حرب النفط في لبيبا تهدد بتقسيمها

 

شبكة النبأ: تحديات كبيرة ومشاكل متزايدة تواجهها لبيبا التي تعيش في أوضاع أمنية خطيرة بسبب الصراعات السياسية واتساع النزاعات القبلية واستفحال المليشيات المتمردة، التي تسعى الى الاستفادة من واقع التغير في ظل حكومة ضعيفة غير قادرة على تجاوز مشاكلها كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان الأحداث التي تشهدها ليبيا تنذر بتفكك وتقسيم هذه البلاد التي أصبحت اليوم تحت رحمة الميليشيات المسلحة وهو ما اثر بشكل سلبي على اقتصاد البلاد، فتدهور الأوضاع الأمنية والإضرابات المتواصلة أدت وبشكل مباشر الى تراجع الصادرات النفطية التي تعد عصب الحياة للاقتصاد الوطني والذي يواجه مشكلة حقيقة، خصوصا وان بعض التقارير تشير الى ان ليبيا قد فقدت ما قيمته أكثر من 10 مليارات دولار من عائدات النفط منذ بدء أزمة الإضرابات النفطية.

وهو ماقد يجعل الحكومة الحالية عاجزة عن دفع أجور ورواتب موظفي القطاع العام والخاص هذا بالإضافة الى توفير باقي الخدمات الأخرى، وفي هذا الخصوص و مع استمرار الإضرابات في موانئ النفط الليبية والتي تسببت بتقليص إيرادات الحكومة بدرجة كبيرة تلوح في الأفق أزمة في ميزانية هذا البلد الذي يعاني من الفوضى منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمعمر القذافي.

وتحذر الحكومة من أنها قد تعجز عن دفع الأجور كما أصبح انقطاع الكهرباء مشهدا مألوفا في وقت لا تستطيع فيه السلطات مواجهة ميليشيات تحتل الوزارات وتستولي على منشآت نفطية وقتما تشاء. وتقول الحكومة إنها فقدت عائدات نفطية تزيد قيمتها على أكثر من عشرة مليارات دولار منذ ذلك الحين بما يمثل نحو خمس الإيرادات المستهدفة سنويا لكن هذا قد يكون تقديرا متحفظا نظرا لأن العجز البالغ مليون برميل يوميا كان سيجلب نحو 100 مليون دولار يوميا مما يشير إلى أن النقص الشهري في الإيرادات قد يصل إلى نحو ثلاثة مليارات دولار.

ورغم ذلك لا يوجد مجال لتقليص النفقات إذ يخصص أكثر من نصف الميزانية السنوية التي تزيد على 50 مليار دولار لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات من بينها الخبز والوقود وخدمات مثل العلاج في المستشفيات. ويمثل الدعم قضية ذات حساسية سياسية. وقال اليكس وارين من مجموعة فرونتير الاستشارية التي تدير موقع ليبيا ريبورت الإلكتروني "لا أعتقد أنهم سيخفضون الرواتب أو الدعم لأنني أعتقد أن ذلك ينطوي على مخاطر بالغة." وتتجه ميزانية الأجور إلى الارتفاع مع استحقاق العاملين في قطاع النفط الذي يمثل نحو 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي زيادة نسبتها 67 بالمئة في الرواتب اعتبارا من يناير كانون الثاني وهو إجراء حكومي يهدف إلى تخفيف مشاعر الاستياء.

وقد تلجأ حكومة رئيس الوزراء علي زيدان المحاصرة والتي تخضع في بعض الأحيان لحصار فعلي من مسلحين يحاصرون مبانيها إلى خفض الإنفاق على البنية التحتية لكن ذلك أيضا لا يخلو من العواقب في بلد لم يحقق تقدما يذكر نحو إصلاح الأضرار التي صاحبت الانتفاضة والفترة التي تلتها. ويتمثل الدافع وراء بعض الاحتجاجات التي تسبب حالة من الشلل في البلاد في الحالة المتردية التي وصلت إليها البنية الأساسية مثل المستشفيات التي عانت بالفعل من الإهمال لعدة سنوات في عهد القذافي.

وأدى التشاحن السياسي بين حكومة زيدان والمعارضة الإسلامية في المؤتمر الوطني العام إلى تأخير بعض مشروعات البنية التحتية لكن تلك المبالغ التي لم تنفق ساعدت الحكومة في كسب قليل من الوقت. ويمكن أن يزيد إنتاج النفط بواقع 300 ألف برميل يوميا بعد أن أعلنت الحكومة نهاية احتجاج في حقل الشرارة النفطي الكبير.

واقتراض الحكومة من بين الخيارات المطروحة رغم أنه من المستبعد أن يقدم المقرضون الأجانب المساعدة نظرا لأن وكالات التصنيف الائتماني لم تصنف ليبيا منذ عام 2011 ونظامها المالي لا يتمتع بعلاقات كبيرة مع العالم الخارجي بعد عقوبات استمرت عقودا بسبب تورط ليبي في تفجير طائرة تابعة لشركة بان امريكان فوق لوكربي باسكتلندا.

وقال وزير الاقتصاد الليبي مصطفى أبو فناس إن بلاده تواجه الآن مشكلة في السيولة وربما تتجه إلى مصادر أخرى مثل البنك المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار. وقد يلجأ البنك المركزي إلى إعادة تمويله ببيع صكوك ولكن لم يصدر التشريع الذي يسمح بذلك حتى الآن. وسيضطر البنك أيضا إلى عرض عوائد كبيرة على الصكوك نظرا لغياب الثقة في المؤسسات العامة. بحسب رويترز.

وقال بعض المحللين إن الحكومة قد تلجأ إلى البنوك المحلية التي تتمتع بوفرة في النقود بسبب قلة نشاط الإقراض في اقتصاد توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش بنسبة 5.1 بالمئة. وقال خبير اقتصادي ليبي إن ذلك سيكون سهلا لأن الدولة تمتلك بعضا من أكبر هذه البنوك. ولكن معظم أصول البنوك المحلية مقومة بالدينار مما لا يساعد على تمويل شراء الواردات. وقال الخبير الاقتصادي "أتوقع أن يرتفع التضخم هذا العام."

حكم ذاتي

في السياق ذاته قال قائد حركة تسعى للحكم الذاتي في شرق ليبيا إنه لن ينهي حصار عدة مرافئ لتصدير النفط مبددا الآمال بحل أزمة مع حكومة طرابلس. وكان رئيس الوزراء علي زيدان قال إنه يتوقع إعادة فتح المرافئ وذلك بعد مفاوضات مع زعماء قبائل في شرق ليبيا. وكانت الحركة التي تطالب بحكم ذاتي في شرق ليبيا قالت إنها سترفع يدها عن الموانئ التي كانت تصدر 600 ألف برميل يوميا إذا سمحت طرابلس لها بأخذ حصة من مبيعات النفط وفتحت تحقيقا في مزاعم عن فساد في القطاع.

وقال إبراهيم جضران للصحفيين في اجدابيا حيث معقل الحركة والتي تقع غربي بنغازي "لن نعاود فتح المرافئ." وأضاف أن المحادثات مع حكومة طرابلس لإعادة فتح مرافئ التصدير فشلت. واتهم زعيم الحركة حكومة زيدان بخذلان الليبيين بعد الانتفاضة التي أنهت حكم القذافي الذي استمر لعقود قائلا إنهم يطالبون بحياة كريمة وتحقيق الأمن وجيش وشرطة وقوات أمن تحمي المواطنين. وكان جضران يرأس قوة لحماية المنشآت النفطية لكنه انشق برجاله واستولى على موانئ راس لانوف والسدر والزويتينة مطالبا بمزيد من الحكم الذاتي للمنطقة وحصة أكبر من مبيعات النفط.

وتحتاج ليبيا إلى العملة الصعبة لتمويل وارداتها من القمح وغيره من المواد الغذائية الأساسية وتحذر الحكومة من أنها لن تستطيع صرف رواتب العاملين في القطاع العام إذا استمرت الإضرابات بقطاع النفط. ولم يصدر تعليق فوري من طرابلس. وسبق أن رفض مسؤولون الاعتراف بحكومة المنطقة الشرقية المعلنة من جانب واحد وحذروا من أن الحكومة المركزية ستهاجم أي ناقلة تحاول تحميل النفط في الموانئ المغلقة.

ويحظى جضران بشعبية كبيرة في الشرق حيث المطالب بنظام سياسي يحقق تقاسم السلطة والثروة النفطية بين مناطق شرق وغرب وجنوب البلاد كما كان الحال قبل حقبة القذافي. لكن زعماء قبليين ضغطوا لانهاء غلق الموانئ بسبب انقطاعات الكهرباء ونقص الوقود التي يعاني منها المواطنون الليبيون وتلقي الحكومة باللوم فيها على حصار المرافئ. وقال ريتشارد مالينسون المحلل السياسي لدى إنرجي أسبكتس الاستشارية في لندن إن الحركة التي يقودها جضران قد تحدث انقساما بين رجال القبائل والميليشيات في الشرق. وقال "الصراع بين مراكز القوة في الشرق قد يصبح كبيرا." بحسب رويترز.

ولم يكرر جضران تهديدا سابقا ببيع الخام بدون إذن طرابلس. وقال إن كان سيمضي قدما في تصدير النفط من الموانئ التي يسيطر عليها إن هذا يرجع إلى حكومة الشرق المعلنة من جانب واحد. ويحاول زيدان إعادة تشغيل الموانئ لكن الخلافات السياسية مع البرلمان وخصومه من الإسلاميين أضعفته. ويتعين على الحكومة أيضا معالجة احتجاجات أخرى. فقد أغلق زعماء قبليون مرسى الحريقة في أقصى الشرق. وسبق أن عطل أعضاء بأقليتي الأمازيغ والتبو إمدادات للنفط والغاز.

تراجع انتاج ليبيا

على صعيد متصل قالت المؤسسة الوطنية للنفط إن ليبيا حذرت زبائنها من شراء أي نفط خام تعرضه جماعة تطالب بحكم ذاتي سيطرت على ثلاثة موانيء نفطية في شرق البلاد. وتطالب الجماعة المدججة بالسلاح بالحكم الذاتي وحصة أكبر من ايرادات مبيعات النفط وتحتل موانيء رأس لانوف والسدرة والزويتينة التي كانت تنقل في السابق 600 ألف برميل يوميا من صادرات الخام الليبي. وتراجع انتاج ليبيا إلى 250 ألف برميل يوميا من 1.4 مليون برميل يوميا في يوليو تموز بسبب اضرابات في منشآت نفطية في أنحاء البلاد.

وقالت الجماعة الموجودة في شرق البلاد ويتزعمها قائد ميليشيا وساعدت في الاطاحة بمعمر القذافي في عام 2011 إنها قد تبيع النفط الخام بنفسها اذا لم تستجب الحكومة في طرابلس لمطالبها بتقاسم السلطة وايرادات النفط. وذكرت المؤسسة الوطنية للنفط في بيان أنها حذرت الجميع من مغبة ارسال أي سفن لتحميل أو تفريغ شحنات في هذه الموانيء الثلاثة. وقالت انها ستتخذ اجراءات قانونية ضد أي اتفاقيات يتم التوقيع عليها لشراء الخام مع أي طرف آخر. وأضافت أنه تم تمديد إعلان حالة القوة القاهرة وهو مصطلح قانوني يوفر غطاء لتجميد التزامات العقود في الموانيء الثلاثة.

وتخشى القوى الغربية من أن تنزلق ليبيا إلى الفوضى بينما تكافح الحكومة للسيطرة على ميليشيات ساعدت في الاطاحة بالقذافي لكنها احتفظت بأسلحتها. وقال رئيس الوزراء علي زيدان إن الحكومة ستتخذ اجراءات في مواجهة اضرابات في منشآت نفطية لكن محللين يقولون إن جيش ليبيا الذي ما زال في مرحلة التدريب ضعيف لدرجة لا تمكنه من التعامل مع محتجين مسلحين.

الى جانب ذلك تحدث وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي مجددا عن احتمال اللجوء الى القوة لفك الحصار التي تفرضه ميليشيات انفصالية على موانئ النفط في شرق ليبيا. وصرح عبد الباري العروسي "ان مشكلة امدادات النفط في ليبيا سيتم التغلب عليها قريبا وان كل الخيارات واردة بما في ذلك الخيار العسكري من اجل تحرير موانئ تصدير النفط من قبضة الميليشيات التي تسيطر عليها".

واضاف ان "الحكومة تبذل كل جهودها بالتحاور مع الجهات التي تعطل عمل الموانئ لكن كل الخيارات مفتوحة من أجل التعامل مع هذه الوضعية بما فيها الخيار العسكري". واضاف ان "كل الشعب الليبي مع هذا الخيار لحل اشكالية وصول النفط إلى الموانئ العقبة الرئيسية امام القطاع، خاصة وان الحقول تعمل بشكل عادي".

وحول ما اذا كانت الحكومة الليبية قد حددت اجلا لذلك قال عبد الباري العروسي ان "قرار التوجه نحو الخيار العسكري خارج عن نطاقه ويرجع لأهل الاختصاص". وقد هدد رئيس الوزراء علي زيدان باستخدام القوة لفك الحصار عن المواقع النفطية لكن دون تنفيذ. وقال المسؤول الليبي ان "دخل ليبيا تأثر من المشكلة الموجودة حاليا حيث نزل انتاج ليبيا من النفط من 1.6 مليون برميل يوميا إلى نحو 250 الف برميل يوميا نتيجة غلق الموانئ". بحسب فرانس برس.

ويسيطر حراس للمنشآت النفطية التابعون لوزارة الدفاع المكلفة بحراسة تلك المنشآت على الموانئ النفطية شرق البلاد منذ تموز/يوليو ويطالبون باستقلال منطقتهم (بنغازي) في اطار نظام فدرالي ليبي. واعلن انصار النظام الفدرالي في وقت سابق انشاء شركة نفطية لتسويق النفط وبنك اقليمي في ما يبدو انها طريقة جديدة للضغط على سلطات طرابلس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الثاني/2014 - 9/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م