الكنيسة.. فضائح جنسية تزيد من الانكفاء والانزواء

 

شبكة النبأ: لا تزال الكنيسة المسيحية تواجه الكثير من المشاكل والتحديات بسبب الفضائح والانتهاكات المتصلة بالاعتداءات الجنسية والعلاقات غير الشرعية التي ارتكبها كبار الكهنة الراهبات والقساوسة، في الفترات السابقة والتي أسهمت بإضعاف نفوذها في العديد من دول العالم كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان تلك الفضائح كانت سببا مباشر في ابتعاد الكثير من أتباع الكنسية الذين أدركوا زيف وكذب الشعارات السابقة التي كان يرفعها رجال الدين في كثير من الكنائس التي أصبحت اليوم مركزا للفساد وفضائح الشذوذ الجنسي والاعتداءات على الأطفال.

 وأمام هذه الفضائح المتناسلة والمتكررة لم تعد المواعظ البابوية والدفاع كافيا لتلميع صورة الكنيسة، وفي هذا الشأن تقول جريدة التايمز إن الإحصاءات التي صدرت مؤخرا في العاصمة البريطانية لندن أوضحت أن أعداد المنتمين للمذهب الكاثوليكي في المملكة المتحدة قد تناقص بعشرات الألاف بسبب الفضائح الجنسية التي تورط فيها رجال دين في الكنيسة.

وتضيف الجريدة أن نحو 90 ألف شخص قد تخلوا عن المذهب الكاثوليكي في انجلترا وويلز رغم التزايد الكبير في أعداد المهاجرين البولنديين والرومانيين ودول أوروبا الشرقية التي يسيطر عليها المذهب نفسه. وتقول الجريدة إن الدراسة الإحصائية التي أجراها مركز البحوث الرعوية "المسيحية" أشارت إلى أن التوقعات كانت تشير إلى تزايد عدد الكاثوليك في بريطانيا بما يزيد عن 31 ألف شخص لكن الأرقام أوضحت تناقصهم بما يزيد عن 90 ألف شخص.

وتقول الجريدة إن أعداد الكاثوليك الذين يحضرون الصلوات في الكنيسة تناقص بشكل كبير حيث توضح الإحصاءات أن 20% فقط منهم هم من يحضرون الصلوات والعظات في الكنيسة. وتختم الجريدة الموضوع مشيرة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت عشرات الفضائح المتعلقة باتهامات لرجال دين كاثوليك بالتحرش بالأطفال وما قالت إنه محاولات الكنيسة للتعتيم على هذه الحالات.

الاعتداءات الجنسية

في السياق ذاته رفض الفاتيكان تقديم معلومات إلى لجنة حقوقية بالأمم المتحدة عن التحقيقات الداخلية للكنيسة في الاعتداءات الجنسية على أطفال من رجال دين وقال إن سياسته هي الحفاظ على السرية في مثل هذه الحالات. وردا على سلسلة من الاسئلة الصعبة التي طرحتها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل قال الكرسي الرسولي انه لن يصدر معلومات عن التحقيقات الداخلية في حالات الاعتداء إلا إذا تلقى طلبا بذلك من دولة أو حكومة للتعاون في الإجراءات القانونية.

ومنذ ان أصبح أول رئيس غير أوروبي للكنيسة الكاثوليكية في 1300 عام نجح البابا فرنسيس إلى حد كبير في تغيير الصورة بعد استقالة البابا بنديكت السادس عشر في فبراير شباط. وتهدف الاسئلة التي طرحتها اللجنة إلى تقييم التزام الكنيسة باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1990 بشأن حقوق الطفل وهي معاهدة تضمن مجموعة كاملة من حقوق الإنسان للأطفال وقع عليها الكرسي الرسولي.

وقال الفاتيكان إن الإجراءات التأديبية الداخلية "غير متاحة للجمهور" من أجل حماية "الشهود والمتهمين ونزاهة العملية الكنسية" لكنه قال إن هذا لا ينبغي أن يثني الضحايا عن ابلاغ سلطات الدولة بالجرائم. لكنه اضاف انه يجب احترام قوانين الدولة بما في ذلك الالتزام بالإبلاغ عن الجرائم.

واشار الكرسي الرسولي الي انه "يشعر بحزن عميق إزاء محنة الاعتداء الجنسي" وأكد على أنه غير شروط قبول المرشحين للكهنوت وطور القانون الكنسي وطالب مؤتمرات الأساقفة بوضع المبادئ التوجيهية لمكافحة الاعتداء. إلا انه أشار إلى أنه لا يمكن القاء المسؤولية على الفاتيكان عن تصرفات المؤسسات أو الأفراد الكاثوليك حول العالم وقال إن الأساقفة المحليين يتحملون المسؤولية عن ضمان حماية الأطفال.

الى جانب ذلك كشف الفاتيكان انه حمل 400 كاهن على ترك الحياة الكهنوتية في عهد البابا السابق بنديكتوس السادس عشر بعد فضيحة التحرش الجنسي باطفال من قبل افراد في الاكليروس الكاثوليكي. وقال المتحدث باسم الفاتيكان فيديريكو لومباردي "في 2012 كان عددهم 100 وفي 2011 نحو 300". لكن شبكة الناجين من ضحايا العنف الجنسي على ايدي كهنة تعتبر هذه الاجراءات التأديبية غير كافية.

وقالت في بيان "على البابا ان يحمل كهنة يتسترون على الجرائم الجنسية على ترك الحياة الكهنوتية وليس فقط اولئك الذين يرتكبون هذه التجاوزات". ومطلع الالفية الثالثة، كشفت في ايرلندا والولايات المتحدة فضيحة الجرائم التي ارتكبها كهنة بحق الاف الاطفال خصوصا في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي. واتهمت السلطات العليا في الكنيسة الكاثوليكية بانها غالبا ما قامت بحماية المسؤولين عن هذه التجاوزات من خلال نقلهم الى مكان اخر حفاظا على سمعة الكنيسة. بحسب فرانس برس.

وكان البابا بنديكتوس السادس عشر الذي استقال العام الماضي من منصبه لتقدمه في السن، اصدر توصيات بعدم التساهل اطلاقا مع الكهنة المتهمين بالتحرش الجنسي بأطفال. واقر الفاتيكان بانه تلقى من الابرشيات المحلية الاف التقارير تفيد عن حصول هذه التجاوزات. والملاحقات الداخلية من مسؤولية مجمع عقيدة الايمان لكن اعماله لا تنشر عادة.

في السياق ذاته ألغت محكمة في ولاية بنسلفانيا حكم الادانة الذي صدر على أول مسؤول رفيع بالكنيسة الكاثوليكية الامريكية والذي ادين بالتستر على قس له سجل في اعتداءات جنسية على أطفال وأمرت بالافراج عنه. وأمرت المحكمة بالافراج عن المونسينور وليام لين الذي ادين في يونيو حزيران 2012 بتهمة تعريض حياة اطفال للخطر باعادة تكليف قس له تاريخ في الاعتداء الجنسي بالعمل في ابريشية في فيلادلفيا لم تكن على علم بماضيه.

واعترف القس إدوارد أفري بالاعتداء على صبي عمره عشر سنوات في ابريشية فيلادلفيا. وحكم على لين -الذي لم يكن هو شخصيا متهما بالاعتداء الجنسي- بالسجن لمدة تصل إلى ست سنوات. لكن محكمة الاستئناف العليا في بنسلفانيا ألغت إدانة لين وأمرت بالافراج عنه من السجن قائلة إن القضية "لم تستند إلى أدلة كافية."

زواج المثليين

على صعيد متصل سيسمح لرجال الكنيسة في انجلترا بالاعتراف بزيجات المثليين والاحتفال بها في المراسم الدينية للكنيسة وفق مقترحات كشف النقاب عنها لتعزز توجهات اكثر انفتاحا للكنيسة على المثلية الجنسية. وجاءت هذه المقترحات بعد ان اسقطت الكنيسة الأم التي يتبعها 80 مليون مسيحي حول العالم في وقت سابق الحظر الذي كانت تفرضه على رسامة رجال الدين من المثليين الذين يتشاركون في زيجات مدنية ليصبحوا قساوسة.

واقترحت واحدة من 18 توصية قدمتها مجموعة عمل استمرت عامين انه ينبغي ان يكون رجال الكنيسة "قادرين على تقديم المراسم الدينية المناسبة للاحتفال بعلاقة صحيحة بين اثنين من نفس الجنس." كما قالت المجموعة انه يجب على الكنيسة ان ترحب وتقر "وجود مثليين وسحاقيات" ضمن رجال الدين بالكنيسة.

ونوه التقرير بان "تعاليم الكنيسة بشأن العلاقة الجنسية لا تنسجم مع الاتجاهات الاجتماعية المعاصرة ليس فقط بالنسبة للمثليين والسحاقيات المسيحيين لكن للمسيحيين العاديين ايضا." وأقر الاب الروحي لكنيسة انجلترا جاستن ويلبي كبير اساقفة كنيسة كانتربري بان هناك "ثورة" في التوجهات نحو المثلية الجنسية وان موقف الكنيسة المعارض لزواج المثليين يمكن ان ينظر اليه على انه غير متجانس مع الرأي العام. ووافق البرلمان البريطاني في وقت سابق هذا العام على زواج المثليين رغم اعتراض جماعات دينية مختلفة ومشرعي حزب المحافظين بما يسمح بزواج المثليين في انجلترا اعتبارا من 2014 .

من جانب اخر اختارت أقدم مجلة مدافعة عن حقوق المثليين في الولايات المتحدة البابا فرنسيس "شخصية العام" بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده السابع والسبعين والذي دعا خلاله عددا من الفقراء والمشردين لتناول الافطار معه في الفاتيكان. وقالت مجلة ادفوكيت انها أعطت فرنسيس هذا الشرف رغم انه مازال يعارض زواج المثليين لانه أبدى "تغيرا صارخا عن خطاب البابا السابق والاسبق" المعادي للمثليين. بحسب رويترز.

وأشادت المجلة برد بابا الفاتيكان حين سأله صحفي في يوليو تموز عن وضع المثليين في الكنيسة الكاثوليكية فقال "اذا كان الشخص مثليا ويبحث عن الرب بنية خالصة فمن أنا لأحكم عليه؟" وقالت المجلة ان منظمة المثليين الكاثوليكية التي تطلق على نفسها اسم "رحمة الله واسعة" قالت ان جملة فرنسيس هذه كانت "واحدة من أكثر العبارات المشجعة التي نطق بها بابا للفاتيكان قط عن المثليين والمثليات." وأكد الفاتيكان على ان كلمات البابا لم تغير موقف الكنيسة الكاثوليكية الذي يقول ان ميول المثليين ليست خطيئة لكن أفعالهم خطيئة.

الأسقف المترف

من جهة اخرى اوقف البابا فرنسيس اسقف ليبمور المبذر الذي اطلق عليه "الاسقف المترف" عن ممارسة نشاطاته الراعوية، لكنه لم يقيله من منصبه، خلافا لما كان البعض يطالب به. وقال الفاتيكان في بيان ان "الكرسي الرسولي يعتبر ان من الملائم" في انتظار نتائج تحقيق تجريه الكنيسة الالمانية، "السماح للمونسنيور فرنس-بيتر تيبارتس-فان إلست بفترة اقامة خارج الابرشية".

واضاف الفاتيكان "نشأ في الابرشية وضع لا يستطيع المونسنيور تيبارتس-فات إلست بنتيجته ان يمارس في الوقت الراهن مهمته الاسقفية"، موضحا ان "الأب الاقدس كان يطلع باستمرار وبطريقة موضوعية على وضع ابرشية ليمبور" جنوب غرب المانيا. ومنذ ايام يحتل اسقف ليمبور عناوين الصحف في المانيا. وهذا الذي تسميه وسائل الاعلام "الاسقف المترف"، يشكل مادة جدال حول سعر المنزل الجديد للابرشية الذي شيده في ليمبور، والذي ارتفع من 5,5 ملايين يورو الى 31 مليونا على الاقل ... بسبب طلباته الباذخة، كما يقول منتقدوه.

وتؤكد وسائل الاعلام الالمانية ان الاسقف سعى دائما الى اخفاء التكلفة الحقيقية لاعمال البناء التي ترتفع باستمرار. وقد كلف المنزل 2,9 مليون يورو مع قاعة طعام مساحتها 63 مترا مربعا وغرفة استحمام ب 15 الف يورو. إلا ان صحيفة دي فيلت ذكرت ان قيمة اعمال البناء يمكن ان تبلغ حتى 40 مليون يورو. وشكلت الكنيسة الالمانية لجنة للتحقيق في نفقات الاسقفية.

وفي انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه هذه اللجنة والتحقيقات المتصلة بها والمتعلقة بتحديد المسؤوليات، قرر البابا ان يبعد ويوقف نشاط اسقف ليمبور، وعين بديلا هو الوكيل العام فولفغانغ روش الذي سيهتم بشؤون الابرشية.

وردا على اسئلة الصحافة في هذا الشأن، رفض المتحدث باسم الحكومة الالمانية جورج شترايتر التعليق على هذه "القضية الداخلية للكنيسة". لكنه اعترف بأن اسقف ليمبور يتقاضى راتبا من الدولة الالمانية "على غرار جميع الاساقفة الالمان". وقد انتقد اعضاء ابرشية ليمبور في الفترة الاخيرة في رسالة مفتوحة الاسلوب التسلطي والنفقات التي وصفوها بأنها باذخة للأسقف الذي عينه البابا السابق بنديكتوس السادس عشر. وقد وقع الرسالة اكثر من 4400 من الافراد ومن موظفي الكنيسة من اصل 650 الفا من اتباع الابرشية.

لكن متاعب هذا الاسقف لا تقف عند هذا الحد. فقد طلبت النيابة العامة في هامبورغ (شمال) انزال عقوبة جزائية به لانها تتهمه بالكذب تحت القسم. ويشكك القضاء في تصريحات نشرتها مجلة در شبيغل واعترف فيها الاسقف بـأنه قام برحلة في الدرجة الاولى لزيارة فقراء في الهند. لكنه اكد بعد ذلك تحت القسم انه رفض الرد على السؤال الذي طرحه الصحافي.

واعربت اللجنة المركزية للكاثوليك الالمان عن ارتياحها لقرار البابا وقف اسقف ليمبور عن ممارسة مهماته ورأت فيه "فرصة لانطلاقة جديدة". واكد رئيس اللجنة الويس غلوك في بيان ان "قرار البابا فرنسيس يشكل فرصة لانطلاقة جديدة في اطار اسقفية ليمبور، لأن الوضع في الاسابيع الاخيرة بات لا يحتمل سواء بالنسبة للمؤمنين هناك او بالنسبة الى الكنيسة في كل انحاء المانيا".

واضاف غلوك ان "القرار الذي اتخذه اليوم الاب الاقدس سيتيح الوقت اللازم لتوضيح كامل للأحداث في ليمبور". وقال "يحق للكاثوليك في الابرشية وفي كل انحاء المانيا الحصول بشفافية على كل المعلومات المتصلة بتكاليف البناء او المناقشات التي اجريت في اللجان (المسؤولة عن الاعمال) وتحديد المسؤولين".

الى جانب ذلك يوجد على الأقل ثري كاثوليكي واحد يحتاج تفسيرا من "البابا" لآرائه حول الرأسمالية. إنه كين لانغون، الملياردير الذي ساعد في إطلاق شركة البيع بالتجزئة "هوم ديبوت" والذي تبرع بمبلغ 180 مليون دولار لإعادة بناء كاتدرائية سانت باتريك في مانهاتن، وبمبلغ 200 مليون دولار لجامعة نيويورك الطبية.

وقال الملياردير إنّ "متبرعا بمبلغ من سبعة أرقام شعر بالإهانة بسبب تعليقات البابا." كما لم يتردد في التعبير عن ذلك للكاردينال تيموثي دولان، أسقف نيويورك. وقال الأسقف في تصريحات إنّه أبلغ الملياردير بأن الأمر ربما لا يعدو أن يكون سوء فهم وأنّ البابا يحب الفقراء ولكنه يحب الأثرياء أيضا." بحسب CNN.

ومازالت ردود الفعل على عظة من "البابا" تتزايد، وآخرها جاء في برنامج تلفزيوني للمذيع "راش ليمبو" الذي اعتبر أن موقف الحبر الأعظم تثير الحزن، مشككا في كون "البابا" هو من كتب العظة، قائلا "ربما كتبها له شخص آخر. إنها أقوال لا تأتي إلا من ماركسي صرف بلسان البابا." (إذاعي أمريكي: طروحات البابا "ماركسية" بحتة.) لكن البابا ردّ بالقول "الماركسية إيديولوجية سيئة. ولكنني التقيت الكثير من الماركسيين في حياتي هم أناس جيدون. لذلك فلا أشعر بأنه تمت الإساءة إلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الثاني/2014 - 21/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م