتعد اليات تقييم الطاقة التي تحصل بمقتضاها شركات المرافق على
مستحقاتها بل وتضطر أحيانا من خلالها لوقف محطاتها عن العمل أحدث تطور
في مجال التنظيم الحكومي للقطاع في الاتحاد الاوروبي، وقال ديرك أوفر
الشريك بشركة هنجلر مولر الالمانية للاستشارات القانونية إنه لم يعد
بوسع شركات المرافق فصل محطات توليد عن الشبكة لاسباب اقتصادية لان
بوسع شركات التوزيع والهيئات التنظيمية أن تأمرها بمواصلة تشغيل
المحطات مقابل تعويضات مادية، وأضاف "لقد وصلنا إلى اقتصاد موجه". |