شبكة النبأ: من الظواهر السياسية
الخطيرة التي تعاني منها المجتمعات المتأخرة، ومنها مجتمعاتنا
الإسلامية والعربية، ظاهرة التهميش السياسي التي ترافق معظم الحكومات،
من اجل الحفاظ على المناصب والكراسي والامتيازات لها وحدها، ولحزبها،
وبطانتها، والمقربين والمتعاونين معها، لتحقيق وتنفيذ ما يحمي مصالحها
واهدافها.
ولعل المتفحص للتاريخ السياسي الإسلامي العربي المنظور والراهن،
سيكتشف هذه الظاهرة بوضوح ومن دون بذل الكثير من العناء او الذكاء،
ونعني بها قضية التهميش الحكومي للاخرين، ونبذ وتعطيل مبدأ التداول
السلمي للسلطة، لأن الحكومات الاسلامية والعربية القائمة حاليا، او تلك
التي تنتمي للتاريخ المنظور، غالبا ما تكون سببا في نشر وترسيخ ظاهرة
الاقصاء، بمعنى لا تؤمن بالمعارضة، إلا بحدودها الشكلية التي تصنعها
الحكومة نفسها، وهذه الصناعة لا تفي بالغرض، ولا تحقق اهداف الاطراف
الاخرى في ادارة السلطة والشأن السياسي للدولة، فتبقى مبعدة عن صناعة
القرار، ويؤدي هذا التهميش الى صراعات مستمرة وقوية، تؤدي بدورها الى
صنع الاضطرابات المختلفة، التي تتسبب في شل الحياة، واضعاف الاقتصاد،
وبقاء الشعب في حالة يُرثى لها!.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي
(رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (تحطم الحكومات الإسلامية
بمحاربة العلماء)، حول قضية الصراع بين السلطة والمعارضين لها: إن
الحكومة المستبدة تقوم (بمحاربة الشعب اعتقالاً وسجناً وتعذيباً ونفياً،
وأحياناً إعداماً، وربما مصادرة للأموال وألف شيء وشيء. وهذا هو السر
في المحاربة الواقعة بين الحكومات والشعوب في البلاد الإسلامية، بينما
نشاهد الشعب في الغرب يعمل ـ عادة ـ وفق الحكومة، والحكومة تعمل وفق
الشعب وتراعي مصالحه فلا محاربة بينهما، بل كثيراً ما يكون بينهما
الانسجام الجيّد).
حقوق الرأي الآخر
لا يفهم بعض القادة السياسيين ماذا تعني الحقوق السياسية او حتى
المدنية، بل يذهب بعضهم الى عدم أهميتها، فالسياسة بالنسبة لمثل هؤلاء
الحكام، تعني طاعة الشعب العمياء للحاكم وحكومته، لهذا لا يحتمل هؤلاء
صوت المعارضة، وسرعان ما يلفقون لها التهم المختلفة، من اجل إقصائها من
الحياة السياسية، وأحيانا إجبارها على النفي، والمهاجرة الى بلدان اخرى،
عندما يشعر المعارضون بالخطير الحكومي السلطوي الذي يحيق بحياتهم ويهدد
عوائلهم وحياتهم جميعا، عند ذاك لا يبقى امام المعارضين سوى الاستمرار
بنهجهم المعارض وفق جميع السبل المتاحة داخل وخارج البلد، الامر الذي
يقود الى اضطرابات مستمرة وصراعات قائمة بين الحكومة ومعارضيها، وهذا
سبب أساسي من اسباب تخلف هذه الدول، لانها تنشغل بالاضطرابات والصراعات
وتهمل بناء الدولة والمجتمع.
لذلك لابد للحاكم والحكومة أن تمنح الرأي الاخر مساحة كافية من حرية
القول والعمل ايضا بما يساند الحكومة ويصب في ترسيخ عمل مؤسسات الدولة
الدستورية، وهكذا لا يكون الرأي الاخر معادي أو يعمل على تهديد مكانة
وحصانة الحكومة ومؤسساتها، كما تعلن الحكومات عن معارضيها!، لهذا ليس
بالضرورة أن يتفق رأي المعارضة مع رأي الحكومة، لأن الرأي هنا يفقد
قيمته، ولان الرأي الاخر متنوع ومختلف وهو لا يلتقي مع آراء الحكومة
حتما، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (إنّ الرأي العام مجزَّءٌ
ومتنوعْ، أي انه غير موحد، له اتجاهات متباينة وقاسم مشترك يبلور ذلك
الرأي العام).
وهكذا يوجد قاسم مشترك للآراء، وربما تلتقي هذه الاراء وفق قاسم
مشترك يوحّد بينها، فالنتيجة المطلوبة هي مصلحة البلاد، ولابد أن
تتنبّه الحكومات الى قضية مشاركة الجميع في صناعة القرار، كذلك لابد من
ارساء قواعد ودعامات العدالة في ابعادها كافة، لاسيما العدالة السياسية
والاجتماعية، حيث يتحقق السلم بين الحكومة والمعارضين لها، وتقوى
مؤسسات الدولة، ويعمل الجميع تحت مظلة الدستور المستفتى عليه، لنصل
بالنتيجة الى انسجام سياسي مجتمعي، نتيجة لامتناع الحكومة عن تهميش
الاطراف المعارضة لها.
الإقصاء والتداول السلمي
من المشكلات المستعصية التي تعاني منها الشعوب المتأخرة، غياب أو
انحسار التداول السلمي للسلطة، وغالبا ما يعود السبب لاستئثار حاكم او
حزب معين بالسلطة، واقصاء الآخرين بشتى السبل والطرائق، وهذا هو منهج
الحكام الطغاة كما بينت لنا تجاربنا مع الحكام، فهناك ترابط وثيق بين
الطغيان وانعدام مبدأ التداول السلمي، حتى الاحزاب يمكن ان تكون سببا
في هذا الفقدان للسلم السياسي، فالحزب اذا استخدم الاساليب الديمقراطية
بصورة صحيحة، يمكنه ان يقدم قائدا محنكا وحكومة جيدة، بمعنى إن الامر
يشبه التربية، أي تقوم الاحزاب بتدريب اعضائها على رفض الاقصاء، وترسيخ
مبدأ التداول في التعاطي مع السلطة، واحترام الرأي، أي لابد أن نتعلم
جميعا هذا المنهج، لاسيما من يعمل بالسياسة، الاحزاب والشخصيات
المستقلة، لذا الحزب مسؤول عن تربية اعضائه على رفض التهميش للصوت او
الرأي المعارض.
يقول الامام الشيرازي في كتابه (الشورى في الاسلام)، في هذا المجال:
(إنّ كلَّ حزبٍ لابد أن يعلن خياراته ومرشحيه وأن يجعل الناس قادرين
على اختيار المذهب السياسي الذي يريده الحزب). وبهذا يتعلم الجميع
احترام الرأي، واهمية الايمان به، وعندما نتعلم ونعتاد احترام الآراء،
سوف نتعلم كيفية الابتعاد عن الاقصاء والتهميش عند التعامل مع الاخرين،
حتى لو كنا خارج السلطة.
أما المسؤولية الاساسية بخصوص ظاهرة التهميش السياسي ونشرها
وتعميقها كمنهج عمل، فإن الحاكم الاعلى هو النموذج القادر على تحييد
مخاطر هذه الظاهرة بمساعدة حزبه (اذا كان ينتمي الى حزب)، وبمساعدة
المعاونين المخلصين له وللشعب، وكذلك المقربين منه، لأن مسؤولية
الادارة السياسية في الشؤون الداخلية والخارجية تقع على الحاكم الاعلى
وحكومته، وتستوجب التعامل العادل مع الجميع بما في ذلك المعارضين، لذا
لابد للحاكم أن يتعامل مع الناس بما يرضي الله تعالى، وأن يضمن العدالة
للجميع من اجل الحفاظ على قيمته كحاكم، واذا حدث العكس فلا قيمة للحاكم
عند الشعب.
لهذا يقول الامام الشيرازي في كتابه (تحطم الحكومات الإسلامية
بمحاربة العلماء): (إن الحاكم الذي لا يساير الناس ولا يعمل بقوانين
الله لا قيمة له). |