جنيف الثاني  .. اختلاف اللاعبين يرسم آفاق سلام قاتمة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يلملم الجميع أوراقه، والاجتماعات التحضيرية والفرضيات والشروط والمبررات قائمة على قدم وساق، فالساعات تمضي مسرعة نحو جلسة الافتتاح لإكمال مشوار مؤتمر جنيف لكن بنسخته الثانية والتي اختلفت فيها الكثير من الأمور وانقلبت بعض الموازين التي صبت في مصلحة هذا الطرف او ذاك، مما يعيد عملية الحسابات السياسية المعقدة من جديد.

مؤتمر جنيف الاول الذي عقد في حزيران 2012 من قبل القوى العظمى، كان هدفه المعلن تشكيل حكومة انتقالية للإعداد للانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا من اجل تجنيب البلاد المزيد من الدمار الذي حاق بها، ولكن من دون الإشارة الى مصير الأسد في المرحلة القادمة، مما خلط الأوراق وجعل من مؤتمر جنيف الثاني نقطة خلاف لا اتفاق، بحسب المحللين، خصوصاً وان المعارضة انقسمت بين مشارك في المؤتمر وممتنع عنه وسط تخوف من إمكانية قبول الدول الكبرى لدور محتمل لبشار الأسد مع تنامي دور القاعدة على الأرض السورية التي تحاول تهميش المعارضة المنقسمة على نفسها والمنهمكة بقتال القاعدة من جهة وقوات النظام من جهة اخرى.

من جانب آخر فان "دبلوماسيا المفاوضات" التي تجري بين روسيا والولايات المتحدة حول مشاركة إيران في المؤتمر ودورها الإقليمي المحتمل في صياغة حل سياسي للازمة السورية، لا يقل أهمية عن دور باريس والأطراف الأخرى في اقناع المعارضة للمشاركة في المؤتمر.

وقد أعلن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" في اتصال هاتفي مع "بوتين" ان "مؤتمرا اقليميا لن يشارك فيه أطراف لهم نفوذ لن يتوصل الى حل الازمة في سوريا"، واضاف "لهذا السبب سيفشل مؤتمر جنيف-2 قبل ان يبدا" معتبرا ان المبادرة الروسية الاميركية "استعراض للمفاوضات"، وقد اكدت روسيا أهمية مشاركة إيران، فيما اكتفت الولايات المتحدة بأعطاء دور هامشي لها، الامر الذي رفضته إيران معتبرةً انه يمس كرامتها.

فيما أعلن وزیر الخارجية السوري ولید المعلم ان دمشق متمسكة بمشاركة ایران في مؤتمر جنيف 2، ومن بين الثلاثين مشارك في المؤتمر القادم يستمر الخلاف والجدل بشأن دعوة إيران تحديداً، بين معارض لحضورها كونها الداعم الرئيسي لنظام الأسد، وبين مؤيد لحضورها كلاعب إقليمي مهم سيما وان الاعب الاخر "السعودية" قد وجهت لها الدعوة الرسمية سلفاً وبموافقة الدول الدائمة العضوية للمشاركة في المؤتمر.

إيران وقائمة المدعوين

فقد أعلن متحدث باسم الامم المتحدة ان الامين العام للمنظمة الدولية بان كي مون بدأ توجيه الدعوات لحضور مؤتمر السلام حول سوريا المقرر في 22 كانون الثاني/يناير، لافتا الى ان إيران ليست على اللائحة الاولية للمدعوين الى المؤتمر.

وقال مساعد المتحدث باسم الامم المتحدة فرحان حق ان وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف سيلتقيان في 13 الجاري لاتخاذ قرار في شان مشاركة إيران او عدمها في المؤتمر.

وذكر المتحدث بان بان كي مون "يأمل بدعوة إيران" لكنه اضاف ان المشاورات حول هذه المسالة "لم تؤد الى نتيجة نهائية حتى الان"، وقال ان كيري ولافروف "سيلتقيان في 13 كانون الثاني/يناير ونأمل بشدة ان يتوصلا الى اتفاق حول مشاركة إيران".

ولم يحدد المتحدث الاممي ولا الخارجية الاميركية مكان عقد هذا الاجتماع، وتابع حق "نعلم جميعا بان الدعم القوي للقوى الاقليمية اساسي من اجل حل سياسي" في سوريا، واوضحت الامم المتحدة في بيان ان "قائمة المدعوين تم تحديدها في 20 كانون الاول/ديسمبر" خلال اجتماع في جنيف بين الموفد الاممي الاخضر الابراهيمي ومسؤولين روس واميركيين، وتتضمن هذه اللائحة 26 بلدا بينها القوى الدولية والاقليمية الكبرى بما فيها السعودية التي تدعم المعارضة السورية.

وقال مسؤول اميركي ان بإمكان إيران ان تبرهن على رغبتها في لعب دور بناء في المحادثات المقبلة لإحلال السلام في سوريا بدعوتها دمشق الى وقف قصفها للمدنيين والسماح بوصول المساعدات.

وفي واشنطن، كررت مساعدة المتحدثة باسم الخارجية الاميركية ماري هارف دعوة إيران الى "اداء دور بناء" في سوريا، ملمحه الى ان إيران تستطيع في هذه الحال المشاركة في مؤتمر السلام في سويسرا ولكن "بمستوى أدنى" من المستوى الوزاري.

ولأول مرة لمح كيري الى ان المسؤولين الايرانيين يمكنهم ان يلعبوا دورا ما على هامش المحادثات المقترحة، وقال "هل يمكنهم (الايرانيون) ان يساهموا على هامش المؤتمر؟ هل يمكن ان يساهموا بشكل مفيد في العملية (سوريا)؟ قد تكون هناك طرق لحصول ذلك"، وتابع "لكن ذلك يجب ان يحدده الامين العام للأمم المتحدة وتحدده النوايا الايرانية".

وقال كيري ان إيران "تعلم تماما ما عليها القيام به بالنسبة لبرنامجها النووي وكذلك بالنسبة لمؤتمر جنيف-2، ان ينضموا الى مجموعة الدول والى ما نحن جميعا ملتزمون بالقيام به وهو محاولة التوصل الى حل سلمي في سوريا". بحسب فرانس برس.

وتتهم واشنطن الجمهورية الاسلامية بتزويد النظام السوري بالرجال والمال وتسليح مقاتلي حزب الله الذين يقاتلون في سوريا الى جانب قوات النظام.

من جهته قال مسؤول أمريكي إن إيران لم تعط أي مؤشر على استعدادها لتنفيذ أي من تلك الخطوات وأشار إلى معارضة دول أخرى لمشاركة طهران بالمحادثات، ولم يحدد المسؤول تلك الدول لكنها تشمل على الأرجح دولا خليجية مثل السعودية.

وقال المسؤولون الأمريكيون الذين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم إن واشنطن ما زالت تعتقد أن قيام إيران بدور في المؤتمر المقرر في 22 يناير كانون الثاني على ضفاف بحيرة جنيف في سويسرا "اقل احتمالا أكثر من كونه مرجحا" حتى ولو على الهامش وإن إيران والولايات المتحدة لم تناقشا المسألة بشكل مباشر.

وقالت ماري هارف المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنه حتى لمجرد بحث قيام الإيرانيين بأي دور في المحادثات "سيتعين عليهم إظهار أنهم سيفعلون أشياء أقل تدميرا في سوريا"، وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض إنه سيكون على إيران أن تؤيد علنا شروط اتفاق "جنيف 1" إذا رغبت في المشاركة في العملية.

وصرح الابراهيمي للصحافيين "بالنسبة لإيران لم نتوصل الى اتفاق بعد، وليس سرا اننا في الامم المتحدة نرحب بمشاركة إيران، ولكن شركائنا في الولايات المتحدة ليسوا مقتنعين بعد بان مشاركة إيران ستكون امرا صائبا"، واضاف "لقد اتفقنا على اننا سنجري مزيدا من المحادثات لنرى ما إذا كنا سنتوصل الى اتفاق حول هذا الامر".

وتسعى روسيا، الحليف الرئيسي للأسد، الى اشراك إيران في المفاوضات، وتجلى دعم موسكو القوي للأسد مرة اخرى عندما حالت دون صدور بيان من مجلس الامن الدولي يدين حكومة الاسد على هجومها الضاري على مدينة حلب شمال سوريا الذي ادى الى مقتل عشرات المدنيين.

ودعمت دول غربية مشاركة السعودية في "جنيف2"، واكد الابراهيمي ان السعودية على قائمة الدول المدعوة للمشاركة في المؤتمر، وتعد السعودية ودول اخرى سنية المذهب ومن بينها قطر، من اشد المؤيدين للمعارضين السوريين المسلحين في الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات.

وعقد الابراهيمي اجتماعات مغلقة مع مسؤولين اميركيين وروسا كبار في مقر الامم المتحدة في جنيف، ثم أجري محادثات اوسع مع دول اخرى دائمة العضوية في مجلس الامن هي بريطانيا والصين وفرنسا، ثم التقى بمندوبين عن الدول المجاورة لسوريا وهي العراق والاردن ولبنان وتركيا التي من المقرر ان تشارك في المحادثات والتي تأوي نحو 2,4 مليون لاجئ سوري شردتهم الحرب التي ادت الى مقتل ما يزيد عن 126 ألف شخص حتى الان.

واضافة الى مسالة المشاركة الايرانية، تتجه الانظار الى قائمة وفدي الحكومة والمعارضة السورية، وقال الابراهيمي ان "الحكومة (السورية) ابلغتنا رسميا بانها شكلت وفدها"، مضيفا ان دمشق ستعلن عن اسماء المشاركين في الوفد قريبا، وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيرأس وفد بلاده الى محادثات "جنيف2"، ونقلت وكالات الانباء الروسية عن غاتيلوف قوله عقب محادثات في جنيف مع مبعوث الجامعة العربية والامم المتحدة الى سوريا الاخضر الابراهيمي ان وفد النظام السوري "سيرأسه وزير الخارجية وليد المعلم".

مقاطعة المؤتمر

في سياق متصل قرر المجلس الوطني السوري الذي يتمتع بنفوذ كبير في المعارضة السورية مقاطعة المحادثات المزمعة في جنيف والتي تستهدف انهاء الصراع المحتدم في سوريا منذ نحو ثلاثة اعوام.

ويعارض المجلس المشاركة في المفاوضات بدعوى ان القوة العالمية لم تبذل جهودا كافية لإرغام الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي.

وحققت قوات الأسد في الأشهر القليلة الماضية مكاسب ميدانية في مواجهة مقاتلي المعارضة ومن ثم فإنه لا يواجه أي ضغوط في الوقت الراهن لتقديم تنازلات، وفي نفس الوقت قامت جماعات اسلامية متطرفة لا يثق فيها الغرب بدور أكبر في جهود الاطاحة بالأسد.

وقال المجلس الوطني السوري في بيان انه بعد بحث الامر من كافة زواياه السياسية والعسكرية والانسانية فان الامين العام للمجلس لم ير ما يشجع ولم ير أجندة واضحة يمكن على أساسها ان ينجح الاجتماع ومن ثم فإن المجلس يؤكد قراره السابق بعدم الذهاب الى جنيف 2 بسبب الاوضاع الحالية.

والمجلس جزء من ائتلاف أكبر للمعارضة من المقرر ان يتخذ قراره النهائي بشأن المشاركة في محادثات جنيف 2، وتعقد اجتماعات المعارضة في تركيا التي تدعم بقوة الحملة المناهضة للأسد، وقرار المجلس بعدم حضور اجتماعات جنيف يمكن ان يزيد الضغوط على الائتلاف الذي قال انه مستعد مبدئيا لحضور المؤتمر لكنه لن يفرض بالضرورة قراره.

وقتل أكثر من 100 ألف شخص في سوريا وفر أكثر من مليوني لاجئ الى الخارج ونزح أكثر من 6.5 مليون آخرين داخل البلاد.

ويريد الائتلاف ان تفضي محادثات جنيف الى إيجاد سلطة انتقالية في سوريا لا يلعب الأسد دورا فيها ولكن حكومة الأسد تقول انها لن تتخلى عن السلطة وان الرئيس باق في منصبه، كما دعت المعارضة للأفراج عن النساء والاطفال المحتجزين في السجون السورية وفتح ممرات لعبور المساعدات الانسانية للبلدات المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة، ويقول المجلس ان هذه المطالب لن تلق أي استجابة. بحسب رويترز.

وقال عضو المجلس عبد الرحمن الحاج انه لم يتغير شيء منذ رفض المجلس المشاركة في المحادثات قبل شهر باستثناء تزايد تعقيد الوضع على الارض في حين لم يفعل المجتمع الدولي شيئا لتخفيف حدة الأزمة الانسانية.

ويفقد المقاتلون المعتدلون اراض امام قوات الأسد في الوقت الذي يتعرضون فيه لضغوط متزايدة من جماعات متطرفة ترتبط بالقاعدة وبجبهة إسلامية تشكلت حديثا لمحاربة الأسد، وقبل عام كان الأسد يحاول منع المتمردين من السيطرة على دمشق أما الآن فإنه استعاد الاراضي المحيطة بدمشق.

وتساءل الحاج كيف يتسنى للمجتمع الدولي الضغط على الأسد في المفاوضات السياسية بينما عجز عن حمله على رفع الحصار في إشارة الى مناطق شاسعة محاصرة ولا يسمح لوكالات الاغاثة بدخولها.

من جهته حذر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من ان مؤتمر جنيف-2 للسلام في سوريا المقرر في 22 كانون الثاني/يناير لن يكون ناجحا إذا أكد بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة، وقال هولاند إثر قمة اوروبية بحثت بشكل سريع الملف السوري ان مؤتمر السلام جنيف-2 لا يمكن "ان يكون هدفا لذاته".

واضاف "إذا كان جنيف-2 سيشكل تكريسا ل (سلطة) بشار الاسد او يؤدي الى انتقال سياسي من بشار الاسد الى بشار الاسد، سنكون ازاء فرص قليلة لاعتبار ان هذا الموعد شكل الحل السياسي للقضية السورية"، وتابع "في الاثناء بلغ الوضع في سوريا أخطر حالاته لجهة عدد المرحلين واللاجئين والازمة الانسانية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/كانون الثاني/2014 - 11/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م