الكسل ومتاهة الآثام

قراءة تحليلية في حديث نبويّ شريف

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الكسل حالة تصيب الانسان، عندما يفقد الايمان بنفسه، وقدراته، وعندما يسيطر عليه اليأس لأسباب عديدة، أهمها وأكثرها تأثيرا، رغبة الانسان نفسه بالراحة، والميل الى عدم بذل أي جهد، في مجال التفكير أو العمل، فالانسان الكسول، يخلو رأسه وعقله من التخطيط والرغبة او الطموح لبلوغ هدف معين، وكل ما يريده، الراحة، والتهرّب من اداء أي عمل، يتطلب قدرا من الجهد او التعب، من اجل الانجاز، والكسول يعرف ان الانسان حتى يستحق العيش، عليه أن يعمل، ويؤدي واجبات لابد منها، ومع ذلك لا يعنيه هذا الامر من بعيد أو قريب، لأنه غائب في حالة من الكسل، تحد من تفكيره ورغبته بالحركة، او التقدم او الانتاج في أي مجال كان!!.

وهناك علامات، يمكن من خلالها الكشف عن حالة الكسل التي تتلبس بعض الناس، فتجعل منهم كالدمى، من دون حياة أو فعل ينتمي الى الانسانية!، من هذه العلامات، الافراط في التواني، ثم تعرض الكسلان للضياع بسبب الافراط، ليقوده الضياع أخيرا الى دوّامة المعصية ومتاهة الآثام!!.

يقول الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث شريف: (للكسلان ثلاث علامات، يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم).

إن هذا الحديث الشريف يبيّن لنا بوضوح العلامات التي تلازم الانسان الكسول، فهو يضاعف في حالة الخمول التي تنتابه الى درجة الافراط، ويبقى مستمرا على حالة العجز من دون مبرر، فالافراط هنا في الكسل أمر ليس له سبب ولا تبرير معقول أو مقبول، سوى حالة العجز، والميل نحو السكون والراحة وتفضيل النفس على الاخرين، لان الانسان عندما يبقى خاملا لن ينتج في هذا الحالة حتى ما يسد رمقه، ويبقيه على قيد الحياة، لذلك سوف يكون ثقيلا على الاخرين حتى لو كانوا من المقربين له، عائلته، او اصدقاؤه، لان المريض فقط هو من يستحق الاعانة، والكسول ليس مريضا ولا مصابا بعاهة دائمة، انه كسل وتهرّب من العمل غير مبرر، لذا فإن الافراط في الخمول والميل الدائم والمتواصل للكسل، علامة واضحة عن الانسان المتكاسل.

ولعل العلامة الاولى التي تدل على الانسان الكسلان، لا تكتفي بنفسها!!، فتقوده الى علامة أخرى أشد وطأة وثقلا من الاولى، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، فالافراط في الكسل اذا ما بدأ، ربما لا يتوقف عند حد معين، فيتسبب بضياع الانسان في متاهة العجز والخمول والشلل، وعدم الرغبة في العمل والانجاز بصورة كلية، وهو امر قد يؤدي في كثير من الاحوال الى فقدان الانسان لعلاقاته السليمة مع الناس، بل مع اقرب الناس اليه، فلا احد يحترمه حتى افراد عائلته قد تنبذه، كونه يشكل عائقا لها، فهو انسان يأكل وينام بلا انتاج يذكر، وربما الانسان الكسول نفسه لا يحترم ذاته، بسبب خموله، ومع ذلك يبقى في حالة عجز وتكاسل!!، ويضيع بسبب إفراطه في الكسل، كما تبيّنَ ذلك في الحديث النبوي الشريف.

أما العلامة الثالثة، فإنها تأتي كحلقة من سلسلة مترابطة للعلامات التي وردت في وصف الحديث النبوي الشريف، وتكون هذه العلامة الاخيرة أشد وطأة على الانسان الكسلان من العلامتين السابقتين، فنتيجة لحالة الضياع التي تكتنف حياة الكسلان، سوف ينخرط مرغما في المعاصي التي لاحدود لها، حيث يقوده الضياع الى ارتكاب الاثم بصورة متواصلة، من دون أن يتمكن الكسلان من تحاشي هذه المشكلة التي ستقوده الى نهاية لا يحمد عقباها، ولا أحد يحسده عليها، وهكذا نلاحظ كيف يواجه الانسان الخامل، سلسلة من الاخطاء الكارثية المتتابعة، حيث تبدأ البداية بالصمت على حالة الافراط، والقبول بها وعدم مواجهتها بحزم، لتقوده هذه الى علامة او حالة ثانية، تؤدي به الى الضياع، وهذه العلامة الثانية، تقوده بدورها الى أسوأ العلامات والحالات، وهي الدخول في ارتكاب المعاصي ومعاقرة الآثام، وهذه الحالة كما هو معروف تقود الانسان الى السقوط الكلي، حيث ينبذه المجتمع، بل ينبذه اقرب الناس إليه، أهله وأصدقاؤه، والمقربون منه!.

لذلك على الانسان الذي يجد في نفسه بداية ميول نحو الكسل، أن ينتفض على نفسه، ويحذرها من هذا الخطر الكارثي، لأن معالجة الكسل والعجز في بدايته، يمكن للانسان أن يعالجه ويضع حدا له، لكي لا يخسر مكانته وقيمته في المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه، فضلا عن تحقيق رسالته كإنسان عليه واجبات في هذه الحياة، مثلما له حقوق فيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/كانون الثاني/2014 - 14/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م