الانتخابات القادمة وعنق زجاجة الانبار

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: يبدو واضحاً أن حرب الشوارع في مدن محافظة الانبار، لاسيما في مدينة الرمادي والفلوجة، لا تتجه الى حسم عسكري، بقدر ما تبحث عن مكاسب سياسية مع قرب موعد الانتخابات في شهر نيسان القادم. ويرى بعض المراقبين ان رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي يتسنّم منصب القائد العام للقوات المسلحة، قد حاول  دفع الاحداث بهذا الاتجاه من خلال خلق عدو مشترك لجميع السياسيين العراقيين الطامحين للفوز في الانتخابات القادمة، وهو تنظيم "دولة الاسلامية في العراق والشام" والمعروفة اعلامياً باسم "داعش"، وذلك نظراً للطابع الدموي والإرهابي التي طبع نهجها وعملها خلال الحرب في سوريا. لذا نجد الجميع ينفي عن نفسه الارتباط علناً بهذا التنظيم، ويدّعي أن من يحمل السلاح في الانبار هم من العراقيين، وليس أناس قادمون من خارج الحدود.

المعارك الجارية في الانبار جاءت بعد سلسلة تداعيات أمنية مصدرها ما يسمى بـ "ساحات الاعتصام" وهي عبارة عن مناطق صحراوية تضم اعداداً كبيرة من الخيام يتواجد فيها متظاهرون محتجون على سياسات الحكومة في بغداد، وقد مر عاماً كاملاً على قطعهم الطريق الدولي الى الاردن وسوريا، مما شكل تحدياً سافراً أمام الدولة والحكومة، لاسيما بعد التأكد من تحول هذه الخيام الى معاقل للإرهابيين والتكفيريين، وارتكاب العديد من جرائم القتل ضد جنود ومدنيين، وقبل أن تشهد مناطق الاعتصام تصعيدات أمنية، وخلال السنة الماضية نفذت الحكومة سلسلة من المطالبات منها إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين والمعتقلات، بيد ان الاعتصام بقي على حاله، كما ان الاطراف التي تقف خلفه لم تشأ خسارة هذه الورقة الاخيرة للضغط على الحكومة لكسب المزيد من الامتيازات.

وقد مثل هذه الجبهة الخلفية كلاً من النائب السابق لرئيس الوزراء رافع العيساوي والنائب السابق أحمد العلواني، الذين فضلا خوض المنافسة السياسية من على صحراء الانبار، حيث بإمكانهم التعكّز على دعامتين: الاولى عسكرية – ارهابية، تتمثل بتنظيم "داعش" وعملياته الإجرامية الدموية، والثانية؛ سياسية – مالية تتمثل بالموقف السعودي والقطري المساند بدوافع طائفية.

بعد أن ثبت الدعم السياسي والمالي والإعلامي (سعودياً)، والدعم العسكري والإرهابي (داعش)، أمام الرأي العام العالمي، بدا إن كل شيء جاهز لعملية تصفية حساب بين الحكومة، وشخص المالكي وبين معارضيه في الانبار، وهذا ما أكسبه تأييداً دولياً واسعاً، ربما يكون للمرة الاولى، حيث أعلنت واشنطن ولندن وباريس على التوالي مباركتها للإجراءات العسكرية ضد الارهاب و"داعش"، حتى الأمم المتحدة دخلت على خط التأييد والمباركة، على لسان أمينه العام، "بان كي مون" الذي قدم هذا التأييد شخصياً الى المالكي خلال زيارته الاخيرة الى بغداد. وإقليمياً دخلت تركيا على الخط ايضاً لتلتحق بالعواصم الغربية وتثبت سياساتها الجديدة في التعامل مع الجماعات الارهابية سواء في سوريا أو في العراق.

المراقبون السياسيون لاحظوا حرص المالكي حتى هذه اللحظة على عدم التورط في تبني الحرب ضد الجماعات الارهابية في الانبار بشكل منفرد، مع قدرته على تحشيد القوى واستقدام الخبرات والمعدات الامريكية، لذا فانه حمّل العشائر القاطنة تحديداً في الرمادي والفلوجة مسؤولية طرد الجماعات الارهابية من الاراضي العراقية قبل الحديث عن أي اتفاق او تحقيق مكاسب او إعطاء امتيازات.

وهذا بحد ذاته وضع السياسيين السنّة أمام استحقاق جديد، إما البقاء على تعكزهم واعتمادهم على الجماعات الارهابية مثل "داعش" وغيرها للضغط على الحكومة، وهذا يكلفهم المزيد من الخسارة السياسية والمادية والبقاء بعيداً عن مصدر القرار، وربما يتحولون بمرور الزمن الى حواضن رسمية للجماعات الارهابية القادمة من خارج الحدود، وهذا ما يفقدهم الشرعية الدولية، وربما حتى الشرعية من الداخل السنّي.

أما الخيار الآخر ، وهو الأقرب الى الواقعية، فهو البحث عن مكاسب سياسية من خلال التفاوض والحوار. وهذا ما ذهب اليه سياسيون في بغداد أكدوا أن التصعيد العسكري الاخير، ربما يدفع الرموز السنّية داخل الانبار الى التطلع لمنافسة أقرانهم من السياسيين الموجودين في العملية السياسية، أو لاثبات قدرتهم وجدوائيتهم في تحقيق مطالب الشارع السنّي في الانبار، بل وفي سائر المناطق. لاسيما وإن الانزعاج واضحاً على سلوك ومواقف هؤلاء من المكاسب التي يجنيها المالكي من المعارك الدائرة، وهو جالس في بغداد، فيما يتكبدون هم خسائر فادحة، ليس أقلها فقدان الأهالي الأمن والاستقرار وسقوط الشهداء من المدنيين، مع أوضاع إنسانية قاسية.

لكن الأمر لن يكون سهلاً، نظراً لقلة خبرة العشائر في التعاطي مع السياسة، إذ هناك مائز كبير بين رموز سياسية خاضت العمل السياسي خلال السنوات الماضية، مثل صالح المطلك وسليم الجبوري وأسامة النجيفي وغيرهم، وبين شخص مثل أحمد ابو ريشة، الذي يحمل صفة "رئيس مؤتمر صحوة العراق"، وهو اسم يرمز الى الاطار القانوني الذي يضم الافراد المتخلّين عن الجماعات الإرهابية، والمنضوين تحت لواء الحكومة، وهذا تحديداً هو الذي يجعل من السهل الوقيعة بين العشائر الانبارية نفسها، عندما اتهم وسام الحردان، قائد صحوات الانبار، أحمد ابو ريشة بالاتصال بقادة "داعش" في بيته "للاستفادة منهم لتصفية خصومه السياسيين.."، ويوجه الحردان خطابه اللاذع الى كتلة "متحدون" في مجلس النواب التي ينضوي فيها أبو ريشة وتضم معظم المكون السنّي، ويتهما بالتهاون والتورط في الدماء التي سالت في الانبار، ثم إن هذا التصريح الذي أدلى به الحردان من خلال وسائل الاعلام، يأتي بعد تجاهله من قبل المالكي والاعتماد بدلاً منه، على أبو ريشة، كونه يحمل صفة سياسية، وبإمكانه التفاوض مع سائر العشائر للسيطرة على الأوضاع في الانبار، ويكون حلقة الوصل بينهم وبين الحكومة، بل والعملية السياسية.

لكن ما يريد المالكي تحديداً من العشائر في هذه البرهة الزمنية؟

هنالك اعتقاد لدى المراقبين، إنه يرمي الى هدفين يصيبهما بحجر واحد: الاول: شريان الدعم المالي من السعودية وقطر، بعد أن كسب الامتياز السياسي ضد السعودية بمواقف امريكية شاجبة للرياض على دعمها الجماعات الارهابية. وبالنتيجة الوقوف بوجه التدخلات السعودية والخليجية في الشأن العراقي.

والأمر الثاني: كسب المزيد من التأييد الجماهيري استقبالاً  للانتخابات، والأهم من ذلك تعزيز الاحتمال بحصوله على ولاية ثالثة لرئاسة الحكومة، وهذا ما يقرأه الشارع السنّي بشكل جيد منذ نصب أول خيمة اعتصام في الانبار وايضاً في مناطق اخرى في العراق، لذا نجد أن الساسة وايضاً شيوخ العشائر الذين دفعهم المالكي لخوض الصراع ضد الجماعات الارهابية، لا يخسرون بسرعة أوراق الضغط، وفي مقدمتها وأقواها نفس هذه الجماعات، حيث بات معروفاً أن دعمهم لهذه الجماعات يمثل شيكات مالية سخية وسيارات وأسلحة ومعونات مختلفة من السعودية وقطر تقدم لدعم ما يصفونه بـ "المجاهدين" في الانبار الذين يقاتلون لتحقيق مطالب السنّة في العراق.

من هنا؛ فان الحكومة بحاجة الى المزيد من العمل وتقديم الأكثر لكسب العشائر جميعها في الانبار وايضاً في المناطق الاخرى، وليس تفضيل شخص على آخر، أو دعم عشيرة وجماعة وتجاهل أخرى. مما يسهل عملية الاختراق من قبل الجماعات الإرهابية، ومن وجهة نظر إعلامية، فان العشائر السنية تبحث عمن تطمئن اليه بالوعود والاتفاقيات على حل جميع المشاكل العالقة، ولا يكون سبباً في إحراجها امام جماهيرها، وهذا يحتاج – حسب وجهة النظر الاعلامية ذاتها- الى وعي وذكاء خاص من لدن الحكومة بطبيعة المجتمع السنّي من الناحيتين؛ العقائدية والسياسية، مما يجعلهم مكتفين من أي تدخل او يد معونة خارجية.

 بمعنى أن الحكومة، وشخص المالكي الذي يعد صاحب القرار الاخير، مطلوب منه في المجتمع السنّي لأن يمثل مصالحهم وحقوقهم ومطالباتهم، قبل التفكير بطموحه السياسي في الانتخابات القادمة، وخلق الدليل والبرهان على هذا، هو بحد ذاته بحاجة الى حنكة وذكاء خاص. لذا نرى، ويرى المراقبون حرص الانباريين بشكل عام على عدم التنازل والتراجع في ساحة المواجهة، مع اقتراب موعد الانتخابات، وليس أدلّ على ذلك، التعارض والتقاطع المستمر بين بعض العشائر التي يقاتل ابنائها مع تنظيم "داعش" في الفلوجة والرمادي من جهة، وبين العشائر الموالية للحكومة، ومجلس محافظة الانبار من جهة أخرى، على تفاصيل التحركات العسكرية في ساحة المواجهة، مع وجود الاتفاق الضمني وغير والمكتوب على وحدة المصالح السنّية المطلوب الحصول عليها من بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الثاني/2014 - 19/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م