اتّهم دولة لم يُسمِّها!

نزار حيدر

 

 تذكرني تصريحات السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية العراق، فيما يخص الارهاب واتهامه في كل مرة (دولة جارة لم يسمها) باللغز الذي يتداوله العراقيون فيما بينهم، عندما سال احدهم الاخر: ما هو الشيء الذي شكله دائري ولونه اخضر وفي داخله حب رقي؟ فهو في كل مرة يصرح بالقول: ان دولة جارة تقع على حوض الخليج يحكمها نظام ملكي وتسخر الفتاوى التكفيرية التي يصدرها فقهاء الحزب الوهابي وكذلك توظف البترودولار لإنتاج جماعات العنف والإرهاب، هي التي تدعم الارهاب في العراق وتبعث بالمغرر بهم لتفجير انفسهم فيقتلوا ويدمروا.

 اعرفتم، أيها الاحبة، اسم هذه الدولة؟ نعم، بالضبط، انها دولة نيكاراغوا!!!!.

 لا ادري لماذا يتحاشى السيد رئيس الحكومة تسمية الدولة الأساس الداعمة للإرهاب في العراق؟ فعلى مدى قرابة ٨ سنوات من تسنمه السلطة في بغداد، لم يسم منبع الارهاب ولا مرة واحدة، باستثناء مرة واحدة فقط عندما اتهم سوريا ليتراجع عن كلامه فيما بعد ويستقل طائرته الخاصة ليحط في دمشق ويلتقي بالرئيس الاسد، لا ادري ان كان قد اعتذر له عن اتهاماته وقتها ام لا؟.

 السؤال هو: لماذا يتحاشى المالكي تسمية نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية عندما يوجه اتهاماته لمصادر الارهاب؟ على الرغم من ان القاصي والداني يعرف انه مصدر ومنبع الارهاب ليس في العراق فحسب وإنما في المنطقة والعالم؟.

 طبعا، هناك عدة احتمالات:

 الاول؛ هو انه لا يريد تجاوز العرف الدولي، وهذا احتمال مردود، فكل دول العالم تؤشر بإصبع الاتهام لمصدر الخطر اذا ما داهمها بلا تحفظ او تردد، فهذه الولايات المتحدة الأميركية وتلك اسرائيل وهذه دول الخليج عندما تكتشف خلايا تجسسية على بعضها، وهذا حزب الله وتلك مصر وهذه سوريا وغيرها وغيرها من دول العالم، الا العراق الذي تتحاشا فيه الحكومة تسمية مصدر الموت للعراقيين.

 حتى سنّة العراق والكرد والتركمان يسمون المتهم بلا مواربة، وكلنا سمعنا ما كان يقوله خطباء منصات الاعتصام في الرمادي وغيرها بهذا الصدد.

 إذن تسمية المتهم ليست ضد القانون الدولي ابدا، بل ان السكوت عند التسمية هو الذي ضد القانون الدولي، وإلا لسكت الجميع ولم يسمّ أحدٌ احدا.

 الثاني: هو انه غير متأكد من كلامه، فهو لم يقف على الأدلة والإثباتات والشواهد التي تكفي لذكر المتهم بالاسم، وهذا الاحتمال يدينه قبل ان يدين المتهم، فأين الأجهزة الاستخباراتية وأين الأدلة الجنائية التي يتركها المجرمون في مسرح الجريمة بعد كل عملية ارهابية؟ وأين المخبر السري وأين قوى الأمن والشرطة والجيش؟ وأين مستشاريّة الأمن الوطني؟.

 ثم، كيف تمكّنت من تجميع الأدلة ضد سوريا بيومين، عندما قدمت شكوى ضدها في مجلس الأمن قبل ان تستغفر الله وتسحبها، ولم تتمكن من ذلك ضد نظام القبيلة على مدى ثمان سنوات؟.

 اذا لم تتمكن من جمع الأدلة الكافية على مدى (٨) سنوات للتعرّف على المتهم الحقيقي، فلماذا تطالب بأربع سنوات اخرى تقضيها في السلطة على (الفاضي) كما يقولون؟.

 دع غيرك يدير الحكومة، فقد يتمكن من جمع الأدلة الكافية لتسمية المجرم الحقيقي؟.

 ثم، اذا لم تجمع ما يكفي من الأدلة لحد الان فلماذا تتهم (جيراننا) و (أصدقاءنا) و (إخوتنا) في الدين واللغة والتاريخ؟ أهذا هو حق الجار على الجار؟ الم يوصينا رسول الله (ص) بالجار خيرا؟.

 الثالث: هو انه لا زال يأمل خيرا بنظام ال سعود، ولذلك فهو لا يسمهم حتى يمنحهم فرصة التوبة والعودة الى صوابهم، وهذا احتمال خاطئ جملة وتفصيلا، لان (من شب على شيء شاب عليه) فمن بدا سلطته وبناها على جماجم الأبرياء وانهار الدماء، واعتمد التكفير كمنهج في الحكم، خاصة ضد شيعة امير المؤمنين (ع) لا يمكن ان تنتظر منه توبة ابدا، وان سياسة ٨٠ عاما من الغزو والقتل والتدمير ونشر الحقد والكراهية والتكفير وإلغاء الاخر، تثبت هذه الحقيقة.

 الرابع: ربما، لان الحكومة العراقية لا تريد ان تتدخل في شؤون الآخرين، ولذلك فعندما لا يسمي السيد رئيس مجلس الوزراء منبع الارهاب وحاضنته الحقيقية والرئيسية، إنما تحاشيا لتهمة التدخل في شؤون الآخرين!.

 لا ادري متى كانت تسمية اللص تعتبر تدخلا في شؤونه؟ وهل ان تحريضه على القتل والتدمير في العراق لا يعتبر تدخلا في شؤوننا؟ فأين إذن قاعدة التعامل بالمثل؟

 لقد أسقطت الولايات المتحدة الأميركية نظامين، واحد في كابول والثاني في بغداد، انتقاما لضحاياها في نيويورك، حتى قبل اكتمال ادلة تورطهم بالعمل الإرهابي الذي شهدته في ١١ أيلول ٢٠٠١، كما ان اسرائيل ترد على مصادر الصواريخ قبل التثبت من الأدلة، ومن دون انتظار الأذن من احد، وان واشنطن تتجسس حتى على هواتف حلفائها الغربيين على قاعدة (الوقاية خير من العلاج) فالأمن القومي عندها فوق اي اعتبار أخر، ولذلك قال الرئيس اوباما بانه لن يعتذر عما حصل بهذا الشأن، فلماذا لا تتعلم الحكومة العراقية ذلك؟ لماذا لا يكون الدم العراقي فوق كل اعتبار؟ ام اننا استرخصنا ثمنه ليصل الى اقل من سعر البصل والبطاطا مثلا؟.

 الخامس: احتمال آخر، هو ان السكوت عن تسمية المجرم يكون احيانا سبيل لإيقاف عدوانه، الا اننا لا نرى ذلك ينطبق على الحالة في العراق ابدا، فالارهاب يزداد يوما بعد آخر، وكأن السكوت عن تسمية منبعه يشجعه على مواصلة جرائمه وتدخله في شؤون العراق.

 السادس: اما الاحتمال الأخير، فهو ان يكون نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية يحتفظ بملفات خطيرة ضد رئيس الحكومة العراقية وعموم قادة الحزب الحاكم، ولذلك فانه يخشى تسميته كمصدر أساس لحرب الارهاب على العراق، خوف الفضيحة!!! بالضبط كما يسكت الكثير من السياسيين العراقيين على فضائح الحكومة خشية تحريك المالكي للملفات التي يحتفظ بها ضدهم، والتي طالما لوَّح بها وأرهب وأرعب وأسكت بها خصومه!.

 اتمنى على السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية العراق ان يوضّح لنا الحقيقة فلقد (تشابه البقر علينا).

 قد يسأل سائل ويقول: لماذا هذا الإصرار على تسمية القاتل؟ الا يكفي دليلا على وجود الارهاب في العراق هذه الأنهار من الدماء؟.

 الجواب:

 اولا: اننا نصر على تسمية مصدر الارهاب في العراق لنعرف من الذي يحاربنا؟ ومن الذي يقتلنا ويقتل البسمة على شفاه أطفالنا؟ وبالتالي لنعرف مع من هي حربنا المفتوحة منذ عقد كامل من الزمن؟.

 ثانيا: اذا عرفنا مصدر الارهاب الحقيقي فسنتحرك على المؤسسات الدولية لتجريمه ومعاقبته من خلال رفع قضايا جنائية ضده، فإذا كانت الحكومة العراقية قد حددت اسمه ورسمه فهذا يعني انها ستتعاون مع من يحرك قضايا جنائية ضده بالدليل والصورة والشهود وغير ذلك، اما اذا ظلت الحكومة العراقية تلف وتدور حول اسمه، فهذا يعني بانها لا تريد ان تتعاون مع الجهات التي تريد تحريك مثل هذه القضايا ضد الجاني.

 ان جرائم الارهاب في العراق ترقى الى مستوى جرائم حرب، وحروب الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، فلماذا لا نقدم شكاوى دولية ضد مصادره ومنابعه؟.

 ثم؛ أليس من حق الضحية ان يعرف هوية القاتل؟ وإلا فما فائدة مؤسسات مثل الأدلة الجنائية والطب العدلي ومحكمة لاهاي وغيرها الكثير؟

 اذا لم يتم تحديد الجاني، لم يتم بالتأكيد تحديد العقوبة، أليس كذلك؟.

 ثالثا: العراقيون يطالبون الحكومة العراقية، وبقية مؤسسات الدولة، بتسمية منبع الارهاب في العراق للبدء بتوجيه الضربات الموجعة له، سواء كانت ضربات بالمثل، والبادئ اظلم، او ضربات اعلامية وسياسية و ديبلوماسية وحقوقية، فإلى متى تظل الأرواح تُزهق في العراق والدماء تسيل انهارا وكل شيء يتعرض للخراب والدمار من دون ان تنجز الدولة العراقية اول خطوة للرد على منبع الارهاب، واقصد به تسميته بشكل واضح وصريح، كما تفعل كل الدول الاخرى التي تسمي مصدر العدوان كلما تعرضت له وبأي شكل من الأشكال؟.

 رابعا: ان تسمية مصدر الارهاب من قبل الحكومة العراقية دليل على قوتها واحترام شعبها ودليل على سيادتها وأنها تمتلك قرارها من دون اي تأثير من قبل اي كان، والعكس هو الصحيح، فإذا ترددت في تسمية مصدر الارهاب فهذا يعني انها جبانة وأنها تقع تحت تأثير الآخرين، وأنها لا تحترم لا نفسها ولا شعبها ولا دماء العراقيين وأرواحهم، كما يدل ذلك على انها غير ذات سيادة.

 فلو ان رجلا سرق بيته لصٌّ يعرفه حق المعرفة، ثم سأله القاضي عنه فتردد في ذكر اسمه، الا يعني ذلك بان الرجل يخشى على نفسه من تهديد تلقاه، مثلا، او انه واقع تحت تأثير ما؟.

 خامسا: كما ان تسمية منبع الارهاب سيخيف نظام القبيلة ويرعبه، لانه سيتوقع ردود أفعال مختلفة وغير متوقعة من العراقيين الذين سيشعرون بأن الدولة العراقية معهم في حربهم الدفاعية ضد منابع الارهاب.

 اخيراً: نحن كعراقيين نريد ان نتأكد بان حكومتنا مسلحة بأنياب قادرة على الدفاع عن شعبنا ودمائنا وأعراضنا ومستقبل أبنائنا، وان السكوت عن تسمية القاتل لا يشير الى هذه المعاني ابدا، بل على العكس، فان ذلك مؤشر على فشل الحكومة في الدفاع عن الشعب وصيانة دمه، ما يُسقط هيبتها واعتبارها وصدقيتها.

 اخيراً: اوجّه خطابي للحكومة ورئيسها وأقول؛ ان مصلحتكم من مصلحة الشعب العراقي، ومن يظن ان بإمكانه ان يستفيد من نظام القبيلة الفاسد، اذا ما سكت عن تسميته كمجرب حرب يحرّض على الارهاب في العراق بكل الطرق والوسائل، فانه على خطا فضيع، وستُثبت له الايام هذه الحقيقة، ولكن: بعد فوات الأوان.

nhaidar@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الثاني/2014 - 21/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م