عمالة الاطفال ظاهرة خطيرة تواجه المجتمع العراقي

اطفال يشتاقون الى مقاعد الدراسة ويبكون على طفولتهم الضائعة

تحقيق: انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: اورثت ظروف العراق الاستثنائية من حروب متتالية وعقوبات اقتصادية خانقة اسهمت بتدمير كل مقومات النظام الاقتصادي، وهو ما اثر سلبا على حياة المواطن العراقي، حيث اجبرت تلك الظروف القاهرة الكثير من العائلات الفقيرة والمعدومة على إيقاف تعليم أطفالها ودفعهم الى اسواق العمل بدلا من المدرسة. ليكدح هؤلاء الأطفال ساعات طويلة لمساعدة عائلاتهم، ويزاولون شتى الاعمال يتعرضون خلالها الى اشكال مختلفة من الاستغلال والاضطهاد.

 وتبرز هذه الظاهرة بمأساوية في الشوارع والأسواق وفي المعامل والورش الحرفية على اختلافها. ورغم خطورة هذه الظاهرة وتفشيها والتي تستدعي دراسة جدية تبدأ بتقدير حجمها الا انه لا توجد احصائيات عراقية دقيقة، تتيح اعداد الخطط اللازمة لمكافحة عمالة الأطفال بحسب مديرة هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل عبير الجلبي.

(شبكة النبأ المعلوماتية) كان لها هذه الوقفة القصيرة مع بعض الاطفال حيث استمعت لبعض مشاكلهم وعرضتها على ذوي الاختصاص لتسليط الضوء على مدى خطورة المشكلة وكيفية معالجتها.

واذا استعرضنا الاعمال الشاقة التي يمتهنها الأطفال بين ال8 وال17 من العمر نجدها لا تتناسب مع اعمارهم وقابلياتهم البدنية وحتى العقلية. فهذا "علي 13 عاما" يدفع عربة خشبية ثقيلة يحمل بداخلها اربع نساء، بمعنى انه يدفع 250 كغم على اقل تقدير بين باب العباس و باب طويريج وبأجرة بسيطة تتراوح بين (1000 الى 2000) على احسن تقدير للدرب الواحد..

يقول علي لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): انه يتمنى ان يعود الى مقاعد الدراسة ويلعب كرة القدم مع الاطفال في الشارع. لكن الحياة صعبة جدا يقولها وهو يهز رأسه الصغير المثقل بالكثير من الهموم والافكار، ويضيف"علي" أبي المريض ينتظر ان اسلمه (عشرة آلاف دينار) يوميا لينفقها على إخوتي الصغار. كثيرٌ هم من على شاكلةِ "علي" يعملون في معامل صنع البلوك او الحدادة او معامل الكعك والمعجنات والصناعات الكيمياوية التي تعرض حياتهم للخطر والتسمم وربما الأمراض السرطانية.

عمالة المراهقات

الفقر وكت يعلم الجميع لا يفرق بين الاولاد والبنات فان الفاقة قد تدفع بعض العوائل لبيع بناتها لرجال كبار في السن او تدفعه للعمل في الحقول في ايام الحصاد ومواسم جني التمور وغيرها. وفي هذا الشأن تقول "فاطمة" ذات الاربعة عشر عاما وهي تحاول جاهدة ان تخفي الدمعة من عينها: كنت اعمل "طواشه" أيام الحصاد وجني التمور او في العلاوي والمكابس لفرز أنواع التمور وحفظها. ورغم ا ن ابي موظف خدمي يعمل في احد الدوائر لكنه ينتظر اجري منذ اليوم الثالث من كل شهر لأنه يستهلك راتبه بين التدخين وبعض المصاريف البسيطة على أخوتي الستة.

وتضيف فاطمة لـ( شبكة النبأ المعلوماتية): كان دائما يعدني خيرا عندما يجد عملا او عندما يكبر اخي الاصغر فيخرج للعمل، وفي هذه الاثناء خطبني منه احد اصحاب الحقول التي اعمل بها وهو رجل كبير يبلغ من العمر50 عام وبعد الزواج اكتشفت انه عقيم فهددت والدي ان يطلقني منه او انتحر فطلقني الرجل وحفظ ماء وجهه وعدت انا الى اهلي مطلقة. وتعُرض الفتيات ايضا للعمل في خدمة المنازل او بائعات متجولات في الاسواق وعند أبواب العتبات المقدسة وتتراوح اعمارهم بين 6-12.

مخاطر العمل والاختلاط

لا تتوقف خطورة عمالة الاطفال على الإساءة البدنية والصحية فقط بل غالبا ما يتعرضون للاعتداء الجنسي والاختلاط بمروجي المخدرات هذا فضلا عن مخاطر سلوكية ونفسيه كثيرة. حيث يقول الباحث الاجتماعي حيدر حسنين من محكمة الأحوال الشخصية في كربلاء: ان طفلا كان في الثالثة عشر من عمره جميل الوجه كان يتنافس عليه والديه المطلقين في المحكمة وكان وحيدهما فحكمت المحكمة بحضانته للوالد فلم تحتمله زوجة الاب فطرد الى امه فلم يحتمله زوج الام وضاع الطفل بين والديه في شوارع وبين مروجي المخدرات.

ويضيف حسنين لـ(شبكة النبأ المعلوماتية ): قبل ايام التقيته بين الحرمين وقد اشترى عربة خشبية واخبرني انه ينام في الشارع او في اماكن خاصة للمتشردين ولم يستطع اكمال المدرسة رغم انه كان متفوق و يحصل على اجر جيد لأنه لا يجد وقتا للدراسة ولا مكانا مناسبا لها وقال لي انه خائف جدا من ان يتعرض للاغتصاب لان امثاله يتعرضون للاغتصاب او يروجون المخدرات والمسكرات مقابل الحصول على سكن.

الباحث حيدر حسنين يعيد التذكير بأن العراق من الدول الموقعة على اتفاقيات دولية تمنع عمالة الأطفال منعا باتا فضلا عن القوانين والتشريعات الوطنية في قانون العمل والذي لا يسمح بتشغيل الأطفال بأعمار معينه ولكن هذه القوانين غير مفعلة والعراق لا يلتزم بالقوانين الدولية فيما يخص الأطفال. وأعرب حسنين عن اسفة لعدم وجود تشريع يحمي الطفولة في العراق محذرا من ان الطفل الذي تُهضم حقوقه برميه في الشارع ودفعه الى العمل في سن العاشرة مثلا سيصبح قنبلة موقوتة بعد عشر سنوات أخرى بسبب مخاطر انحراف التي تواجهه في طفولته.

منظمات المجتمع المدني

 من جانب اخر تعمل منظمات المجتمع المدني جاهدة لمحاربة هذه الظاهرة والمشكلة الخطيرة والعمل على إيجاد الحلول والمعالجات التي من شأنها الحد من ظاهرة عمالة الأطفال التي أخذت تتفاقم وتستفحل من عام إلى آخر وخصوصا في المناطق الفقيرة، بسبب تزايد معدلات الفقر وانهيار الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وفي هذا الشأن التقت (شبكة النبأ المعلوماتية) الدكتور عادل الاسدي مدرب وناشط مدني حيث قال: نحن في برامجنا نسعى للخروج بتوصيات مهمة حول تشريع او تفعيل القوانين العراقية للحد من ظاهرة عمالة الأطفال ومحاولة تحسين الواقع المعاش للعائلة العراقية لغرض تقليص ظاهرة الاعتماد على عمالة الطفولة وخصوصا عن العوائل الفقيرة. وكذلك زيادة ثقافة المجتمع من منظمات المجتمع المدني ناشطين وإعلاميين في مفهوم المدافعة وخاصة المدافعة التشريعية وتدريبهم من اجل خلق فريق وأجواء مدافعة متطورة.

وتعمل منظمات المجتمع المدني الخاصة بالطفل على عدة توصيات منها محاولة الضغط على صانعي القرار من اجل تشريع وتفعيل القوانين التي تمنع عمالة الأطفال، والنظر بجدية لحل مشاكل العائلة العراقية وخاصة الفقيرة والتي تتخذ من الطفل مصدرا للرزق وكسب العيش. ويبقى الفقر والعوز هو احد اهم الاسباب التي تدفع الاسر الى استغلال اطفالها فضلا عن الاستغلال الذي يتعرض له الطفل في ساحات العمل وعليه نحن بحاجة للإسراع بتشكيل وبناء صندوق لدعم الطفولة في العراق ومراقبة اصحاب العمل والمهن وعدم تشغيل الاطفال واستغلالهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الثاني/2014 - 9/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م