فرنسا في القارة السمراء.. محاربة إرهاب أم استعمار ناعم؟

 

شبكة النبأ: تسعى فرنسا من جديد الى بسط هيمنتها الاستعمارية في افريقيا التي اصبحت اليوم محط اهتمام الكثير من الدول الكبرى، التي تسعى الى فرض وجودها في هذه في القارة الغنية بالكثير من الثروات الدفينة كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان المعركة الحالية التي تقودها فرنسا وبدعم دولي بهدف القضاء على الإرهاب واحلال السلام في افريقيا التي تعاني الكثير من المشاكل والحروب الداخلية، ليست سوى مقدمة لمشروع كبير لتغير خارطة المصالح والثروات العالمية وتوزيعها بين الحلفاء، خصوصا وان الكثير من دول الاتحاد الاوربي قد دخلت اليوم في هذه الحرب المعلنة من خلال تقديم الدعم السياسي واللوجيستي الهادف الى مساعدة فرنسا التي تسعى الى الحصول على المزيد من الدعم والمساعدات خصوصا في حملتها الجديدة في جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني حرب أهلية طاحنة بين المسيحيين والمسلمين.

وفي هذا الشأن فقد اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انه سيطلب انشاء "صندوق اوروبي دائم" لتمويل التدخلات الطارئة في دول تشهد ازمات مثل التدخل الذي قامت به فرنسا في جمهورية افريقيا الوسطى. وردا على سؤال حول الوضع في افريقيا الوسطى، قال هولاند ان "اوروبا تعمل الكثير ولكنها تفعله بدقة، يجب ان يكون هناك صندوق اوروبي دائم وليس صندوقا لكل عملية". واوضح ان هذا الصندوق يتدخل "عندما لا نكون في عملية لحفظ السلام".

واشار هولاند الى ان "الامر لا يتعلق باننا القوة المسلحة ونريد ان يدفع لنا، لسنا مرتزقة ولا شرطة اوروبا". وقال ايضا ان "كل وضع يختلف" عن الاخر. واضاف "لا اريد ان اقع في التكرار. لم اصل الى السلطة كي اشن الحروب، انها الظروف" التي اوجبت هذه العمليات.

وتساءل هولاند في وقت سابق امام الجالية الفرنسية في ساو باولو "لو لم تكن فرنسا في افريقيا الوسطى فما الذي كان يمكن ان يحصل؟" واضاف "لو لم نكن هناك، هل كان الافارقة انفسهم سيكونون في افريقيا الوسطى، الامر ليس اكيدا".

الى جانب ذلك افتتحت قمة "فرنسا- أفريقيا" للسلام والأمن بباريس بحضور 40 من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية بهدف بعث روح جديدة في العلاقات الفرنسية-الأفريقية. وتبحث القمة حسب ألين لوغال، مستشارة الرئيس الفرنسي للشؤون الأفريقية عدة محاور، من بينها ملف الأمن والسلام في القارة السمراء وآلية دفع جديدة للاستثمارات والشراكة الاقتصادية بين فرنسا وأفريقيا، فضلا عن مشاكل المناخ والبيئة المطروحة بحدة في القارة، لا سيما في منطقة الساحل.

وترى ألين لوغال أن توفير الأمن والسلام في القارة الأفريقية شرط أساسي لدفع عجلة التنمية ولإطلاق مشاريع اقتصادية مشتركة جديدة بين فرنسا والدول الأفريقية. وفي سياق متصل قال بول جان أرتيز، المستشار الدبلوماسي لفرانسوا هولاند، أن قمة الإليزيه هي فرصة سانحة لبعث روح جديدة في العلاقات السياسية والاقتصادية بين فرنسا وأفريقيا التي تشهد نموا اقتصاديا يتجاوز 5 بالمئة، داعيا رجال الأعمال الفرنسيين إلى الاستثمار فيها، خاصة وأنها – أي أفريقيا- دخلت وبنجاح في عالم العولمة الاقتصادية حسب قوله.

وكانت ندوة عمل عقدت في وزارة الاقتصاد بباريس شارك فيها ما يقارب من 600 مستثمر أفريقي وفرنسي ووزراء اقتصاد حوالي 40 دولة أفريقية لبحث الصيغ الجديدة التي يمكن بموجبها تجسيد الشراكة بين الجانبين. وفي ختام أعمال الندوة، تعهد الرئيس فرانسوا هولاند، الذي ألقى خطابا طغى عليه الجانب الاقتصادي، بمضاعفة المبادلات التجارية بين فرنسا وأفريقيا خلال السنوات الخمس المقبلة. بحسب فرانس برس.

وقال هولاند: "لقد دقت ساعة أفريقيا، ينبغي على الشركات الفرنسية أن لا تتردد في الاستثمار في هذه القارة. بل عليها القيام بذلك لأنها قارة تشهد ديناميكية اقتصادية قوية وهي تعتبر قارة المستقبل". ولاستقطاب المستثمرين الأفارقة، تعهد الرئيس الفرنسي بتسهيل عملية منح التأشيرات للمستثمرين والفنانين والطلبة الذين يريدون المجيء إلى فرنسا.

وأشار هولاند إلى ارتفاع نسبة التأشيرات الممنوحة للمستثمرين الأفارقة في العام 2013 بـ13 بالمئة وأنها مرجحة للارتفاع أكثر في المستقبل. من جهته دعا وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فدرين في تقرير قدمه إلى إنشاء مؤسسة اقتصادية مشتركة بين فرنسا وأفريقيا من أجل التنمية في 2014 وإلى منح عدد أكبر من التأشيرات للمسؤولين والمستثمرين الأفارقة.

مكافحة الإرهاب

في السياق ذاته استبعد وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان الذي التقى الجنود الفرنسيين المتمركزين في بانغي، امكانية انزلاق فرنسا إلى مستنقع النزاع في افريقيا الوسطى، وذلك بعد اطلاق عملية سانغاريس التي تواجه في الوقت الراهن صعوبة في وضع حد لإعمال العنف. وقال لودريان مخاطبا جنود عملية سانغاريس العسكرية الفرنسية كان بعض الخبراء يقولون ان فرنسا بدأت تنزلق الى مستنقع مالي، ومن حسن حظنا اننا لم نستمع الى الخبراء. اقولها لمالي، واقولها ايضا لافريقيا الوسطى". وتابع لودريان اثناء زيارة الى معسكر بوالي حيث تنتشر القوات الفرنسية "جئت الى افريقيا لاحيي جميع القوات المشاركة في عمليات مكافحة الارهاب".

واكد الوزير ان "افكاري تذهب اليهما اولا"، مبديا "تضامنه مع عائلتيهما ورفاقهما". وشدد الوزير على ضرورة التدخل عسكريا في القارة الافريقية، مؤكدا ان "ضمان الامن في افريقيا هو ايضا ضمان الامن في فرنسا". وتابع "حين يحصل فراغ امني، يكون بؤرة لجميع اعمال التهريب وبابا مفتوحا لجميع انواع الارهاب". كما تحدث لودريان ايضا عن "الدور التاريخي" لفرنسا في افريقيا. وقال "هل ان فرنسا لم تسمع نداءات الدول الافريقية؟. هل ان فرنسا تهربت من مسؤولياتها التاريخية؟، إننا هنا ويجب الا يشكك احد في تصميمنا على انجاز هذه المهمة".

لكن الصعوبات تتراكم امام الجيش الفرنسي في افريقيا الوسطى، البلد الذي يبدو انه على شفير الحرب الاهلية والغارق في حلقة من عمليات الثأر المتواصلة بين مسيحيين ومسلمين الامر الذي دفع بالعديد من الخبراء للدعوة الى تعزيز التواجد العسكري الفرنسي لتفادي الانزلاق. واعتبر فرنسوا هايسبورغ من مؤسسة الابحاث الاستراتيجية في مقال نشرته صحيفة لوموند ان "جنودنا يقفون لوحدهم في مواجهة وضع محلي اكثر قساوة مما هو متوقع. لن يتحقق نجاح سريع وسيتعين على الارجح تعزيز قواتنا".

واقام السكان في الحي المسلم في شمال المدينة حواجز واحرقوا اطارات للاحتجاج على وجود مدرعات فرنسية في الشوارع. واخذوا على الجنود الفرنسيين "انحيازهم" ومساعدة الميليشيات المسيحية التي تشكلت ردا على التجاوزات التي ارتكبها اعضاء في تحالف سيليكا. والغموض لدى الحليف التشادي الذي يعتبر بمثابة القوة الاقليمية التي اوصلت الزعيم المتمرد السابق والرئيس ميشال دجوتوديا الى الحكم، جعل من مهمة الفرنسيين اكثر تعقيدا ايضا. وتشاد هي ايضا جزء من القوة الافريقية التي يفترض انها حيادية ولكن جنودها متهمون من قبل السكان بالتآمر مع اعضاء سيليكا السابقين.

الى جانب ذلك قدرت قيادة اركان الجيش الفرنسي ان ما بين ثلاثة الى ثمانية الاف عنصر من المجموعات المسلحة يوجدون حاليا في بانغي حيث يواصل الجنود الفرنسيون عملياتهم لنزع الاسلحة وفرض الامن. وقال المتحدث باسم قيادة الاركان العقيد جيل جارون ان "التقدير صعب جدا قد يتراوح العدد من ثلاثة الاف الى ثمانية الاف وذلك ردا على سؤال حول عدد المسلحين في عاصمة افريقيا الوسطى. ومعظم المسلحين الذين يجوبون العاصمة هم من المقاتلين التابعين لمتمردي سيلكا السابقين الذين سيطروا على السلطة في اذار/مارس 2013.

وكذلك تسلل مقاتلون مناهضون لسيلكا وتابعين للرئيس المخلوع فرنسوا بوزيزي الى الاحياء وبين السكان المسيحيين وهم مسلحون بالسلاح الابيض. وهناك اخيرا عناصر او عناصر سابقة من قوات الامن في افريقيا الوسطى التي تفككت كليا وقد احتفظ بعضهم بسلاحه الفردي وهم يحاربون في صفوف المناهضين لسليكا. بحسب فرانس برس.

ولا يوجد اي تقدير بالنسبة لمجمل البلاد. ويعيش حوالى مليون شخص في بانغي. وقال المتحدث باسم قيادة اركان الجيش الفرنسي ان "الاغلبية الساحقة من المجموعات المسلحة التي زرعت الرعب" عادت الى الثكنات. واضاف "المهم هو ان عدد الاشخاص القادرين على زرع الرعب في بانغي قد تقلص بشكل كبير".

شرطي أفريقيا

من جهة اخرى قال رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك آيرلوت ان العملية العسكرية التي تنفذها فرنسا في جمهورية افريقيا الوسطى هي "مسالة بضعة اشهر" مؤكدا ان بلاده لا تتصرف كـ"شرطي افريقيا"، وذلك غداة مقتل او جنديين فرنسيين في هذا البلد. واكد ايرلوت اثناء نقاش في الجمعية الوطنية الفرنسية غداة مقتل جنديين فرنسيين في افريقيا الوسطى، ان الرئيس الفرنسي قال بوضوح "تدخلنا سيكون سريعا ولن يدوم" طويلا مشددا على ان فرنسا لا تتصرف "كشرطي افريقيا" بل "استجابة لنداء شركائها الافارقة لمواجهة عاجلة توقيا من دوامة مجازر".

واستقبل رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك آيرولت رؤساء الكتل البرلمانية وابلغهم بسير العمليات بينما صدر في الوقت نفسه خبر سقوط اول قتيلين في صفوف الجيش الفرنسي في اشتباك خلال دورية قرب مطار العاصمة. ونوه جان مارك آيرولت "باجماع واسع من مجمل المشاركين" حول عملية سنغاريس التي انطلقت مباشرة عقب مصادقة الامم المتحدة على الضوء الاخضر للشروع فيها.

غير ان بعضهم طرح مشكلة عزلة باريس رغم ان الولايات المتحدة اعلنت انها تضع تحت تصرف العملية طائرتي نقل من طراز سي17 لنقل الجنود الافارقة خصوصا من بوروندي تلبية لطلب مساعدة من فرنسا. واوضح رئيس كتلة اكبر حزب معارض الاتحاد من اجل حركة شعبية اليميني كريستيان جاكوب للصحافيين "هناك بعض النقاط التي تثير قلقا وهي مدة هذا التدخل ووسائل تمويله وعزلة فرنسا". من جانبه اعرب النائب اندري شاسين باسم جبهة اليسار عن "شيء من الانزعاج" لان "فرنسا تتدخل مجددا بمفردها" وتخاطر بان "تظهر امام العالم بانها دركي افريقيا".

وبعد اشهر من التدخل الفرنسي في مالي، لم تثر عملية سنغاريس التي تجري بتفويض من الامم المتحدة، اي معارضة واضحة في هذه المرحلة رغم ان البعض ومن بينهم الوزير السابق برونو لومير، اعرب عن "قلقه" من تجدد التدخلات العسكرية الفرنسية. واعتبر رئيس الاتحاد من اجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبي ان "عدم التحرك والسلبية" ليسا "خيارا" في افريقيا الوسطى لكنه طالب بخريطة طريق واضحة.

وطلب المدافعون عن البيئة وهم حلفاء الاشتراكيين في الحكومة تصويتا في البرلمان على التدخل العسكري وشددوا على انه يجب ان يكون "اوروبيا" في حين نوه رئيس كتلتهم جان فانسان بلاسيه بحزم الرئيس. واعرب الحزب الشيوعي الفرنسي عن الاسف لان باريس لم تقترح "مشروع حل سياسي" واعتبر ما يقال عن ان التدخل سيكون قصيرا "اسطورة". بحسب فرانس برس.

واعتبرت الجبهة الوطنية (يمين متطرف) "هذا التدخل ضروريا من وجهة النظر الانسانية ومطابقا لمصالح فرنسا في المنطقة" التي قال انه "منطقة نفوذ ضرورية". وافادت الاستطلاعات الاولى حول سنغاريس نتائج متناقضة اذ ان 64% من الفرنسيين يعارضونها في استطلاع معهد اوبينيونه واي الذي اجري قبل التدخل بينما اعرب 51% عن تاييدهم في استطلاع اجراه معهد ايفوب بعد بداية التدخل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/كانون الثاني/2014 - 20/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م