الوحدة الإسلامية غاية هل يمكن تحقيقها؟

خضير العواد

 

الوحدة الإسلامية مصطلح جميل تهوي له القلوب المؤمنة وتتشوق له النفوس الطاهرة في كل مكان، لأنه يمثل الإسلام المحمدي الأصيل الذي يوجه الناس الى التآلف والمحبة والوئام والسلام، وهذا المصطلح انعكاس لكثير من الآيات القرآنية التي حثت على التوحد والإنصهار في بودقة واحدة عينها الله سبحانه وتعالى.

 تارةً أعطاها مصطلح الحبل حيث قال سبحانه وتعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وتارةً بالطريقة حيث قال سبحانه وتعالى (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا) وغيرها من الآيات التي حثت على التوحد، وقد فسرت السنة النبوية الشريفة هذه الآيات وبينتها للمسلمين، فالحبل والطريقة كليهما محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين حيث قال رسول الله (ص) (إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الأخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فأنظروا كيف تخلفوني فيهما).

 ومع هذا التناقض الهائل ما بين ما يريده الله سبحانه وتعالى وما يريده بعض المسلمين، فالله سبحانه وتعالى يريد الوحدة حول محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ورافعي راية الوحدة كلٌ يريدها على طريقته التي يحفظ بها طريقته بالتعبد لا طريقة الله سبحانه وتعالى، فهل يمكن لنا جمع المسلمين على طريق الهدى الذي أراده الله سبحانه وتعالى للعباد وفق الظروف التي يعيشها اليوم المسلمون ؟؟؟؟

 فهذا مستحيل بل ضرب من الخيال أن يتجه المسلمون قاطبةً الى طريق الله القويم بهذه السهولة بعد أن أخذت العداوة والبغضاء مأخذها منذ 1424 سنة الى يومنا هذا، فهل يمكننا أن نعطي التنازلات من أجل جلب المعاندين والمتعصبين الى طريق الوحدة، فهل الدين دين الله أم العباد ؟؟ فإذا كان دين الله فعلى العبد أن يطيعه في كل شيء (لأن العبودية هي الإتباع) ولا يمكنه أن يتجرأ في إعطاء أي تنازل لأن هذا يدفعه الى معصية الله سبحانه وتعالى، علماً لقد أصر علمائنا الأعلام الماضين منهم والأحياء على الثبات على كل المسائل الخلافية ولم يتهاون منهم أحداً في أي واحدة منها من أجل استمالة الأخر.

 فهذا كتاب (المناظرت بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة) لمؤلفه مقاتل بن عطية وهو من أقدم الكتب التي كتبت في هذا المجال حيث ألفه حوالي سنة 480 هجرية، حيث نلاحظ علمائنا يصرون بل يستميتون من أجل التأكيد على أن طريقة الوحدة الحقيقة التي أرادها الله سبحانه وتعالى هو التمسك بالقرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام، وأما ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ومسائل اللعن والمصائب التي تعرض إليها أهل البيت عليهم السلام وفي مقدمتهم مصيبة سيدة النساء عليها السلام وفضائل أهل البيت عليهم السلام ومثالب أعدائهم فهي من صميم كلامهم ومناقشاتهم، فهذا السيد العلوي الذي حاورة الشيخ العباسي في زمن الملك شاه السلجوقي نلاحظه أكد على كل المسائل أعلاه ولم يتنازل عن أي واحدة منها ولقوة دليله وحجته دخل الملك شاه والوزير نظام الملك التشيع مع قادته وحاشيته.

 وكذلك الشيخ المفيد و العلامة الحلي الذي غيّر إيران من التسنن الى التشيع ولم يتنازل عن مسئلة واحدة، وكذلك السيد شرف الدين الذي أفحم الشيخ شلتوت وأجبره بالدليل والعقل أن بالمذهب الجعفري من ضمن المذاهب الإسلامية ويدرس فقهه في الأزهر وغيرهم كثير ممن دخل النقاش مع أهل السنة، فالتوحد يجب أن يكون على أمر الله سبحانه وتعالى لا أمر الإنسان، فالأول يعني التعبد لله سبحانه وتعالى والثاني يعني المعصية ومن ثم النيران لا محال.

 فإذا لم يكن بإمكاننا توضيح الطريق بالشكل الذي يقبله الأخر لتعنده وتعصبه فعلينا أن ننشر مفهوم التعايش والاحترام المتبادل والقبول بالآخر، حتى ينعم الجميع بالود والسلام في هذه الحياة لأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، لهذا فالوحدة الإسلامية الحقيقية أي يصبح المسلمون أمةً واحدة فيها لا يمكن تحقيقها في زمن الغيبة بسبب تضارب المصالح الشخصية والعامة بالإضافة للتعصب الأعمى المدفوع من البغض والحقد الدفين لطريق الحق بالرغم من وضوح دلالاته وعلاماته.

 أما في زمن الظهور فالأمر مختلف كلياً لأن الاسلام المحمدي الأصيل سيطبق على جميع المعمورة وليس هناك اختيار لأن الذي يرفض أو يعارض فمصيره السيف لامحال، وهكذا فأن الوحدة الإسلامية غاية لا يمكن تحقيقها في زمن الغيبة بل الركض خلفها مضيعة للجهد والوقت والمال، لذا علينا أن ننشر مفهوم التعايش وقبول واحترام الأخر فهذه المفاهيم أكثر واقعية وأسهل للتحقيق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/كانون الثاني/2014 - 20/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م