أسطورة زواج أم كلثوم من عمر

محمد الصفار

 

شبكة النبأ: إن مما يؤسف له حقاً أن الكثير من الكتّاب يتعبّدون بالروايات الموضوعة في النقل، ويعتمدونها، ويعتبرونها من المسلمات، دون التأمّل فيها، ودون محاكمة العقل، والرجوع إلى الحقائق التاريخية، ومراجعة السند والراوي.

ونحن نعلم دون شك أن أغلب المؤرخين هم من موالي السلطة، وخاصة في العصر الأموي بالذات، حيث راجت أسواق بيع الذمم، وكثر وضع الروايات المكذوبة، العارية من الصحة، والتي تناقض تماماً الحقائق التاريخية.

ومن يسبر غور تاريخ تلك الفترة وما بعدها يجد أن الحقائق قد طُمست، وأن الأكاذيب قد روّجت ودونت، وأصبحت لدى المؤرخين الذين جاؤوا بعد تلك الفترة نصوصاً لا تقبل الشك. فدوّنوها دون تمحيص وتدقيق، أو حتى تأمّل.

من هذه الروايات الموضوعة: رواية زواج السيدة أم كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) من عمر بن الخطاب، والذي كُثر عنه الحديث عند البعض لغايات سياسية ومذهبية، وهو زواج وهمي، أسطوري ابتدعه وعّاظ السلاطين لمقتضى السلطة في ذلك الوقت، وتناوله المؤرخون تناول المسلمات، وأنكره كل من: العقل، والمنطق، والتاريخ.

فكل الحقائق التاريخية بصدد هذا الموضوع تشير إلى أن السيدة أم كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) تزوجت من ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب ولم تتزوج غيره لا قبله ولا بعده، كما تزوجت أختها السيدة العقيلة الحوراء زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) من ابن عمها أيضاً عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مصداقاً لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما رأى بنات علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأولاد جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وهم صغار:(بنونا لبناتنا وبناتنا لبنينا).

ورواية زواجها من عمر موضوعة بلا شك، فكل الدلائل التاريخية، والعقلية تشير إلى ذلك، وأول دليل على كونها موضوعة هو أن أول من قال بها كان من المتأخرين جداً عن تلك الفترة ـــ أي الفترة التي عاشت فيها السيدة أم كلثوم وعمر ـــــ ولم يروها أحد قبله من الذين عايشوا هذه الفترة ولا الفترة التي بعدها، ثم إن الرواي كان من الوضّاعين، كما كان متهماً في عقيدته.

فراوي هذه الرواية أو بالأحرى واضعها هو (الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام) الذي لا يختلف اثنان من المؤرخين وغيرهم على كذبه وتدليسه، ووضعه للحديث والرواية، كما لا يختلف اثنان على أنه كان من أشد الناس عداوة لأهل البيت ـــــ ومتى أحب شخص من آل الزبير أهل البيت ـــــ؟!!

والروايات التي ذكرها المؤرخون حول كذبه ووضعه للحديث كثيرة جداً حتى عدّه (أحمد بن علي السليماني) من زمرة من يضعون الحديث في كتابه (الضعفاء)، وليس أدل على هذا الكتاب من اسمه حيث ذكر في ترجمة الزبير بن بكار مجموعة كبيرة من أقوال المؤرخين في كذبه وتدليسه، كما وصفه السليماني بأنه ــــ أي الزبير بن بكار ــــــ (منكر الحديث).

ولم تقتصر حياة هذا الكذّاب على الكذب فقط، بل كان من الذين يبيعون دينهم بدنياهم ـــــ إن كان لهم دين أصلاً ــــ، وممن يتسترون بالدين للحصول على مآربهم فقد كان مرتزقاً بالحديث، ومن وعّاظ السلاطين كما جاء في ترجمته في كتاب (معجم الأدباء) لياقوت الحموي ما نصه: (كان ـــ أي الزبير بن بكار ــــ قد صنّف كتاباً سمّاه بـ (الموفّقيات) نسبة إلى الموفق طلحة بن المتوكل ولي العهد وفيه ما يناقض مذهبه ويخالف عقيدته الزبيرية). هذا كلام الحموي في ابن بكار، فلا نستبعد من هذا الذي يبيع عقيدته ودينه من أجل المال أن يضع ما شاء من الأحاديث.

إننا لا نعتب على مثل هذا المرتزق، ولكن عتبنا على من تناول روايته الموضوعة التي نحن الآن بصددها بغير تمحيص، ولا إسناد صحيح.

ولعل من أكبر الأدلة التي تنفي هذه الرواية هي الطريقة التي تم بها هذا الزواج الوهمي، والتي لا يرتضيها أي إنسان غيور فضلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى من؟ على ابنته السيدة الفاضلة أم كلثوم (عليها السلام).

إن الحقيقة مهما طال إخفاؤها ومهما تلاعبت بها اليد الآثمة فإنها ستظهر وتسطع كالشمس. فنحن الآن نعيش في عصر التقنية والانفتاح والاختلاط الجامعي وغيره وهو عصر أدنى كثيراً من العصر الذي كان في صدر الاسلام في الحفاظ على المفاهيم الدينية، والقيم والمبادئ الإنسانية، ولكن رغم ذلك لا أحد يجرؤ على تزويج ابنته بتلك الطريقة التي وضعها الزبير بن بكار الكذّاب، ونسبها إلى أقدس شخص بعد رسول الله وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإلى ابنته السيدة الجليلة أم كلثوم(عليها السلام).

لقد وضع هذا الكذّاب في سرد هذه الرواية طريقة تتماهى مع نفسه الدنيئة وأخلاقه الوضيعة، والله إني لأستحي أن أذكر هذه الرواية، وقد آليت على نفسي ذلك ولكن لإطلاع القارئ على النفسية الخبيثة التي حملها ابن بكار، واستلزاماً للموضوع بإعطاء الصورة الواضحة على زيف هذا الزواج، سوف أذكرها نصاً كما ذكرتها المصادر كما في الاستيعاب 2/773، والإصابة 4/469، وأسد الغابة 5/615، في ترجمة السيدة أم كلثوم(عليها السلام).

تقول هذه الرواية: (خطبها ــــ أي أم كلثوم ــــ عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب فقال: إنها صغيرة، فقال له: زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، فقال له علي: أنا أبعثها إليك فإن رضيتها فقد زوجتكها، فبعثها إليه ببرد، وقال لها قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت ذلك لعمر، فقال: قولي له: قد رضيت، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟! لولا انك أمير المؤمنين لكسرت أنفك، ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء فقال: يا بنية إنه زوجك)!!!!!

سوف أترك الحكم والتعليق على هذه الرواية للقارئ الكريم كما أترك الخيار له كي يسأل نفسه هل يرتضي هو أو أي إنسان آخر أن يزوج كريمته بهذه الطريقة؟!!!

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد تخبّط المؤرخون في ظلام الجهل وعموا وصمّوا في تخبّطهم إلى الحد الذي زوّجوا أم كلثوم من الأموات!! أجل زوّجوها من الأموات في قبورهم فلنر ذلك في كلامهم كما في الطبقات الكبرى 8/463، والبداية والنهاية 5/309 ما نصه:

(تزوجها ــــ أي أم كلثوم ــــ عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ، فلم تزل عنده إلى أن قتل، وولدت له زيد بن عمر ورقية بنت عمر، ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، فتوفي عنها، ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، فتوفي عنها، فخلف عليها أخوه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب، فقالت أم كلثوم: إني لأستحي من أسماء بنت عميس أن أبنيها ماتا عندي وإني لأتخوف على هذا الثالث، فهلكت عنده ولم تلد لأحد منهم شيئا)!!!!!

والله إن هذه الرواية لتضحك الثكلى، وتنسيها نفسها ومصيبتها، ولو كنتُ في زمن هؤلاء المؤرخين لأشرت عليهم بوضع فصل خاص في تواريخهم عن (زواج الأموات من الأحياء)!!!

إذ أنهم لما لم يستطيعوا أن ينكروا زواج أم كلثوم من ابن عمها عون بن جعفر وهو زوجها الوحيد، وإن رواية زواجها الموضوعة من عمر تتصادم مع هذه الحقيقة، ماذا فعلوا؟ أوقعوا أنفسهم في مأزق من حيث لا يشعررون، فقد جعلوا عوناً زوجاً ثانياً للسيدة أم كلثوم!! فرووا أنه تزوجها بعد مقتل عمر وهم أنفسهم وغيرهم وكل المصادر التي ترجمت لعون أشارت إلى أن عون بن جعفر استشهد في يوم (تُستر) سنة (17) ه في خلافة عمر. وعمر قتل سنة (23) ه أي بعد استشهاد عون بسبع سنين فكيف يتزوج عون منها بعد عمر؟ هل بعث من قبره؟ أم تزوجها في قبره؟ لا أدري؟.

كما بلغ عمي هؤلاء وهوسهم بالموضوعات والخرافات أن جعلوا لأم كلثوم زوجاً ثالثاً وهو محمد بن جعفر الذي استشهد مع أخيه عون في نفس اليوم (تستر). والطامة الكبرى التي جاء بها هؤلاء أنهم جعلوا لها إبناً وبنتاً من عمر سموهما زيد ورقية!!

ولكي يتفادوا الحديث عن هذين الوليدين الذين هما من نسج الخيال وعن سيرتهما وممن تزوجا؟ وكيف ماتا؟ فماذا فعلوا؟

لقد أعدوا لكل ذلك طريقة على نهج الزبير بن بكار راويتهم الساحر الديدبان، لقد أماتوا زيداً هذا وهو بعمر ست سنوات مع أمه!!! أقول أماتوه لأنه لم يكن موجوداً أصلاً، أما رقية فقد ضاع أثرها، وهي لو كانت حقيقة كما يدعون وليست شخصية خرافية فإنها لن تكون شخصية مغمورة يتغاضى عنها التاريخ الذي رصد حركات وسكنات من هي أقل شأناً منها فهي ستكون ابنة خليفة وحفيدة خليفة ومن بنات النبي والزهراء.

فهل مثل هذه الشخصية لو كانت حقيقية تُخفى على المؤرخين؟ وهل كان سيخفى عليهم ممن تزوجت؟ وكم أنجبت من أحفاد لعمر؟ ومتى توفيت؟ وكيف؟ وأين قبرها؟ كما نرى الآن قبور سيدات بيت النبوة في الشام ومصر.

ثم هناك مغالطة أخرى وقع فيها المؤرخون وما أكثر مغالطاتهم حيث ذكروا في رواية موت أم كلثوم وابنها انه صلى عليهما عبد الله بن عمر وخلفه الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وكبر عليهما ثلاثا!!!

وهذه المغالطات كلها تكشف نفسها أمام الواقع التاريخي فإن أم كلثوم كانت حاضرة يوم كربلاء وقد مضى على وفاة أخيها الحسن(عليه السلام) أكثر من عشر سنين وشهدت مقتل أخيها الحسين(عليه السلام) وذكرت كل المصادر التاريخية حضورها في الكوفة والشام مع السبايا من آل محمد، وماتت بعد رجوعها من الشام، فكيف يصلّي الأموات عليها؟ إذن فهناك اقتراح ثانٍ على المؤرخين، وهو وضع فصل خاص باسم (صلاة الأموات على الأحياء).

ثم هناك مغالطة أخرى، وهي كيف يرضى عبد الله بن عمر لنفسه صلاة يؤم بها الحسن والحسين وهما ابنا رسول الله، وسيدا شباب أهل الجنة؟ نترك الجواب للمؤرخين الذي أساؤوا إلى كل الشخصيات التي أدخلوها في هذه الرواية المكذوبة لعن الله واضعها.

ويستمر الهوس والتخبّط في هذه الرواية فتحمّل معنا عزيزي القارئ متابعة الموضوع ولا تفقد أعصابك من أجل الحقيقة وحدها.

جاء في (الاستيعاب 2/733)، (والإصابة 4/469)،(والبداية والنهاية 5/309): (ان عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألفا).

وجاء في (أنساب الأشراف للبلاذري 2/190): (أنه أصدقها مائة ألف درهم)!!!

توقفت المزايدة على مائة ألف درهم عند المؤرخين ولا أدري لماذا لم يزيدوا إذا كانت هذه المزايدة لا تخسرهم شيئاً؟ ولنستمع إلى عمر نفسه وهو يكذّب أقوالهم كما روى (ابن الجوزي في الأذكياء 217): (قال عمر لا تزيدوا في مهر النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي الغصة ــــ يعني يزيد بن الحصين الصحابي الحارثي ــــ فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال).

ونترك الحديث قليلاً للرد على هذا التخبّط إلى الشيخ المفيد (رحمه الله) ثم نعود إليكم لمواصلة هذه الرحلة المضحكة المبكية، قال الشيخ المفيد في المسائل السروية:

(إن الخبر الوارد في تزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته من عمر غير ثابت، وهو من طريق الزبير بن بكار، وطريقه معروف، لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم.... والحديث نفسه مختلفاً، فتارة يروي: ان أمير المؤمنين (عليه السلام) تولّى العقد له على ابنته، وتارة يروي: عن العباس أنه تولى العقد له عنه، وتارة يروي: انه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروي: انه كان من اختيار وإيثار. ثم ان بعض الرواة يذكر ان عمر أولدها ولداً سماه زيداً، وبعضهم يقول: انه قتل قبل دخوله بها، وبعضهم يقول: ان لزيد بن عمر عقباً، ومنهم يقول: انه قتل ولا عقب له، ومنهم من يقول: انه وأمه قتلا، ومنهم من يقول إن أمه بقيت بعده، ومنهم من يقول: إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: أمهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم. وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف فيه يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على كل حال).

رحم الله شيخنا المفيد وقدس مثواه فقد قوّض هذه الرواية، وكشف زيفها، وكذبها، وحمل عنا الكثير من هذه الردود، فإذا خطب عمر أم كلثوم فما شأن العباس من هذا الأمر؟ وأبوها أمير المؤمنين(عليه السلام) موجود؟ وإذا كان أمير المؤمنين(عليه السلام) غير راضٍ فإنهم قد أساؤوا إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وعمر معاً فكيف يزوج أمير المؤمنين(عليه السلام) ابنته غصباً وكيف يقبل عمر بذلك؟ وقد خطب عمر أم كلثوم بنت أبي بكر بعد وفاة أبي بكر فرفضت عائشة فامتنع عمر عن معاودتها كما سيأتي مفصّل هذه القصة في هذا الموضوع فلم يجرؤ عمر على الزواج منها غصباً. وهل أن بني تيم أمنع وأحمى لنسائهم من بني هاشم وآل أبي طالب وهم أشجع العرب كي يزوجوا ابنتهم غصبا؟ لا إله إلا الله.

ثم هناك حقيقة تاريخية تنفي هذا الزواج من أصله وتجعل هذا الزواج منافياً للعقل، والمنطق، والناموس الطبيعي البشري، ولا يمكن أن يعزوه إنسان إلا إلى نسج الخيال فإن السيدة أم كلثوم ولدت في السنة السادسة للهجرة ومن المعروف أن عمر قتل سنة (23) ه فإذا أخرجنا أثنتي عشرة سنة وهي ست سنوات من الهجرة قد انقضت حتى ولدت أم كلثوم وست سنوات من عُمر ابنها المفترض زيد يكون اثنتي عشرة سنة أضف إليها تسعة أشهر وهي فترة الحمل الطبيعي عند المرأة فيكون ثلاثة عشر سنة وعلى هذا الأساس يكون عمر قد تزوج أم كلثوم وعمرها عشر سنين كأعلى حد أو دون ذلك وهذا مما لا يعقل ولا يقبله منطق عاقل والفارق الكبير في السن يجعل من هذا الزواج مستحيلاً.

نعم ممكن أن يكون زوجها وهي في ذلك السن من شاب يكبرها قليلاً كعون بن جعفر بل يكون هذا الزواج طبيعياً جداً.

ولم يقتصر نفي هذا الزواج على المفيد، فقد أنكره العديد من أعلام الشيعة المتقدمين والمتأخرين، حيث صنّف الشيخ البلاغي (رحمه الله) رسالة خاصة لم يدع فيها مجالاً للشك على بطلان هذا الزواج، كما أنكره الدكتور (لبيب بيضون) في (موسوعة كربلاء) (ج2 ص 640) بقوله: (ذكر السنة أن عمر بن الخطاب خطب إلى الإمام علي (عليه السلام) ابنته الصغيرة أم كلثوم في قصة أسطورية وهذه البنت أمها فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي ماتت واجدة عليه لما فعل بها، وقد أكد الشيخ المفيد أن القصة عارية من الصحة بل هي من نسج الخيال وقد حبكت لغرض سياسي بحت وهو نفي الخصومة التي كانت بين الإمام علي وزوجته الزهراء (عليهما السلام) وبين الشيخين بشأن الخلافة والشورى وغصب فدك وحرق بيت فاطمة).

كما نفى هذا الزواج السيد جواد شبر في (أدب الطف) ص 76: حيث قال: (وأما الرواية التي تقول إن أم كلثوم قد تزوجها عمر بن الخطاب فهي عارية عن الصحة...) كما لم يقتصر نفي هذا الزواج على الشيعة فقط إذ أنكره الذهبي وهو من مؤرخي السنة فعندما أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/142 تعقبه الذهبي في التلخيص فقال: منقطع والحديث المنقطع السند يكون مهملاً.

ونكتفي بهذه الأدلة التاريخية وأقوال الأعلام ببطلان هذا الزواج فمن شاء فليؤمن بالحقيقة ومن شاء أن يجحد فعليه ضلاله.

ينبغي على المؤرخين أن يكونوا أمناء في نقل الحقائق والحوادث التاريخية ولا يتخبّطوا في الأسماء. نعم لقد تزوج عمر من أم كلثوم ولكن أية أم كلثوم هي إنها أم كلثوم بنت جرول الخزاعية ـــ أم عبد الله بن عمر ــــ كما خطب عمر أم كلثوم أخرى وهي أم كلثوم بنت أبي بكر كما ورد في التواريخ من خطبتها وقصة هذه الخطبة انه: (قال رجل من قريش لعمر بن الخطاب ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر بن أبي قحافة فتحفظه بعد وفاته وتخلفه في أهله؟

قال عمر: بلى، إني لأحب ذلك، فاذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك وعد إلي بجوابها.

فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر، فأجابته إلى ذلك، وقالت له: حباً وكرامة.

ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة فقال لها: مالك يا أم المؤمنين؟ فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إن هذه جارية حدثة، وأردت لها ألين عيشا من عمر.

فقال لها: عليّ أنا أكفيك، وخرج من عندها فدخل على عمر فقال: بالرفاه والبنين، قد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله، وخطبتك أم كلثوم.

فقال: قد كان ذاك.

قال: إلا أنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق في أهلك، وهذه صبية حديثة السن، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها وتصيح يا أبتاه فيغمك ذلك، وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر فيبكون عليه، فتتجدد لهم المصيبة به مع قرب عهدها في كل يوم.

فقال له: متى كنت عند عائشة واصدقني؟.

فقال: آنفا.

فقال عمر: اشهد أنهم كرهوني فتضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت وقد أعفيتهم.

فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر، وأمسك عمر عن معاودتها.

وأظن أن كل هذه الأدلة كافية على بطلان هذا الزواج من أساسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/كانون الثاني/2014 - 16/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م