ضحايا الإرهاب الطائفي.. مدنيون تحت الطلب السياسي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في كل ساحة صراع ومواجهة هنالك ثغرات وحلقات ضعف يبحث عنها الخصم لاختراقها وتسجيل انتصارات ومكاسب من خلالها. وهذا ما نلاحظه في الحرب الطائفية المفروضة على الشيعة في غير بلد اسلامي وعربي، حيث ان جرائم القتل الجماعي بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، او التصفيات الجسدية لأشخاص معينين، فضلاً عن عمليات التشريد والاختطاف والابتزاز وغيرها من الممارسات الإرهابية، تُرتكب من قبل جماعات طائفية تدّعي اتباع "السلف الصالح"، وتحمل اسماء متعددة، مع وحدة الشعار، وهو التطرف والعنف والتكفير، و وحدة الهدف، وهو إخضاع الجميع لأفكارهم وعقائدهم.

السؤال هنا: لماذا يكون الناس العاديون من الشيعة في هذه الساحة، ابتداءً من باكستان وأفغانستان ومروراً بالعراق والخليج وحتى سوريا ولبنان، بل وحتى مصر ومناطق اخرى، هم الحلقة الأضعف في هذه المواجهة، وهم الذين تستهدفهم يد الإجرام الطائفي، فنرى الاطفال والنساء والرجال الكسبة في الاسواق والمناطق العامة، يتحولون في لحظات الى أشلاء متناثرة في مناظر مريعة لا انسانية؟.

طبعاً؛ السؤال لا نوجهه الى الارهابيين والطائفيين الذين يلجأون الى خيار العنف والدموية للحوار والتعاطي مع الآخر. لأن نزعة العنف والارهاب لدى هؤلاء ذات جذور تاريخية قديمة، إنما الحديث مع النخبة المثقفة والشريحة الواعية التي تأخذ على عاتقها تمثيل الشيعة والمطالبة بحقوقهم وتحقيق طموحاتهم، فالعمليات الاجرامية هنا وهناك لا تأتي من فراغ، إنما هنالك بالتأكيد حالات من التجاذب والتقاطع والتنافس على النفوذ والهيمنة في الساحة السياسية. لذا نجد الضحايا يسقطون في ظروف مختلفة، ففي باكستان يسقطون بسبب التزاحم والتنافس بين مؤسسات دينية واحزاب سياسية هناك، ويكون الشيعة ضحية مواجهة غير متكافئة مع جماعات ارهابية مدعومة من اطراف داخلية وخارجية، بينما في العراق فان الضحايا يسقطون مع وجود الحكومة التي يسيطر عليها الشيعية – وفق المحاصصة السياسية - ، والسبب هو نفس هذه المحاصصة والتنافس المحموم على النفوذ والسلطة وحتى المال. بينما في البحرين، نجد قمعاً وإرهاباً منظماً تمارسه الدولة في بلد ذو اغلبية شيعية تطالب بحقوقها.

ولعل أكثر المناطق رخاوة في هذه المواجهة، هي باكستان.. البلد الاسلامي الذي يحمل الاسم الرسمي "جمهورية باكستان الاسلامية"، ويشكل الشيعة حوالي ربع السكان، لكنهم يتعرضون لعمليات قتل وابادة سهلة للغاية وبدم بارد. وحسب الاحصائيات فان حوالي (5000) شخصاً لقي حتفه خلال العام الماضي على يد الجماعات الارهابية، سواء بالسيارات المفخخة او العبوات الناسفة، فيما استشهد (20) شخصاً مؤخراً في حادث انفجار حافلة في مدينة "كويتة"، واصيب (22) اخراً بجروح.

هذا المشهد نراه يومياً، ويكاد يكون روتينياً في العراق، لاسيما في مناطق المواجهة الساخنة وفي مقدمتها قضاء "طوزخورماتو" شمال البلاد، ذات الاغلبية الشيعية، كما نلاحظ مشاهد القتل اليومي في العاصمة بغداد وعدد آخر من المدن العراقية. والضحايا هم المدنيين الشيعة. ولشدة وطأة المأساة على النفوس والضغط الهائل الذي يعيشه الناس في مناطق المواجهة الطائفية، بدأوا يتساءلون عن سبب وقوعهم في مرمى النيران، بينما الساسة واهل الحكم الذين تنطلق الخلافات والنزاعات من مكاتبهم وقاعات اجتماعهم، يكونوا محميين وبعيدين عن النار..؟ وهل ان الحل دائماً في التصعيد الأمني والعسكري؟.

وحتى لا نجانب الحقيقة، فان الاستهداف المكثف والعنيف للشيعة من قبل الجماعات التكفيرية والطائفية، يخفي ورائه أيادي مخابراتية و أجندة سياسية لأطراف إقليمية ودولية، تشعر بمخاوف كبيرة على مصالحها من الوجود الشيعي في المنطقة والعالم، ليس لأنهم يشكلون جماعة طائفية، حالها حال الطوائف التي تخوض أزمات ومواجهات في العالم، إنما لوجود خلفية حضارية وثقافية وفكرية عميقة الجذور، تستقوي بها التنظيمات السياسية - الشيعية سواءً تلك التي تعيش حالة المعارضة أو التي تنعم بالحكم. لذا يبدو واضحاً أن عمليات القتل والتشريد والترويع، جاءت في مرحلة لاحقة، بعد حملة التكفير والإلغاء أثبتت فشلها في مختلف البلاد الاسلامية، بمعنى ان العمليات الاجرامية ضد الشيعة تأتي على الأغلب كرد فعل على الخسائر والهزائم التي يتعرض لها المنافسون على الساحة السياسية في غير بلد، ولا فرق ما اذا كان مسرح الاحداث الدامية في باكستان، حيث الاقلية الشيعية المحكومة، أو في العراق حيث الاكثرية الشيعية الحاكمة، لان النتيجة واحدة، شهداء وجرحى بالجملة.  

والحقيقة الاخرى والناصعة، ان الشهداء الذين يسقطون في الشوارع وفي أقبية السجون بالبحرين، إنما يتعرضون للعنف والإرهاب، لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة، أقلها العدل والمساواة والحرية. بينما اخوانهم الشهداء في العراق يسقطون ضحية الحقد الأسود على نجاح التجربة الديمقراطية و اجراء انتخابات عامة تتمخض عن سلطة تشريعية واخرى تنفيذية ممثلة من قبل الشعب. وهكذا الحال بالنسبة لضحايا الارهاب الطائفي في سائر البلاد الإسلامية، بمعنى أن الجميع ضحايا أبرياء، بيد اننا يجب ان نتذكر دائماً في الوقت نفسه، إن الدماء الزكية لاتباع أهل البيت عليهم السلام، وهم أناس ربما اغلبهم بعيدون عن الاجواء السياسية، ليست ثمناً جاهزاً في معترك الصراع، لأن اراقة الدماء بالشكل الذي نلاحظه يومياً يترك اثاراً سلبية في النفوس، ربما اقلها استرخاص الدم الشيعي، أو القول بأن عليه أن يدفع ثمن الحصول على حقوقه، وهي معادلة تنطوي على نمط من التفكير يفضّل الايديولوجيا والمصالح الحزبية والفئوية واحياناً الشخصية على مصائر الناس. بينما لو عدنا الى الاحكام والتعاليم لدينا، وجدنا أن خيار المواجهة العنيفة مع السلطة الغاشمة لإحقاق الحقوق (كما في البحرين) أو ترجيح خيار الحرب مع الجهات المعارضة (كما في العراق)، يخضع لاستحقاقات وشروط واضحة، اهمها نفاذ او فشل كل الخيارات السلمية.

وهكذا تكون الدماء والارواح في الجبهة المتأخرة والخلفية في ساحة المواجهة السياسية، بينما تتقدم لغة الحوار والمنطق والمحاججة التي تثبت للعالم من هو على حق ومن هو على باطل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الثاني/2014 - 24/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م