أوباما بعد عام شاق... تحديات إستراتيجية وأجندة طموحة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في العالم الماضي واجه الرئيس الاميركي الرابع والاربعون باراك أوباما تحديات داخلية وخارجية جمة تجسدت في خلافاته السياسية المستمرة مع الجمهوريين على إصلاحات تتعلق بقضايا الرعاية الصحية والاقتصاد والهجرة على المستوى المحلي، أما على المستوى الدولي فقد اتسمت السنة الماضية بالقرارات والمواقف المتقلبة من لدن إدارة أوباما تجاه الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وشابتها إخفاقات غيرت بوصلتها السياسية تجاه هذه المنطقة المضطربة أمنيا وسياسيا وتوجهت أولويات الرئيس الامريكي تجاه القارة الصفراء.

كما شهد هذا العام علاقات متوترة مع روسيا والصين وافغانستان حيث الوجود الاميركية بعد 2014 ليس مؤكدا حتى الآن، يمكن لاوباما التأكيد على نجاحه في تحسين العلاقات مع ايران، وهذا ما ادى الى تراجعت العلاقات الأمريكية مع السعودية حليفتها في الخليج تراجعا ملحوظا بعد الانجذاب الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، فيما واجهت إدارة أوباما خيارا صعبا بين العمل العسكري لتغيير النظام في سوريا لكنها تراجعت بعد الاتفاق على تدمير الترسانة الكيمائية السورية، وفي وقت مقارب لهذا الحدث تراجع علاقتها مع مصر قلب الشرق الاوسط، كما ولم تنجح الإدارة الأمريكية بدعم علمية السلام بين فلسطين وإسرائيل رغم الجهود الحثيثة طوال العام الماضي، بينما انتعاشة علاقتها مع العراق خاصة في الاونة الاخيرة بدعم العراق في حربه ضد الإرهاب.

ويرى بعض المحللين ان الرئيس أوباما سعى من خلال اتخاذه بعض القرارات الى تحقيق توازن بين المخاوف الحالية والاستراتيجيات طويلة الأجل، حيث يتسم بانخفاض في العمليات العسكرية ووقفة لدفع جهود الدبلوماسية الاقليمية والدولية قدما.

حيث تحاول الادارة الاوباماوية تعزيز العلاقات مع حلفائها التقليديين وبدء الحوار مع الاعداء، لتتحول من التركيز على الوسائل العسكرية الى الوسائل الدبلوماسية في اطار جهود اصلاح علاقاتها مع الدول العربية والاسلامية وانعاش عملية السلام في الشرق الاوسط.

إذ يرى الكثير من المحللين أن رئيس الولايات المتحدة، حاول أن يلعب جميع الأوراق الدبلوماسية بصبغة اهتمامية على الصعيديين المحلي والدولي، لكن في الاونة الاخيرة زادت الخلافات الدولية مع روسيا بسبب دعم موسكو للحكومة السورية في الحرب الدائرة هناك بالاضافة الى مخاوفها بشأن حقوق الانسان وشكاوى اخرى، وتدهورت العلاقات الروسية الامريكية بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب الباردة بعد ان منحت روسيا حق اللجوء بشكل مؤقت لادوارد سنودن الموظف المتعاقد السابق مع وكالة الامن القومي الامريكي.

واتهمه البعض بالسعي لمعاداة الولايات المتحدة من خلال منح المتعاقد السابق مع وكالة الامن القومي الأمريكية الهارب ادوارد سنودن حق اللجوء لمدة عام، وعلى أثرها ألغت واشنطن قمة اوباما وبوتين المرتقبة، ولتبرير هذه الخطوة غير المسبوقة منذ ستينات القرن الماضي في تاريخ العلاقات الاميركية الروسية، تذرعت واشنطن بعدم احراز تقدم مؤخرا في عدد من الملفات مثل المنظومة الدفاعية الصاروخية وخفض الانتشار النووي والتجارة وحقوق الانسان.

أما على الصعيد الداخلي يرى معظم المحللين بأن ممارسات أوباما تظهر الثقة المتزايدة لرئيس يشعر الآن بحرية أكبر في مواجهة كونجرس جديد دون أن تكون لديه أي مخاوف مرتبطة بالسعي لإعادة انتخابه، وكانت فترته الأولى قد شهدت شكاوى من قاعدته الليبرالية من تهاونه الشديد مع الجمهوريين، الا انه اليوم اظهر وجها سياسيا اخر لا يعجب الجمهوريين، فيما توقع محللون سياسيون بأن السياسية الخارجية الأمريكية في العام الجديد للرئيس باراك أوباما لن تتغير وإنما ستستمر في السياق نفسه بأكثر واقعية وابعد عن الشعارات خلال المرحلة القادمة وخاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.

ملفات ساخنة

في سياق متصل يبدأ الرئيس الاميركي باراك اوباما العام 2014 بعدة ملفات ساخنة مطروحة عليه من نظام الضمان الصحي ومساعدات العاطلين عن العمل وقانون الهجرة واساليب عمل وكالة الامن القومي، قبل المحطة المحورية في نهاية الشهر حيث يلقي خطابه حول حال الاتحاد، وقبل ان يغادر اوباما في 20 كانون الاول/ديسمبر الى مسقط رأسه على مسافة ثماني ساعات جوا من واشنطن، اعلن الرئيس الاميركي الرابع والاربعون الذي بدا عليه التعب اثر فصل خريف صعب، "انني واثق بان افكارا افضل ستراودني بعد يومين من النوم والشمس"، وقضى عطلته في ممارسة رياضة الغولف والتنزه مع عائلته في غابات جزيرة اواهو وحرص على البقاء بعيدا عن الميكروفونات.

ومن المقرر ان تجري في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل الانتخابات التشريعية في منتصف الولاية الرئاسية لتجديد جميع اعضاء مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه خصوم اوباما الجمهوريون وثلث مجلس الشيوخ حيث الغالبية بايدي حلفائه الديموقراطيين.

واعرب اوباما في الاشهر الاخيرة عن امله بان يعيد له الناخبون الغالبية في الكونغرس بعد تعايش بالغ الصعوبة مع المحافظين منذ العام 2011، غير ان المراقبين يشكون في ذلك على ضوء خارطة الدوائر الانتخابية غير المؤاتية والصعوبات التي يواجهها اوباما في استطلاعات الرأي. بحسب فرانس برس.

فيما اعلنت الادارة في 31 كانون الاول/ديسمبر بارتياح كبير ان ما يزيد عن مليوني شخص تسجلوا لتغطية صحية في اطار القانون الجديد غير ان حجم الانتساب ما زال بعيدا عن مستوى التوقعات لنهاية شهر اذار/مارس وقدره سبعة ملايين، وسيطلب اوباما من الكونغرس في الوقت الراهن تمديد برنامج المساعدات للعاطلين عن العمل منذ فترة طويلة والذي انتهى بالنسبة ل1,3 مليون اميركي في 28 كانون الاول/ديسمبر لعدم اعطاء اعضاء الكونغرس الضوء الاخضر لاستمراره.

ويرى بعض الجمهوريين ان هذا البرنامج لم يعد ضروريا مع انتعاش قطاع التوظيف حيث تدنت نسبة العاطلين عن العمل الى 7% في تشرين الثاني/نوفمبر بالمقارنة مع 10% في اشد الازمة التي اندلعت عام 2008، غير ان الادارة تؤكد ان "حرمان 1,3 مليون اميركي بشكل مفاجئ من مساعدات البطالة غير مجد من وجهة نظر اقتصادية". على غرار

وتحدث رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر عن درس النظام بكل من اجزائه على حدة بعدما صوت عليه مجلس الشيوخ في حزيران/يونيو 2013، غير ان مثل هذه الخطة تهدد بالتوصل في نهاية الامر الى قانون اقل طموحا مما كان منتظرا.

ومن المتوقع ان تحتل هذه المسائل حيزا كبيرا من الخطاب حول حال الاتحاد الذي سيلقيه اوباما في 28 كانون الثاني/يناير امام اعضاء الكونغرس لعرض اولوياته للاشهر ال12 المقبلة.

لكنه لن ينتظر هذا الموعد بل سيباشر خلال الشهر معالجة موضوع اصلاح عمل وكالة الامن القومي وقد تسلم في منتصف كانون الاول/ديسمبر تقريرا ضخما اعده خبراء ويدعو الى مراجعة معمقة لممارسات الوكالة على صعيد التجسس والمراقبة على ضوء التسريبات التي كشفها المتعاقد السابق في الاستخبارات ادوارد سنودن.

وتعاقبت الدعوات الى التساهل حيال سنودن وصولا الى العفو عنه غير ان البيت الابيض ظل متمسكا بموقفه المطالب بمغادرة المستشار السابق روسيا التي لجأ اليها وعودته الى الولايات المتحدة لمحاكمته بتهمة التجسس.

عام شاق

في الوقت نفسه اعترف اوباما بمواجهة نكسات ولكنه امتنع عن التحدث عنها في مؤتمر صحفي بمناسبة نهاية العام في البيت الابيض قبل مغادرته واشنطن لمدة اسبوعين لبدء ماوصفه "بالاسترخاء والشمس" في هاواي، وسئل عما اذا كان هذا "اسوأ عام" في رئاسته قال اوباما "كان لدينا اشياء طيبة واخرى سيئة"، وعلى الرغم من قوله ان 2014 لابد وان يكون "عام العمل" لم يلمح اوباما الى اي اجندة طموحة . وبالنسبة لاولوياته اشار الى جعل الكونجرس يمدد اعانات البطالة لتشمل عددا اكبر وزيادة الحد الادنى للاجور. بحسب رويترز.

ويتناقض امتناع اوباما عن الخوض في عملية نقد ذاتي مع اخر مؤتمر صحفي له في 14 نوفمبر تشرين الثاني والذي كان مليئا بالاعتذارات عن اخفاقات مشروع اوباما للرعاية الصحية، ويشير احدث استطلاع لرويترز/ابسوس الى ان معدل الموافقة على اداء اوباما يبلغ 38 في المئة في حين اشارت استطلاعات اخرى الى ان نسبة الموافقة على ادائه تتجاوز نسبة الاربعين في المئة بقليل . وهذه نسبة غير مطمئنة بالنسبة لرئيس يحاول مساعدة حزبه الديمقراطي على كسب مقاعد في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.

ومع وجود تحسن في الاقتصاد الامريكي واصلاحات في موقع الرعاية الصحية على الانترنت والمعرض للاعطال وبعض التغييرات الاستراتيجية في هيئة موظفي اوباما يعتقد مساعدو اوباما ان عام 2014 قد يكون افضل بكثير من عام 2013 حيث كانت المصاعب كثيرة الى حد ان صحيفة واشنطن بوست اعلنت ان اوباما لم يواجه اسوأ سنواته فحسب وانما "اسوأ سنة في واشنطن" بالنسبة لاي سياسي.

وفي محاولة للحد من "الاخفاقات" المتتالية، اضطر اوباما لتقديم تنازلات الواحد تلو الآخر. لكنه اكد ان "الطلب قائم والمنتجة جيدة"، اما الاصلاح في مجال الهجرة الذي كان الوعد الكبير خلال الحملة، فقد اقره مجلس الشيوخ حيث الغالبية من الديموقراطيين، لكنه ما زال ينتظر في مجلس النواب.

وقال الخبير في العلوم السياسية في معهد بروكينغز توماس مان لوكالة فرانس برس ان "مجلس النواب قد يبذل جهودا اكبر بشأن الجرة السنة المقبلة لكنني لالا اتوقع ان يؤدي ذلك الى قانون طموح"، وجاء الانقاذ من روسيا التي التقطت اقتراحا اميركيا بنزع الاسلحة الكيميائية السورية. لكن موسكو وجهت ضربة الى واشنطن بمنحها اللجوء الى المستشار السابق في الاستخبارات الاميركية ادوارد سنودن الذي اساءت المعلومات التي كشفها عن عمليات تجسس اميركية، لصورة اوباما في الخارج.

وتهرب الرئيس الاميركي من الرد على سؤال عن اصدرا عفو على سنودن باسم الفصل بين السلطات، وقال انه يأسف "للاضرار" التي سببها الشاب "بلا جدوى"، الا ان اوباما حقق بعض النجاحات في 2013 وعبر عن امله في نجاحات اكبر في 2014.

فللمرة الاولى منذ 2009، يحتفل اوباما باعياد نهاية السنة بدون ازمات مالية او ضريبية يترتب عليه تسويتها، اذ توصل الجمهوريون والديموقراطيون في الكونغرس وبعد سنة من الخلافات الحادة، الى تسوية حول النفقات والموارد، بينما تتراجع البطالة ويشهد الاقتصاد انتعاشا تدريجيا.

واكد اوباما الجمعة ان "شركاتنا في وضع جيد لنمو ووظائف جديدة. واعتقد بصدق ان 2014 يمكن ان ان تكون سنة اختراق للولايات المتحدة"، واوضح هذا المحلل "يجب ان يحقق الاقتصاد انتعاشا هائلا وان يتكلل اصلاح القطاع الصحي بالنجاح ".

فمع وصول انتقال السلطة الى المعتدل حسن روحاني الذي اجرى معه اوباما محادثة هاتفية تاريخية في نهاية ايلول/سبتمبر، ابرمت الجمهورية الاسلامية اتفاقا مرحليا لمحاولة التوصل الى حل دائم لملف برنامجها النووي المثير للجدل.

وفي الوقت الذي يدعو فيها اعضاء في مجلس الشيوخ الى فرض سلسلة جديدة من العقوبات لممارسة ضغط على الجمهورية الاسلامية، قال اوباما ا"لا نخسر شيئا خلال هذه الفترة من المفاوضات" المحددة بالاتفاق الانتقالي الموقع نهاية تشرين الثاني/نوفمبر في جنيف، واضاف "سنرى الامر بشكل اوضح مما كان من قبل في البرنامج النووي الايراني خلال الستة اشهر المقبلة. سوف نرى ما اذا كانوا (الايرانيون) سوف ينتهكون بنود الاتفاق"، وتابع "في ضوء كل هذا، ما قلته لاعضاء الكونغرس الديموقراطيين كما الجمهوريين، هو انه لا حاجة الى قانون لفرض عقوبات جديدة، ليس بعد".

شخصية أيديولوجية

فيما وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه خلال حملة لجمع التبرعات في سياتل بأنه ليس "شخصية أيديولوجية على نحو خاص" رغم خلافاته السياسية المستمرة مع الجمهوريين على إصلاحات تتعلق بقضايا الرعاية الصحية والاقتصاد والهجرة.

لكن الرئيس الأمريكي لم يشر إلى مسألة إصلاح نظام الرعاية الصحية التي تثير جدلا داخل الولايات المتحدة وعراقيل داخل الكونجرس على نحو أثر عليه وعلى الديمقراطيين في الانتخابات، غير أن البيت الابيض أبدى تفاؤله من أن يتمكن الديمقراطيون من استعادة السيطرة على مجلس النواب الذي عطل العديد من أولويات أوباما السياسية لأسباب ربما يقول الديمقراطيون انها أيديولوجية. بحسب رويترز.

وقال أوباما "لست شخصية ايديولوجية على نحو خاص" مؤكدا ان اتباع منهج عملي أمر ضروري لترويج القيم التي يعتبرها مهمة، لكن الجمهوريين يعتبرون اوباما شخصية ايديولوجية للغاية. وينظرون لرؤيته لإصلاح برنامج الرعاية الصحية باعتبارها تجاوزا للدولة ويأملون في الاستفادة من المشكلات التي يواجهها البرنامج لإبقاء سيطرتهم على مجلس النواب ونفوذهم في مجلس الشيوخ وابعاد الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.

من جانب آخر اثارت المصافحة التاريخية بين الرئيسين الاميركي باراك اوباما والكوبي راوول كاسترو على هامش تأبين نلسون مانديلا في جنوب افريقيا استياء المحافظين الاميركيين الذين رأوا فيها نوعا من الدعاية السياسية من جانب الرئيس الكوبي.

وسأل العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ جون ماكين "لماذا مصافحة رجل يسجن اميركيين؟"، مضيفا "ما الغاية من ذلك؟، نيفيل تشامبرلين صافح هيتلر"، في اشارة الى رئيس الوزراء البريطاني في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية.

العنصرية ضد أوباما

الى ذلك قالت مقدمة البرامج الامريكية الشهيرة اوبرا وينفري في مقابلة لبي بي سي إنها تعتقد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تم معاملته بطريقة عنصرية كرئيس للبلاد، لأنه امريكي من أصل افريقي، ووصفت وينفري خلال المقابلة تعليق أحد السياسيين المناهضين لأوباما ووصفه بأنه "كاذب"ن وأضافت وينفري التي تعد من أشهر مقدمي البرامج الترفيهية أن "هذه المعاملة العنصرية لم يتحدث عنها أي شخص رغم أن الكثيرين تحدثوا عنها".

وقالت وينفري إنها "تشعر بأن الوقت الآن بات مناسباً لطرح أفلام تتناول العبودية وحقوق الإنسان"، مشيرة إلى أنها "سعيدة جداً بعدد من العناوين حول هذا الموضوع"، ورداً على سؤال إن كان الانتقادات والصعوبات التي واجهها أوباما كانت بسبب لون بشرته، قالت وينفري "لا شك بذلك"، وتشارك وينفري في بطولة فيلم "ذا باتلير" الذي يلقي الضوء على حياة رجل افريقي-امريكي، وأوضحت وينفري أن "الناس اليوم جاهزة لسماع هذا النوع من القضايا"، مشيرة إلى أنها عندما شاركت في فيلم Beloved في1998 الذي كان يتناول العبودية في امريكا، لم يلق الكثير من الاهتمام حتى من قبل الصحافيين الامريكيين الأفارقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/كانون الثاني/2014 - 13/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م