الوطن بين الأنا والـ نحن

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: بين الأنا والـ نحن، فوارق كثيرة وكبيرة، فالأول يعني الفرد الواحد وكل ما يتعلق به، من تفكير وسلوك وطموحات وأهداف وسواها، فضلا عن السبل والطرائق التي يعتمدها من اجل الوصول الى أهدافه، أما الثاني فيعني الجماعة، بغض النظر عن حجمها في النوع والكم، فقد تكون عائلة، أو فئة، أو طائفة، وقد تكون مجتمعا لدولة ما، وعندما نتابع حركة الطرفين ونشاطهما من اجل بلوغ الاهداف، فإننا سنكتشف معادلة أولية، تؤكد على أن الأنا عندما تفضّل نفسها على الجماعة، هذا يعني ثمة انحدار يسير فيه الطرفان، (الفرد والمجتمع).

بمعنى أوضح عندما يعمل الفرد لذاته، ومنافعه، ومصالحه، بغض النظر عمّا يلحق الجماعة من ضرر، فإن عامل الهدم هنا يتفوق على عامل البناء، لنكتشف بلا أدنى ريب، أن المجتمع الذي تتفوق فيه وتطغي عليه الأنا، لا شك انه ينحدر نحو الهلاك، نحن هنا نتحدث بعيدا عن المذهب الفردي، ومذهب التحرر الغربي الذي يطالب بإطلاق الحرية الفردية في مجالات الحياة كافة، ومنها التجارة على سبيل المثال، واعتمادها المبدأ المشهور وذائع الصيت (دعه يعمل دعه يمر)، بل نحن هنا نوجّه كلامنا وندلي برأينا حول ما يتعلق بجانب تفضيل الأنا على الجماعة، وهو أمر يتعلق باستفحال الانانية، عندما يتم تجيير الكل لصالح الأنا.

وليس بالضرورة أن تكون الأنا فردا فحسب، إنما قد تكون مؤسسة، أو منظمة، أو حزبا سياسيا، بل السلطة التنفيذية نفسها، قد تتصرف بطريقة الأنا، فتقصي الجميع عن المشاركة في صناعة القرار، وهذا ما يحدث في الانظمة السياسية الفردية، والحكومات المستبدة، حيث يشكل الشروع باستئثار السلطة، نقطة البداية لانهيار الوطن وتدميره.

ولعل أكثر الاسباب وضوحا في تدمير الاوطان، هي تلك التي تنشأ على قاعدة المنفعة واقصاء الآخر، بمعنى تنسى الحكومة أن إدارة الدولة جماعية، تقوم على منهج مؤسساتي دستوري، لا يجوز التجاوز عليه او التغاضي عنه، أو ايجاد البدائل التي تلتف على مقررات الدستور واستقلالية عمل مؤسسات الدولة، إذ يتضح اسلوب التفرد وتضخيم الانا على حساب الـ نحن بصورة لا تقبل التأويل او الشك.

عند ذاك تبدأ خطوة الانحدار نحو حضيض الاستبداد، ومحاصرة الوطنية، وتدمير الشعور بالمواطنة، وهو أخطر ما تفرزه الانظمة السياسية القامعة، عندما تسلب حقوق المواطن وتطالبه في الوقت نفسه بحقوق المواطنة، مثال ذلك، عندما تنشغل الحكومة بمصالحها ومنافعها وتثبيت سلطتها، على حساب مصلحة الفرد والشعب، فإنها لم تعد ترى ما يحتاجه الفرد من خدمات واحتياجات، ثم تبدأ بسلسلة خطوات الحرمان من حق الرأي وجملة من الحقوق المدنية والحريات التي يتم إلغاءها كلّيا، فيصبح المواطن مفرّغا تماما من الحس الوطني، بسبب عدم شعوره بالانتماء لوطن لا يقدم له احتياجاته، ولا يحمي حقوقه بسبب قمع الحكومة له، وسلبها لثروات الشعب بألف طريقة وطريقة من أساليب اللف والاحتيال والخداع، وإبرام الصفقات الوهمية من لدن المتنفذين الفاسدين والمفسدين، في الوقت الذي يعاني الفرد والشعب من شحة في الخدمات وإهدار في الحقوق.

هكذا يمكن أن تؤول الامور، عندما يتم التعامل بما تفرضه الأنا على الآخرين من خطوات وقرارات جائرة، تضمن مصالحها ومنافعها ونفوذها في وقت تهدر فيه حقوق الناس، لذا لم يعد للمواطنة أي وجود أو تأثير، كذلك يغدو الوطن تعبير مجرّد من المعنى بصورة قسرية، تتسبب فيها الاساليب الانانية البحتة للفرد على حساب المجتمع، لذلك عندما نريد للوطن رسوخا وحضورا قويا في نفوسنا، يجب أن نحصّن أفكارنا، ونشذّب أفعالنا من أهواء الأنا وأنانيتها، وأن نستجيب للضوابط التي تضاعف من الحس الوطني في دواخلنا وتنمي ذلك في اعماقنا، وتقع المسؤولية الاكبر في هذا الشأن، على السلطة السياسية بكل عناوينها ومؤسساتها، على أن يشترك الجميع في تحمل هذه المسؤولية، ونشر روح المواطنة على أساس المنفعة الجماعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/كانون الثاني/2014 - 23/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م