شبكة النبأ: ليس بالضرورة ان نشاهد
فعلا من أفعال القتل او الضرب او الطعن او أي شكل مادي اخر لنتمكن من
تصنيفه بانه عنف موجه ضد الاخر، ولو انه شكل رئيسي من اشكال العنف
وتمظهراته الذي تبصره عين الانسان..
البعد البصري في الانسان اقوى من كل الحواس، هكذا يكتب سعيد بنكراد
في مقدمة ترجمته لكتاب (الصورة، المكونات والتأويل) للفرنسي غي غوتيي،
فالعين خزان كبير لصور ممكنة، و هي تمتلك القدرة على تقطيع (المدرك
البصري) استنادا الى قيم دلالية مسبقة وفقها يأتي المدرك الى العين في
شكل مواقف لا في شكل أشياء.. انتهى كلام سعيد بنكراد.
بتعبير اخر، الصورة هي ما ندركه وليس ما نراه..
ما هي وظيفة الاعلام الرئيسية؟
انها بعبارة موجزة تشكيل وصياغة وتوجيه الرأي العام، نحو مسائل
تتعلق بالسياسة او الثقافة او الاقتصاد او غيرها من قضايا تهم
المجتمعات..
ليس بالضرورة ان تكون تلك الوظيفة لها دلالات إيجابية او سلبية
بالمطلق، فكل شيء يخضع للنسبية، نسبية التشكيل وبالتالي نسبية في عملية
الادراك لهذه الوظيفة..
من هذه الزاوية، كيف يمكن النظر الى وظيفة الاعلام العراقي والعربي
تجاه الكثير من الاحداث، وما هي الرسالة التي يريد تقديمها
للمستهدفين؟.
الحدث العراقي الأبرز راهنا حرب داعش واخواتها.
كيف تناولت وسائل الاعلام هذا الحدث؟، وفق القاعدة التي ذكرتها
سابقا (الصورة هي ما ندركه وليس ما نراه)..
الحدث – التحليل، يحاول ان يرسم معادلة سياسية – ثقافية، وفقا
للمضمر الذي تشي به هذه التغطيات للحدث..
المعادلة على الشكل التالي:
قوات الجيش ليس لها الحق في قتال او قتل عناصر داعش..
أبناء العشائر لهم الحق في قتال او قتل عناصر داعش..
الحكومة تمارس التمييز الطائفي في قتال المسلحين.
هذه الصورة هي ما يسود على الأقل في الاعلام (المعارض – المناهض –
المشاكس) للحكومة..
ما هي الصورة المدركة؟
اعيد رسمها حسب هذا الادراك:
قوات المالكي تصبح بديلا لقوات الجيش، وهي قوات شيعية، والشيعة
روافض، وهم ينفذون أوامر ايران، الذي يعد السنة هم المدافعون عن النبي
محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الذي اختطفه هؤلاء الروافض وقيض السنة
للدفاع عنه..
لا يجوز ولا يسمح لهذه القوات مقاتلة داعش واخواتها، لان أي قتال هو
استهداف للسنة، طالما هي (داعش) من رحم هذا الوسط المخالف لتلك القوات
وانتمائها المفترض لهؤلاء الروافض..
المضمر في هذه الصورة، كل قتال او قتل لعناصر داعش ، هو قتال وقتل
لهذه الطائفة..
وبالتالي يصير فعل القتال والقتل محرما وممنوعا على تلك القوات،
وحلالا ومسموحا به لأبناء العشائر من نفس الانتماء الطائفي والمذهبي..
وبعبارة اخرة، الطائفة اكبر من الجيش وتستغرق الوطن كله وتصادره..
الاعلام العربي وبحكم مساحة انتشاره، يبني على هذه الصورة الثقافية
والتي هي واقع حال ويقوم بتكبيرها وتضخيمها، لتقديمها الى جمهور أوسع
يتابع ما يقدمه من خطاب..
فالقوات التي تقاتل هي قوات المالكي، وداعش واخواتها موجودة، لكنهم
جماعات مسلحة، وجدت الفرصة للظهور بسبب سياسات الاقصاء والتهميش التي
تمارسها الحكومة (الشيعية) ضدهم.. وهم (المسلحون) حين يقاتلون قوات
المالكي يكون من حقهم ان يلوذوا بابناء جلدتهم وان يتخذوا منهم دروعا
بشرية تحميهم.. وضمنا تتفق تلك الدروع مع دعاوى القتال ضد الاخر
وقتله..
الحاضنة المادية للعنف هي حاضنة رمزية في بدء تشكلها، وهو قبول
لبواعث هذا العنف..
في استذكار بسيط، اعدام صدام حسين، هو اعدام لرمز من الطائفة، لانه
واحد منها، وهو ما يعني اعدام رمزي لتلك الطائفة..
هكذا تشكلت تلك الصورة، ومنه أيضا اعتقال العلواني الذي اصبح نتيجة
لاستهداف الحكومة للطائفة ورموزها وليس بسبب ما قاله او فعله على مدار
عام كامل في تصريحاته التي تستدعي لغة القتل والحرب والابادة والاقصاء
وقطع الرؤوس..
احتضان العلواني إقرار فعلي بالانتماء الى الطائفة وانتماء اليه بما
اصبح يمثله من رمزية للاعتراض والاحتجاج حتى لو تحرك في مساحات ابعد من
مجرد الاعتراض والاحتجاج ودخل مساحات أخرى لا ترضى بغير قتل المقابل
والغائه..
ويمكن لنا استذكار بعض من الاحداث المفصلية في تغطيات سابقة قامت
بها اشهر فضائيتين عربيتين وهما العربية السعودية والجزيرة القطرية،
وليكن هذا الحدث هو حرب الأيام الثلاثة والثلاثين بين إسرائيل وحزب
الله..
العربية وصفت م احدث بانه (مغامرة) تبعا لمعسكر الاصطفاف الذي مثلته
السعودية ومصر والأردن..
الجزيرة وصفته ب (المؤامرة) تبعا لمعسكرها سوريا وقطر وايران وحزب
الله.
ومن أسماء هذين المعسكرين يلاحظ الانقسام السني الشيعي..
ما حدث يصفه الكاتب مأمون فندي في كتابه (حروب كلامية.. الاعلام
والسياسة في العالم العربي) بانها كانت حربا داخل العالم العربي..
ويضيف الكاتب قائلا: (اذا لم يكن هذا المشهد يعكس فعليا حربا أهلية
في الاعداد ضمن حدود الإسلام والأيديولوجية العربية، فانه قد ساعد فعلا
على تسريع هذه الحرب الخاصة). |