تعليقاً على مشروع ميثاق القيم في إقليم كيبيك الكندي

ياسر الحراق الحسني

 

 يسعى الحزب الإنفصالي (Parti Québécois) في إقليم كيبيك الكندي إلى شرعنة ما بات يعرف ب"ميثاق القيم". ميثاق يتم بموجبه حضر إرتداء كل ما من شأنه التعبير عن الدين من لباس مثل الحجاب بالنسبة للمسلمات والكيباه بالنسبة لليهود وما شابه.

 الحظر يشمل فقط وظائف الحكومة الإقليمية في كيبيك لأن الدستور الفدرالي الذي لم تتبناه رسمياً مقاطعة كيبيك يحمي تعدد الثقافات وتعبيراتها المعقولة على كل المستويات وفيها الوظائف الفدرالية. ولقد طرح الحزب الإنفصالي الحاكم بأقلية برلمانية على مستوى المقاطعة مسألة التأكيد على علمانية الدولة ومؤسساتها، بما يقتضي ذلك من فرض لعلمانية المظهر على العاملين في مؤسساتها أثناء أداء عملهم.

يرى المدافعون على "ميثاق القيم" أن لباس الرموز الدينية فيه نوع من الدعاية الدينية أو التبشير، إضافةً إلى ايحاءات متعارضة مع قيم العلمانية مثل الإيحاء بعدم المساواة بين الجنسين في مثال إرتداء الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة. وإعتراضاً على معقولية الميثاق، نناقش أهم الأفكار التي بني عليها ليس من باب الإنتساب إلى فئة دينية ما، ولكن من باب إختبار صحة هذه الأفكار ما دام النقد موجه إلى الحزب الإنفصالي في كيبيك الذي يلزم نفسه بالعقلانية فلسفياً وإجتماعياً.

حول منع الميثاق للدعاية الدينية في مؤسسات الدولة

إن القول بأن منع موظفي الدولة من إرتداء رموز دينية مثل الحجاب (إسلام) أو الكيباه (يهودية) أو العمامة (سيخ) قول لا يستند على أساس علمي. فلا توجد أي أبحاث علمية أو نتائج دراسات تشير إلى حالات تغيير الأديان بين مكونات المجتمع الكيبيكي خاصة أو الكندي عامة تعود إلى إرتداء الرموز الدينية من طرف الموظفين في مؤسسات الدولة. والموجود هو عكس ذلك، بمعنى وجود موظفين في مختلف القطاعات من تعليم وصحة وأمن وجمارك على المستوى المحلي والفدرالي دون أن يسبب ذلك أي نقاش إجتماعي على الإطلاق، لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى الفدرالي.

ومن الاشكالات التي يمكن طرحها على منظري الحزب الإنفصالي تجد قضية حصرهم للرموز الدينية داخل المؤسسات في لباس الموظفين، في حين أن الرموز تتعدى اللباس لتشمل الطوبونيميا والتشييدات الحكومية. ففي الطوبونيميا الحال يقتضي بموجب أفكار الحزب الإنفصالي تغيير كل أسماء الشوارع والساحات العمومية التي تحمل أسماء رموز دينية وهي كثيرة. وكذلك تدمير تماثيل توجد في المؤسسات وتعود لرموز دينية. كما يتعين كذلك ازالة الصليب المشهور المعلق داخل البرلمان الإقليمي في كيبيك. واستحالة الإقدام على مثل هذا يضع الحديث عن تنحية الرموز الدينية حديثاً يفتقد إلى شمولية التعاطي مع الموضوع. وكذلك يفقد إلى التحليل الواقعي لتداعيات منع الرموز الدينية في المؤسسات التي قد تصل إلى ما وراء موضوع لباس الموظفين كما سبق تبيانه.

إقليمياً لا يمكن تبرير إثارة هذا النقاش بأكثر من لعب حزب الأقلية الإنفصالي على عامل العاطفة من أجل أهداف سياسية. وذلك عن طريق إختلاق مشكل والإيحاء بوجود تهديد هو في حد ذاته تهديداً وهمياً للعلمانية. وما دام هدف الإنفصاليين الفرنسيين هو التميز عن الثقافة السياسية الكندية المستوعبة والضامنة لتعدد الثقافات، فإنه من المعقول الإعتقاد بأن الحزب يريد تسجيل الإختلاف عن طريق رفضه للتعددية الثقافية في المجتمع الكيبيكي. فالمسألة لا تعدو كونها دغدغة لمشاعر الإنفصاليين أساساً وتخويفاً للحريصين على العلمانية من أجل كسب اصواتهم في الإنتخابات القادمة.

حول التمييز بين الجنسين

إنه من المغالطة إدعاء الحزب الإنفصالي بأن إرتداء الحجاب يعني عدم المساواة بين الجنسين الشيء الذي لا يجب أن يظهر في المؤسسات الحكومية. ويعكس هذا القول عدم الإعتماد على مختصين في علم الإجتماع والدين من أجل فهم فلسفة الحجاب. ومما لا خلاف حوله كون الحجاب يدور حول ستر المرأة لما يعتقد بإثارته لغريزة الرجل، ويختلف نوع الحجاب لدى مسلمي كندا بإختلاف الثقافات. فإذا كان ستر ما يعتقد بإثارته للغريزة عند الحزب الإنفصالي يعبر عن عدم المساواة بين الجنسين، فهذا يلزم الحزب بقبول وجود لعدم المساواة بين الجنسين عندما تستر نساء الوقاية الجزء العلوي من جسدهن في المسابح العمومية التابعة للدولة. فهل يلزم الميثاق نساء الوقاية بكشف ثديهن من أجل المساواة مع الرجال كما يريد إلزام المحجبات نزع الحجاب من أجل المساواة مع الرجال!!

ومن المسائل التي لم يتنبه لها منظرو الحزب الإنفصالي في حملهم على الحجاب هو كونهم بذلك يقومون بتمييز كبير ضد المرأة. ولو كانوا اعتمدوا على أبحاث في تمظهرات الرموز الدينية لوجدوا كيف أن ترك اللحية أو قليل من اللحية (حسب المدارس الدينية وإختلاف الإجتهادات) يعد رمزاً دينياً في حد ذاته يحمله الرجل. فإذا تمت المصادقة على هذا الميثاق ومنعت المرأة من إرتداء الحجاب لأنه رمز ديني في حين لا يمنع الرجل من ترك اللحية أو قليل منها مع كون ذلك رمزاً دينياً كذلك فإننا نكون أمام تمييز واضح بين الجنسين. وعليه يمكن التأسيس للقول بأن الميثاق الذي أريد منه تعزيز العلمانية وتحرير المرأة يشكل خطراً على تمتعها بحق العمل الحكومي ويميز ضدها في قضية إرتداء الرمز الديني المعقول.

في الختام يمكن القول بأن مشروع ميثاق القيم الذي دشنه الحزب الإنفصالي في كيبيك ليس بالمشروع القابل للتطبيق. وعلاوةً على وجود جهات توعدت باللجوء إلى المحكمة الكندية العليا في حال إقراره كقانون، فإن خروج بعض الزعامات في نفس الحزب وتعبيرهم عن وجود مبالغة في طروحات الميثاق تنبئ بعدم إمكان تمرير الميثاق كما هو الآن على الأقل. ولا يستبعد إدخال تعديلات مهمة عليه قبل اقراره من طرف برلمان إقليم الكيبيك في الأشهر القادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/كانون الثاني/2014 - 17/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م