خلال الفترة الماضية، عاود زعيم حزب يوجد مستقبل ووزير المالية
الإسرائيلي "يائير لابيد" إلى الظهور مجدداً على الساحة السياسية
الإسرائيلية وكأنّ هناك دافعاً للجدية الزائدة التي ألمت به، وخاصةً
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث كان كلما قفز وسط مناصريه أو صعد
على منبرٍ أمامهم، سارع بدعوة حكومته إلى اقتناص الفرصة، بوجوب السعي
للتوصل إلى اتفاقية مع الفلسطينيين، لاعتقاده أن هناك فرصة حقيقية
للتوصل إلى تسوية سياسية، للرغبة في الانفصال عنهم والطلاق منهم.
لم تتجدد تصريحات "لابيد" هذه، وبهذه اللكنة من غامض علمه، وخاصةً
بعد أن خضع بين يدي رئيس الحكومة "بنيامين نتانياهو" ومتمرسين آخرين،
لعملية ترويضه مكثفة، خسر خلالها جوهر مبادئه التي كانت شكّلت برنامجه
السياسي، أو تحييدها بشكلٍ كاملٍ على الأقل، لتتماشى مع سياسات الحكومة
المختلفة وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، لكن نشاطات أولئك المنتمين
لحزبه الذين يؤيدون إحلال السلام مع الفلسطينيين، هم من اضطرّوه ليقول
مثلما قال. حيث قامت أعداداً منهم بالتظاهر أمامه وأعضاء كنيست أخرين،
إلى جانب تنظيم مظاهرات مماثلة في أنحاء التقاطعات الإسرائيلية،
للتعبير عن دعمهم للحزب، في شأن حثّه للضغط على الحكومة، لإجراء
محادثات مع الفلسطينيين، والتوصل إلى اتفاق سياسي. وإن كان ذلك ليس من
أجل عيونهم، بل بهدف إلى الانفصال عنهم، وأن لا تضطر إسرائيل في يومٍ
ما، لاستيعاب 4 مليون فلسطيني داخل الدولة، كما وليس بأي حال أن يُفهم
منها على أنها أجراس سلام!، وإنما للرغبة في تحقيق مفهومات إسرائيل
اليهودية التي تشكّل عقدة الموسم التفاوضي الحالي.
صحيح أن "لابيد" يمكنه فعل شيء، ولكن ليس أكثر من إسقاط الحكومة وقد
هدد فعلاً بحلّها ذات مرّة، بسبب أنها لا تعمل بنشاط بخصوص الاتفاقات
الائتلافية المسبقة معها، باتجاه القضايا المصيرية والمتعلقة على
الصعيد الداخلي بقضايا التجنيد، وعلى الصعيد الخارجي فيما يتعلق
بالمسألة الفلسطينية، ولكنه بالمقابل لا يريد التخلّي عن مكاسب حزبه
داخلها، كونها تعطيه هيبة سياسية معتبرة وذات شأن، وخاصةً في الوقت
الذي يشهد فيه رصيده السياسي هبوطاً متنامياً، بسبب خيبة أمل ناخبيه
المستضعفين، لا سيما وهو يتمنطق بوزارة المالية، من أن يسعفهم بشيء
ممّا وعدهم أولاً، بعد أن كشف عن عضلاته التي جمعها خصيصاً، لضرورة رفع
معنوياتهم ولتنطيق أوضاعهم الاقتصادية إلى الأحسن، وهو من المفروض في
نظرهم أنه لم يتخلّ عن حمل لواء الطبقة الوسطى في الدولة.
من المعلوم، أنه من السهل على "لابيد" أو غيره أن يتفوّه بمثل هذا
الكلام، بسبب أنّه مجرد ثرثرة وحسب، وغير محسوب بثمن، كما ليس عليه
رسوم جمركية أو ضريبة إضافية، ولهذا فهو يقول وهو لا يدري ما يقول
وكأنه في عالم مختلف وذو سياسات مختلفة.
فهو يريد اقتناص الفرصة وانتاج حل يسمح بطلاق الفلسطينيين، وكأنّ
هناك فرصة مواتية لالتقاطها، وكأن كان هناك زواج في الأصل كي يتم
الطلاق منهم، ويريد ببساطة تحليل ذلك الطلاق، من غير كدٍ ولا نصب، ومن
غير دفع الثمن وتكاليف الطلاق، مع استمرار إسرائيل لسياستها القائمة،
وخاصةً في شأن الاستيطان والاحتفاظ بالقدس، وضم الأراضي.
يجب علينا تذكّر أن "لابيد" هو نفس الزعيم المتناغم تماماً مع
الزعيم الأصولي الديني المتشدد "نفتالي بينت" الذي يقود البيت اليهودي،
والذي هو غير مستعد للتخلي عن أيّة ذرة ولو صغُرت من تراب الوطن، بعدما
التزما منذ البداية وفي ظل الظروف السياسية التي يعرفانها جيداً، بحلف
دموي، ألاّ يدخل أحدهما الحكومة من غير الآخر، وأيضاً انسجامه وتكامله
الواضحين مع بقية الأحزاب اليمينية الأخرى وعلى رأسها الليكود، الذي
يقود السياسة الإسرائيلية الحالية، بمعزل عن المجتمع الدولي، وعن جزءٍ
كبيرٍ من الإسرائيليين أنفسهم، وإن كان نحو الهاوية.
فمنذ الوقتٍ السابق، كان يؤمن، بأنّه لا توجد مبررات لتغيير سياسة
الحكومة فيما يتعلق بالاستيطان، معتبراً أنه لا يشكّل أيّة معوقات في
جهود التسوية، بعد أن ورد في برنامجه الانتخابي، بأنه يرى المستوطنين
الذين يعيشون في هذه المناطق صهاينة حقيقيين، وبأنه مضطر إلى معارضتهم
والطلب إليهم بأن يُضحّوا بمشروع حياتهم من أجل سلامة الدولة وبقائها،
كما لا يرى أيّة غضاضة في شأن التمسك بالقدس كونها عاصمة إسرائيل
الأبدية. ولدى "لابيد" أيضاً، بأن على إسرائيل الاحتفاظ لنفسها بالحق
في العمل من أجل أمنها داخل (أراضي الدولة الفلسطينية) المستقبلية، ما
احتاجت إلى ذلك. هذا بعض ما تضمنه برنامجه السياسي.
ولا شك، فإن التصور القائم لدى رأسه الناعم في الظاهر والصلب في
الخفاء، هو بالضبط نفسه أو أقرب إلى الشبه بالتصور السياسي لدى
"نتانياهو" وعموم حكومته، عن أنه يجب التخلي عن الفلسطينيين، وعن ضرورة
تطبيق حل الدولتين للشعبين. لكنهم يحتفظون لأنفسهم في كيف سيتم ذلك
التخلّي؟ وأين –هم مقتنعون- أن تكون حدود هاتين الدولتين؟ أو بالأحرى،
وبغض النظر عن أن إسرائيل معلومة الحدود لديهم على الأقل، فهم لا
يعلنون صراحةً عن أين ستكون الدولة الفلسطينية الجديدة؟ وفيما يتعلق
بمكانة القدس يثرثرون بالكلام نفسه الذين يؤكّدون بأن القدس عاصمة
إسرائيل الأبدية ووحدتها رمز قومي لليهود أينما كانوا.
هذه هي التصورات – المجهولة- هي التي يريد "لابيد" أن يؤسس عليها
فكرة الطلاق مع الفلسطينيين، وإن كنّا لا نعرف بالضبط فيما إذا كان
الطلاق بالثلاثة، لتتمكن إسرائيل من نوال يهوديتها بوسيلة أو بأخرى أم
طلقة واحدة تكفي. من أجل ضرورة التواصل لأجل نفقة ما بعد الطلاق على
سبيل المثال.
* خانيونس/فلسطين |