اعترافات لحظات الموت الأخيرة للجنرال أوساريس عن وفاة موريس أودان

 

شبكة النبأ: في كتاب "حقيقة موت موريس أودان" ينشر الكاتب جان شارل دينيو اعترافات اللحظات الأخيرة للجنرال بول أوساريس، بطل التعذيب في حرب التحرير الجزائرية، عن حقيقة وفاة المناضل الشيوعي موريس أودان الذي اختفى بعد إلقاء السلطات الفرنسية القبض عليه.

يتفق الصحفيون والمؤرخون على أن الجنرال بول أوساريس، الجلاد "دون أسف أو ندم" في الحرب الجزائرية، لم يكشف كل ما يعرفه من أسرار قبل وفاته عن عمر ناهز الخامسة والتسعين في 3 ديسمبر/كانون الأول 2013. فهناك سر كبير كان ينبغي على الجنرال البوح به قبل أن توافيه المنية، سر يكشف ستر واحد من أكبر الألغاز في هذه الحقبة المضطربة من تاريخ فرنسا المعاصر. بحسب فرانس برس.

بيد أن الصحفي جان شارل دينيو في كتابه "حقيقة موت موريس أودان" يكشف لأول مرة كيف اعترف له أوساريس، قبل غروب شمس حياته، بما سماه "جريمة دولة" قائلا: "لا، موريس أودان لم يتبخر هكذا من الطبيعة بعد هروبه في يونيو 1957 لكنه أعدم بقبول ورضا تامين من السلطات السياسية". كشف مثير أضاف فصلا جديدا للروايات الرسمية وغير الرسمية لقضية شغلت المؤرخين السياسيين لأكثر من 55 عاما.

في العام 1957، فيما تصاعدت حدة الحرب في الجزائر أو ما أطلقت عليه السلطات حينئذ "الأحداث"، كلفت الفرقة العاشرة مظلات في الجيش الفرنسي بالتدخل في معركة مدينة الجزائر الرهيبة ضد مقاتلي "جبهة التحرير الوطني". في هذه المعركة كلف القائد الجنرال جاك ماسو كلا من العميد روجيه ترانكييه والقومندان بول أوساريس بقيادة الهجوم المضاد. هجوم قام فيه أوساريس بالإشراف على "التحقيقات المعززة" وهو مصطلح يعني في لغة اليوم "التعذيب".

وفي بداية العام 2000 كشف أوساريس عن الوسائل والمناهج التي اتبعت في هذه التحقيقات للتعرف على شبكات المقاتلين الجزائريين ومحوها، وسائل تضمنت: الصعق بالكهرباء، إعدامات بالجملة واستخدام ما سمي وقتها "مصل الحقيقة". وسائل لاقت قبولا وتشجيعا جما من الجيش الفرنسي نظرا لما حققته من نتائج باهرة في الكشف والإيقاع بالمقاتلين ومخابئ أسلحتهم واحدا تلو الآخر في القصبة. كان من نتائج هذه السياسة إلحاق الوهن بالحركة المطالبة بالاستقلال ومقاتليها، وهو ما سمح للجيش الفرنسي بتركيز جهوده على "الحزب الشيوعي الجزائري" وجناحه العسكري الذي اتهمته باريس بمساندة "جبهة التحرير الوطني".

في يونيو 1957 ضربت سلسلة من العمليات الفدائية وسط العاصمة الجزائر. التعقيد الذي صاحب تنفيذ هذه العمليات عزز قناعات الجنرال ماسو بأنه لا يمكن أن تحدث دون مساعدة من الشيوعيين. يضيف جان شارل دينيو: " الأوروبيون المنخرطون في القتال إلى جانب الانفصاليين الجزائريين مثل شوكة في قدم الجنرال ماسو لدرجة وصفهم "بالطابور الخامس" الذي يضرب الجيش الفرنسي في ظهره منذ وقت طويل والذي يجب القضاء عليهم دفعة واحدة وللأبد".

اتهم موريس أودان، أستاذ الرياضيات بجامعة الجزائر وناشط شيوعي، بإيواء أعضاء نشطين في "الحزب الشيوعي الجزائري" وأوقف في 11 يونيو/حزيران 1957 وأودع زنازين معسكر اعتقال الابيار. في اليوم التالي التحق به هنري أليغ، المدير السابق لجريدة "الجمهوري" الصادرة بالعاصمة الجزائر ومؤلف كتاب "الاستجواب" الذي يشجب عمليات التعذيب، والذي خرج حيا من سلسلة عمليات تعذيب مروعة. ورغم أن أليغ خرج سالما إلا أن أودان، عالم الرياضيات الشاب، لم يظهر له أثر بعدها.

ولولا صبر وجلد جوزيت أودان، زوجة موريس، لما خرجت السلطات العسكرية عن صمتها المطبق ولا تفوهت بكلمة عن مصير أودان ولو برواية لا يمكن تصديقها ولكنها لم تتراجع عنها أبدا: موريس أودان هرب أثناء ترحيله إلى معسكر اعتقال آخر ولم يظهر بعدها أبدا.

أما في فرنسا فقد أثارت قضية أودان ضجة كبيرة وتحولت لمثال على ممارسة التعذيب أثناء الحرب الجزائرية. وكثير من الصحفيين والمؤرخين وأقارب أودان يدعمون الفرضية القائلة بأن أودان قضى بين أيدي جلاديه. في حين أن آخرين يؤكدون بأن الأوامر قد صدرت بتصفية هنري أليغ لكن الضباط المكلفين بالتنفيذ اختلط عليهم الأمر وقاموا بتصفية أودان. وطوال كل هذه السنوات لم يتزحزح الجيش الفرنسي قيد أنملة عن روايته الأصلية. ورغم كل الدعاوى القضائية التي رفعتها جوزيت أودان أمام المحاكم الفرنسية آملة بالوصول إلى الحقيقة وراء اختفاء زوجها، لم تسفر أيا من هذه الجهود عن نتيجة سوى ملف أرشيفي أعطاه وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان لجوزيت في يناير/كانون الثاني 2013. جوزيت لم تجد ما يشفي غليلها في هذا الملف وعلقت قائلة – بحسب جان شارل دينيو - "على العالمين ببواطن الأمور، وأظن أنه لا يزال بعضهم على قيد الحياة، أن يتكلموا"

ولكن السؤال الذي يظل دون إجابة: ما هو السبب الذي دفع جلاد الجزائر، أوساريس، إلى الاعتراف بحقائق تكلل الجبين الوطني الفرنسي بالعار في اللحظات الأخيرة من حياته؟، يقول دينيو: "أعتقد أن بول أوساريس تحدث لأنه لم يكن مثل الآخرين وأنه كان يحمل تحت سترته العسكرية غير القابلة للصدأ، قلبا معذبا منذ وقت طويل وأن تبديد الغموض الذي أحاط باختفاء موريس أودان قد يكون أمله الأخير في الخلاص قبل أن يسلم الروح".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/كانون الثاني/2014 - 11/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م