أمنيات في زمن مجهول

صالح الطائي

 

ونحن في بدايات الشهر الأول من العام الميلادي الجديد أتمنى، والناس أحرار في أمنياتهم. وأعرف عن يقين أن المطالب لا تُنال بالتمني، بل تؤخذ الدنيا غلابا.!

أتمنى أن لا تكون قرارات السياسيين العراقيين بنت اللحظة المتوترة من حياتهم ومن حياة العراق؛ فالشعوب لا تقاد بالارتجال والتخبط ولا بالعاطفة لأن أي قرار فوضوي أو عاطفي مهما كان بسيطا ممكن أن يترك أثرا سيئا يمتد إلى عشرات السنين القادمة، ويترك أثرا أكبر على مستقبل البلد والشعب ووحدتهما.

وأتمنى أن لا يختزلوا جهاد العراقيين بلحظة توتر قد تكون مدفوعة الثمن؛ سواء منهم الذين وفدوا بعد التغيير وهم يرون أنفسهم أكثر خلق الله جهادا وتضحية، أو الذين فقدوا منافعهم ومناصبهم ويظنون أنهم أكثر الناس مظلومية وخسرانا؛ فالأمم والشعوب تبني جديدها على أسس القديم الثابت الموروث بعد أن تقوم ما يحتاج منه إلى التقويم، وكل بناء بلا أساس يسهل تدميره وتحطيمه مهما كانت جودة المواد المصنوع منها.

وأتمنى أن يعرف السياسي العراقي أنه مهما اخلص لدائرته التي ينتمي إليها؛ لابد وان ينظر بعين العقل وروح المواطنة إلى الدوائر الأخرى المتممة والمكملة لدائرته فيوليها من إخلاصه الشيء الكثير؛ إذ لا توجد دائرة لها القدرة لوحدها أن تدير شؤون بلد مثل العراق كثرت دوائره وتنافرت محيطاتها وتنوعت أحجامها.

وأتمنى أن لا يضحي السياسيون بالحرية والديمقراطية التي نالها الشعب بعد طول ترقب وانتظار من اجل مشاريع فئوية أو شخصية أو أيديولوجية دينية كانت أم سياسية، لأن الشعب الذي مرت به كل نظم الحكم المعروفة، وخرج للتو من تحت وطأة أقسى نظام شمولي كان ولا زال يشعر أنه الخاسر الأكبر.

إن حياة التوتر التي عاشها العراقيون أثرت كثيرا على نفوسهم، كما أن النشأة القاصرة التي أجبروا على الرضوخ إليها أثرت على سلوكهم وبالتالي أمسى العراقي وكأنه يحتاج إلى عناية خاصة من قبل متخصصين كفوئين مهنيين، وفي مثل هذه الحال لا يمكن للإنسان العادي مهما كان ذكيا أن يقود مثل هذا الشعب حتى ولو انتخب ديمقراطيا. وأنا هنا لا أرفض الديمقراطية ولا اعترض على ممارستها، ولكني أراها بشكلها الحالي عاجزة عن تحقيق تطلعات العراقيين إذا لم تهتم بموضوع الرعاية الخاصة.

ثم إن المحاصصة الملعونة أسهمت من جانبها في توسيع الهوة بين مطالب الشعب المشروعة ومطالب السياسيين الفئوية، فأصبحت عبئا صادر فسحة الديمقراطية وضيق عليها وشوهها.

إن كل يوم يمر علينا ونحن نعيش فيه المحنة السوداء والخوف والترقب والنظر بعين سوداء إلى الغد المظلم المجهول؛ يهدم ركنا من أركان دولتنا، وقد آن لنا أن نعيد النظر بآليات عملنا السياسي والديني والحياتي للخروج بنتائج لها قدرة التعامل مع شعب بهذه المواصفات، ولاسيما وأن بوادر التفتت بانت بوضوح على تصرفات العراقيين، وأخذ كل منهم يفكر بإقليم أو منطقة يجد فيها نفسه بعد أن عانى من الغربة مع العراقيين الآخرين. لأن أقسى أنواع الغربة هي الغربة في الوطن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/كانون الثاني/2014 - 13/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م