أخلاقيات التغيير.. الإيمان بإمكانية التغيير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: روي عن الامام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) في تفسير هذه الآية المباركة (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) انه قال: الزهد كله بين كلمتين من القرآن، ومن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالاتي فقد اخذ الزهد بطرفيه..

الاسى هو الحزن والقنوط.

والحزن استجابة للخسارة متعددة الوجوه، اخص وجه فيه هو الفقدان، فقدان شخص تربطنا به علاقة قوية أو شيء اثير على قلوبنا.

في الحزن نركز على موضوع الفقدان، وهو استجابة عاطفية طبيعية، وهو له ابعاد رصدها لنا الباحثون في سيكولوجيا الانسان، منها جسدية، معرفية، سلوكية، اجتماعية وأبعادا فلسفية.

الحزن ردة فعل وهو تجربة إنسانية، كثيرا ما نعيشها وخصوصا في حالات وفاة اشخاص نحبهم، والفجيعة التي كثيرا ما ترافق الحزن، هي ردة الفعل على الفقدان.

ردة الفعل والتجربة الإنسانية على فقدان اشخاص واشياء، جبل الانسان عليها، وهي في طبيعة تكوينه، لكنها تأخذ ابعادا متطرفة في التعبير عنها لدى معظمنا، وتجعلنا اسرى مشاعرها السلبية.. من خلال معرفة هذه الحقيقة يتساءل المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، اذا كان الانسان قد جبل على الحزن لفقد شيء ما او الفرح بما كسب، فهل يستطيع ان يغير نفسه بان يجعلها لا تحزن على ما فاتها ولا تفرح بما اوتيت؟.

صحيح ان التغيير صعب ولكنه ممكن. ولئن قيل في المثل (ان الطبع الذي في البدن لا يغيره الا الكفن) اي لا يتغير حتى الممات، فان هذا انما يصدق على الانسان المسلوب الارادة، وليس على العالم صاحب الاراد والوعي، هذا اولا.

وثانيا ليس المقصود تغيير جذور الطبيعة والعنصر الثابت فيها، بل المقصود التحكم في درجات الشدة والضعف والاثار واللوازم التي تترتب عليها. فنفوس الناس ميالة في الغالب للدعة والراحة، ولا رغبة لها في الاعمال التي تتطلب جهدا مضاعفا كطلب العلم مثلا، ولكنا نرى بعضهم يتغير بفعل الضغوط المختلفة سواء من ذاته او من الاخرين، فيشمر عن ساعد الجد ويصبح عنده شوق الى الدراسة بحيث يتحمل سهر الليالي وشظف العيش من اجل الوصول الى هدفه.

اجل، يختلف الناس في سرعة التغير وشدته. فبعض الطباع تتغير بسرعة وبعضها يتغير ببطء. وكلما استحضر الانسان المنافع التي سيجنيها او المضار التي سيدفعها من خلال التغيير، زاد من سرعة تغيره..

وكما تختلف النفوس في هذا، فكذلك تختلف الغرائز والطباع في قوتها وضعفها، وكذلك قد تختلف ظروف البيئة والتربية وعوامل الوراثة وغيرها، الا ان الامر المسلم ان اصل التغيير ممكن.. اذا كان الامر كذلك، فكيف يستطيع الانسان ان يكيف نفسه لكيلا تأسى على ما فاتها ولا تفرح بما اوتيت؟.

للاجابة نقول: هناك طريق واحد، حيث كل الطرق ترجع اليه، وهو بان يتذكر الانسان دائما ان كل شيء امانة في رقبته وعارية لديه، وان الامانة لابد من ارجاعها يوما الى صاحبها ومالكها الحقيقي، واذا استطاع الانسان ان يركز على هذا الامر فستخف الوطأة عنده شيئا فشيئا حتى يبلغ مرتبة يصدق عليه انه لاييأس على ما فاته ولا يفرح بما أتاه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/كانون الثاني/2014 - 17/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م