هل آن الأوان لتحقيق السلام في سوريا

علي الأسدي

 

خلال الثلاثين شهرا المنصرمة لقي حتفه ما يقارب مئة ألف من أبناء الشعب السوري، بينما اضطر ملايين آخرين الى الهجرة خارج الوطن أو تركوا بيوتهم الى مناطق اخرى من البلاد طلبا للأمن بعيدا عن نيران الحرب. تلك الحرب التي تغذيها بعض الدول الغربية والعربية المجاورة لسوريا لكسب النفوذ في النظام السوري القادم الذي يسعون من أجله بعد الاطاحة بنظام الحكم الحالي لتحقيق منافع سياسية واقتصادية.

ولهذا السبب تنشغل مليشياتهم المسلحة التي أرسلوها لقتل السوريين باسم الجهاد المقدس في معارك شرسة بينهم لفرض نفوذ طرف على الاطراف الأخرى بغية تحقيق مكاسب على الأرض في أي مفاوضات قادمة مع ممثلي النظام السوري. ان ما يحز في النفس أن الدول المجاورة لسوريا وخاصة الاسلامية منها ليس فقط لم تتوسط للتوصل لحلول سياسية سلمية بين الحكومة السورية والمعارضة، بل متورطة هي نفسها مباشرة في سفك دماء السوريين.

ولهذا السبب بالذات فشلت العديد من المحاولات الأممية والاقليمية لجمع مختلف قوى الصراع حول مائدة مستديرة والتفاوض بغرض التوصل الى خطة لوقف دائرة الموت والخراب بدون طائل.

لقد أثبتت أكثر من ثلاثين شهرا من القتال والدمار الشامل أنها حرب لن يحقق فيها اي طرف النصر على الآخر، انها اللعبة نفسها التي أدامت الحرب العراقية – الايرانية ثماني سنوات بالتمام والكمال في ثمانينيات القرن المنصرم. لقد استنفذت تلك الحرب الموارد المادية والبشرية للدولتين الجارتين ايران والعراق قبل أن تتوقف بلا غالب ولا مغلوب، فهكذا أرادتها لها الولايات المتحدة وحليفاتها، بينما أنطلت تلك اللعبة على قيادتي الدولتين الاسلاميتين.

لقد فوتت سوريا فرصا كثيرة لتحقيق المصالحة الوطنية في بداية الأزمة السياسية، حيث أمكن حينها عبر التفاوض السياسي المباشر مع المعارضة الوطنية من التوصل الى الاصلاح السياسي والدستوري الذي حان أوانه. ولو تم التفاوض الصريح والمسئول لقطع الطريق على القوى المعادية لسوريا من التدخل في الشأن الداخلي الذي نجحوا في التسلل اليه وشق وحدة القوى الوطنية السورية.

لكن الأمل لم يتلاشى تماما بعد، حيث تلوح في الأفق الان فرصة لتلافي الأخطاء السابقة، فرصة لتغليب المصلحة العامة على الخاصة والعقل على العاطفة والنظرة البعيدة الأمد على النظرة القصيرة الأمد. فهناك فرصة لممثلي النظام والقوى والدول المتحالفة معه من جانب، والقوى المقاتلة نيابة عن الدول العربية والاسلامية واسرائيل من الجانب الآخر لتستفيد وتضع حدا لحريق قد يخرج عن السيطرة لينتقل الى دول تعتقد خطأ أنها في مأمن من اللهب.

فقد كتب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وروبرت باستور المستشار الاقدم في مركز كارتر لحل النزاعات مقالا في صحيفة الهيرالد تربيون نشرته صحيفة الاتحاد الكردستانية بتاريخ 28\12\2013 بعنوان " آن الأوان لفعل شجاع من أجل إحلال السلام في سوريا " أشارا فيه الى وجود فرصة حقيقية لانهاء الحرب الدائرة في سوريا والى الأهمية البالغة لمؤتمر جنيف المقرر انعقاده في 22 \ 1 \ 2014.

وقد جاء في المقال أن سبب فشل المحاولات السابقة لبدء المحادثات بشأن احلال السلام هو السماح للاطراف المتحاربة في سوريا باعلان شروط مسبقة للاشتراك بالمباحثات. وهذا هو السبب الذي يجعل من غير المرجح أن ينجح آخر نداء لانعقاد مباحثات السلام اذا استمر فريقا النزاع اصرارهما لاحراز الظفر بالمطالب بدلا من التسوية المتبادلة الاساسية لوضع نهاية للاحتراب والقتال.

وقد اقترح السيد كارتر مجموعة مبادئ بديلة عن الشروط المسبقة وهي كما يعتقد يمكن ان تقود الى قيام الديمقراطية والتسامح. وهذه تتطلب من كل اللاعبين بالقضية عالميا واقليميا ان يتقدموا خطوة أولى ويشجعوا حلفاءهم في الداخل السوري على اتخاذ الخطوات اللاحقة. مؤكدا، ان كل اللاعبين بحاجة الى حلول وسط قوية اذا كانت لديهم نية لانهاء الحرب، اما اذا اخفقوا في اتخاذ هذه الخطوات الصعبة فان الحرب قد تستغرق عقدا آخر من الزمن، بل من المحتمل ان تتسع دائرة الموت والدمار. اما المبادئ التي اقترحها والتي ستستند اليها المناقشات في جنيف فهي:

• - العزيمة الذاتية، حيث يجب على السوريين ان يقرروا ماهي الحكومة المستقبلية في بلدهم في عملية انتخابية تحت اشراف غير محدد ولا مقيد يقوم به المجتمع الدولي ومنظمات لاحكومية مسؤولة، بحيث تكون نتائجها مقبولة للجميع اذا ما تقرر ان الانتخابات كانت حرة ونزيهة.

• - الاحترام: فيجب على المنتصر في الانتخابات ان يضمن ويكفل احترام كل مجاميع الاقليات والطوائف.

• - قوات حفظ السلام: من اجل الاطمئنان الى ان الهدفين الأولين أعلاه نافذان، يجب ان يوفر المجتمع الدولي قوة قوية لحفظ السلام.

وهنالك خطوة اولى مهمة وتتمثل بإنشاء هيئة انتخابات مستقلة لاحزبية وصادقة، وبعدها تأتي خطوة مهمة ثانية، وهي توطيد آلية أمنية تمنع كل الأطراف من تخريب الانتخابات وتمنع التأثير في نتائجها.

وحتى يضمن الوصول الى نجاح خطته لإحلال السلام في سوريا اشترط موافقة روسيا والولايات المتحدة على هذا النهج، والى توقف ايران والقوى الاقليمية الاخرى عن دعمها للذين ينوبون عنها في الداخل السوري، وأن تحتل هذه القضية أسبقية في عمل الامم المتحدة في الوقت الحالي. لقد آن الاوان لتغيير الاجندة والى مبادئ مسبقة لاستراتيجية حول سوريا، فقد آن الأوان لوضع نهاية للحرب.

الخطة الروسية الأمريكية لإزالة الأسلحة الكيميائية السورية والتي أصبح يجسدها الآن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2118- قد تفتح مجالاً أكثر إيجابية لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، لأن مجلس الأمن يطالب أيضاً بعقد مؤتمر جنيف الثاني الذي طال انتظاره والذي حدد له يوم الثاني والعشرين من الشهر القادم بشأن الوضع في سوريا.

قرار مجلس الأمن الدولي والاتفاق الروسي – الأمريكي قد وضعا حدا للمخاوف من لبننة سوريا كمقدمة لتقسيمها الى دويلات اثنية – طائفية وفق سيناريو تقاسم النفوذ بين فرنسا وبريطانيا الذي أعقب مؤتمر سايكس – بيكو نهاية الحرب العالمية الأولى. فسيناريو الشرق الأوسط الجديد الذي أعلن عنه عشية غزو العراق من قبل الرئيس بوش الابن ما يزال قائما، حيث يعاد طرحه بين الحين والآخر بعد كل أزمة سياسية تنفجر في منطقتنا العربية. لكننا الآن أما تطورات أكثر ايجابية للتعامل بعقلانية مع أزمات الشرق الأوسط.

فالأمل معقود الآن على نجاح مؤتمر جنيف المنتظر، وبشكل خاص على مدى التعاون بين روسيا والولايات المتحدة، فهذه الأخيرة تتعرض الى ضغوط من قبل الجناح اليميني في الحزب الجمهوري الأمريكي واسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لدفعها الى اتخاذ مواقف أكثر تشددا من الملف السوري والايراني. بل وتطالب باستئناف ارسال الأسلحة والأموال الى المليشيات العسكرية السورية برغم افتضاح حقيقة أهدافها المنافية لحقوق الانسان والمرأة والطفولة والمبادئ الديمقراطية، ولارتكابها جرائم وحشية بحق السوريين وبخاصة الأطفال والنساء.

وما يدعم مشاعر التفاؤل تجاه مستقبل الصراع في سوريا هو الاتفاق الأمريكي - الروسي بشأن الأسلحة الكيماوية السورية والاتفاق الأخير بين ايران ومجموعة 4+1 حول البرنامج النووي الايراني. ويبقى على دول العالم الحريصة على حقن دماء الشعب السوري أن تستغل الجانب الايجابي في تحركات الأمم المتحدة والقوى العظمى خاصة وتوظيفها لما يخدم مصالح الاستقرار في منطقتنا وبخاصة العراق الذي شكل ملاذا ومصدرا للارهاب في العراق وسوريا على حد سواء.

فأي نجاح يتحقق لإسكات هدير الصواريخ يقرب يوم عودة المهجرين الى بيوتهم، ويعجل في عودة الاستقرار وبدء عملية اعادة بناء ما خربته الحرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/كانون الثاني/2014 - 10/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م