شبكة النبأ: قبل لحظة الكتابة التي
شرعت بها، لم يكن لدي ادنى فكرة عما اريد كتابته، رغم وجود عناوين
كثيرة يمكن ان اكتب حولها.. وكل عنوان يستبطن فكرة، لكني بحاجة للحديث
عنها بكلمات تؤلف فقرات وجمل مقروءة..
لماذا اكتب؟.
لا سخر من نفسي..
وهي سخرية مرّة، من فشلي في الوصول الى مثال اعلى، وعدم القدرة على
الارتقاء اليه..
الكتابة محاولة للاقتراب من هذا المثال، عبر التقدم خطوة والتراجع
خطوتين، لكنها محاولة..
في الماضي تطاير الغبار في شوارع المدينة رغم قلة عدد السيارات، في
الحاضر الغبار يتطاير بعد كثرة عدد السيارات، في المستقبل الغبار
سيتطاير حتى لو استعضنا عن السيارات بالطائرات او القطارات..
كيف تصبح غير ما أنت عليه؟، او كيف تكون شخصا غيرك؟.
تطمح الى تغيير تلك الصورة الراهنة، لصورة أخرى، لا يهم الطريقة، (استنساخ
– تقمص – تماهي) ماذا يتبقى منك؟.
تستعين بالآخرين، بكتب التنمية الذاتية، والبرمجة العصبية، وغيرها
من موضوعات تلقى رواجا تجاريا، تستدعي الثروة مقابل الفقر، والقوة
مقابل الضعف، والوسامة مقابل الدمامة، وهم الأفضل وتوهّمه في مقابل
الواقع..
فانت على حالك حتى اللحظة، لم تغادر منطقة الفقر، ولم تحصل على قوة
خارقة، ولم تشبه نجوم السينما..
كيف تصبح كاتبا في عشر دقائق؟
افتح صفحة الفيسبوك، ادخل اسما في خانة التسجيل الجديد، ادخل كلمة
سر من عدد من الاحرف والأرقام، انقضت ثلاث دقائق.. ضغطة زر، لديك صفحة
باسمك، هنيئا لك..
هل تعرف هؤلاء الأشخاص؟، الوجوه النسائية أولا.. دعوة للاشتراك في
لعبة المزرعة السعيدة.. انقضت تسع دقائق.. بما تفكر؟ (نظرت فريال من
الغربال وضحكت الامال).. عشر دقائق، أصبحت الان كاتبا..
في الماضي تطاير الغبار، في الحاضر يتطاير الغبار، في المستقبل
سيتطاير..
ليتني كنت روائيا او قاصا قصيرا (منحوتة من قصة قصيرة وليس من
الطول) فتأمل.
لسردت رواية (السرد يشابه الثرد) الأولى كلام، والثانية خبز، تذكرت
بيت الشعر، او نسيته بالأحرى حول سنابل القمح الفارغة.. وحدها في الحقل
شامخة ترفع راسها متحدية الطيور والغربان.. لا يمتحن تحديها.. الممتلئة
محنية الراس، محنية الظهر، لامتلائها بالحياة والخير والبركة.. من قال
ان الانحناء علامة خنوع؟.
هل لهذا نحن لا ننتصر ونعيش دوما منهزمين وشعاراتنا هي (ابدا لا
ننحني، ابدا لا نركع)؟.
امامك المثال السابق، انحناءة الحياة والخير والبركة.. وامامكم عابد
يصلي.. كل انحناءة لربه خطوة نحو التحرر وكسر للاغلال.. لكنه عابد في
حياة متخيلة وليس له زمن في (سنوات الكلاب).
وهو عنوان رواية للكاتب الألماني غونتر غراس كتبها بعد الحرب
العالمية الثانية عن هول الفظاعات لغطرسة القوة وهي تنشر الموت..
لماذا سنوات الكلاب وليس القطط؟ استدراك متأخر لا اريده ان يختفي،
لسببين:
لأنها تتوسل وتتمسح باقدام ولي نعمتها، ولأنها ثانيا اذا جاعت بشدة
تتحول الى حيوانات مفترسة، يستعين بها الدكتاتور لتصفية خصومه، نهشا
وتقطيعا..
تناقلت الاخبار اعدام دكتاتور كوريا الشمالية لعمه بهذه الطريقة،
استنكرها العالم المتحضر، لانه لا يرضى للكلب ان يكون جلادا او قاتلا،
فهو صديق صدوق لهم، الإعدام بالكلاب ارتقى به الابن البكر لطاغية
العراق وقاد النمور لتنفيذه، رغم استعمال الكلاب في مناسبات أخرى، لكن
ابن القائد الضرورة لا يشبه الاخرين، انه يشبه نفسه..
سنوات الكلاب استعيرها لأنها شديدة التحقق في واقعيتها العراقية وان
من ناحية أخرى..
ماذا عن الخوف، المقيم الابدي في الذات العراقية؟.
الخوف يسكنه في الماضي، يطارده في الحاضر، ينتظره في المستقبل.. وهو
هارب منه على الدوام..
الخائف في كل احواله متعثر ومرتبك الخطوات، كثير الترنح، كثير
السقوط، كثير اللهاث، كثير التصفيق.. هل لهذا نرفع الطغاة بأيدينا ولا
نركلهم بإقدامنا؟.
لدي ما أفكر فيه الان..
الطاغية يعيش على خوفي، وأنا اديم حياته، أسقي جذوره واجعلها اكثر
صلابة في الأرض، ارميه بحجر، يرد علي بعشرة منها، انها المساحة التي
يتحرك عليها، يثيره منظر الدم النافر منا نحن الاثنين، العنف يرسّخه
اكثر في مساحته ويجعلني شبيها به..
وهو مثلي يسكنه الخوف ويقيم فيه، وهو مثلي خطواته متعثرة، يداي
تسنده وتحميه من السقوط، تصفيقا او رميا للحجارة، ماذا لو توقفت عن
التصفيق وعن رميه بالحجارة وبدأت بقطع جذوره؟ سينهار حتما..
لا أقصد انهيارا كانهيار تماثيل صدام حسين، فجميعنا شاهدنا الجندي
الأمريكي وهو يدخل الى تلك المساحة التي يتحرك فيها الطاغية، وشاهدنا
التصفيق لسقوط التمثال، هل استطعنا قطع جذوره خلال عشر سنوات؟.
لم نفعل، مساحة الجذور تتسع، وتمتد الى كل ارض بكر يمكن ان نفكر،
مجرد التفكير، في ارتيادها..
أخيرا اختم بهذا التعريف للشعر في سنوات الكلاب للأديب المصري بلال
فضل يقول: الشعر ما اشعر وقشعر.. واضيف اليه و(قشمر)، اليس اعذب الشعر
اكذبه كما قال نقادنا الأوائل..
اطمح أن تصدقوني، وتصدقوا سخريتي من نفسي.. |