الشيعة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما الذي يجمع الشيعة بالسنة؟.

المثلث العقائدي الأساسي: وحدة الله، صحة القرآن، نبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم).. انه مثلث معرفي، شاءت السياسة ان يكون عامل تفريق لاجمع، ومنه هذه النتائج التي نحصدها في واقعنا اليومي..

فقط العواصف تكنس الغبار المتراكم، غبار النسيان عن كل شيء، وتعيد اظهاره من جديد قبل ان يكسوه الغبار مرة اخرى..

في العام 1979 حدثت الثورة في ايران، ومثل هذا الحدث لم يكن عابرا وقتها وحتى الان بنتائجه، والذي اخذ حيزا كبيرا من الاهتمام، خصوصا وان القضية الفلسطينية كانت في القلب من تصريحات قادة الثورة يومها، وتلك الايام هي ايضا زمن الافتتان بهذه القضية..

نخب اسلامية وفكرية وسياسية، اصبحت ايران محجة لهم، (ياسر عرفات – امين هويدي – محمد حسنين هيكل) وغيرهم اخرون..

برز الشيعة كقوة على الساحة السياسية، لكنها قوة فتية لم تحدد اتجاه بوصلتها بعد، مع تحديات كبيرة، الهوية الجديدة والتعريف بها امام الاخرين..

بعد اشهر قليلة، تندلع الحرب العراقية الايرانية، وينقسم العالم الاسلامي، الذي وحده المثلث العقائدي، بين داعم لايران واخر للعراق، وظهرت تسميات جديدة اخذت ترسخ وجودها الايديولوجي في اذهان المسلمين..

(تصدير الثورة – حرب التحرير القومية – الفرس المجوس)، وظهر التذكير بحروب ووقائع سابقة، (يوم ذي قار – الشعوبية – سقوط بغداد بايدي المغول) وغيرها الكثير ايضا..

ليس مهما ماحدث بعدها، فبطل التحرير القومي الذي اطلق عليه هذه التسمية الاعلام العراقي ومنه انتقل الى الاعلام العربي، سيد الميدان الحربي بمساعدة (امريكا – فرنسا – بريطانيا – دول الخليج العربي) مع قنوات فرعية تساهم في الجهد الحربي للطرف المقابل (ايران غيت) ..

حدث مثل ما جرى في العام 1979 هو مثل العاصفة، ازاح نظام حكم تاريخي وجاء باخر غيره يختلف عنه في كل شيء، ولعل ابرز اختلاف هو هويته المذهبية التي يحملها..

لم تكن تلك السنوات وحين النظر اليها من زاوية السياسة، الا صراع على النفوذ والمكانة، كما لو حدث بين دولتين اخرتين (المانيا – بريطانيا) و (بريطانيا -فرنسا) او من خلال الحروب العالمية الاولى والثانية، صراع مدمر لاجل المصالح والنفوذ، ولم يكن الحديث يومها عن صراع (كاثوليكي – بروتستانتي- انجليكاني) او (بوذي – مسيحي) او ( اسلامي – مسيحي)..

فقط في الفعاليات السياسية العربية يتم استحضار ذلك التاريخ الديني في كل صراع طرفاه، وللصدفة، على مذهبين مختلفين..

حتى قبل اربعمائة عام وقبل تحول ايران الى المذهب الشيعي كان يشار اليها في المدونات التاريخية بايران الاسلامية والمسلمة، ويحتفي بها وبتاريخها الحضاري، وبعد تحولها خرجت من هذه التسمية الجامعة الموحدة، الى تسمية اخرى مفارقة ومفرقة، وكانها في تسميتها الجديدة وضع شاذ يستبطن كل شذوذه في التاريخ المحتفى به نفسه..

لنفترض والافتراض جزء من المعرفة، لو ان ايران كانت ذات غالبية سنية، هل كان شكل الصراع ارتدى اقنعة اخرى؟، وما هي تسمياتها تبعا لهذا الافتنراض؟.

ويمكن افتراض الكثير من تلك الامور، كأن تكون تركيا ذات غالبية شيعية، وان مصر تدين بالمذهب الوهابي، والسعودية على عكس ذلك، ماذا كنا سنسمي صراعات المصالح والنفوذ بينها؟

الحتمية الجغرافية لا يمكن لأي دولة في هذا العالم الفكاك والتخلص منها، والحتمية التاريخية مسرحها ذات الجغرافية التي حدثت فوق مسرحها كثير من الحروب والنزاعات والوقائع..

في العام 2000 انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان، اختفى حتى حين التقسيم المذهبي، وفي العام 2006 ظهر هذا التقسيم من جديد في الحرب الاسرائيلية على لبنان، شهد الصف العربي انقساما واضحا وخاصة في موقف كل من مصر والسعودية الرسمي التي وصف وزير خارجيتها عملية خطف الجنديين (بالمغامرات غير المسؤولة) وكانت السعودية ومصر قد أصدرت بيانا هاجمت فيه ما سمته (عناصر لبنانية) بسبب ما اعتبرته (مغامرة غير محسوبة دون الرجوع إلى السلطة الشرعية) ودون التنسيق مع الدول العربية ولكن بالرغم من ذلك خرجت مظاهرات مؤيدة لحزب الله في مصر رفعت بها أعلام لبنان وحزب الله وصور حسن نصر الله زعيم حزب الله وطالبت بدعم حزب الله عسكريا ضد إسرائيل، وأعلن مرشد جماعة الاخوان المسلمين بمصر محمد مهدي عاكف أن (جماعة الإخوان المسلمين مُستعدة لإرسال عدة آلاف من أعضائها للقتال إلى جوار حزب الله في لبنان في حربه مع إسرائيل).

وهي نفس الجماعة التي سيعلن رئيسها المنتخب لحكم مصر الجهاد ضد الشيعة في العام 2013 والذي صعدت به امطار ماعرف بالربيع العربي، الذي كانت شعاراته تنادي بالديمقراطية والمساواة والتعددية..

السياسة ونتاجها الذي تراكم منذ العهود الاولى، خلق هذه (الثقافة السياسية) التي توجه المجتمعات نحو التصارع حول هوياتها التي هي مصدر قوة للتنوع الثقافي فيها وللتعددية التي خرجت متظاهرة من اجلها.. لكنها (الثقافة السياسية) لا تؤمن الا بتعددية الفاعل السياسي دون غيره من فاعلين اجتماعيين او ثقافيين، في اعادة لإنتاج نسخة جديدة من الاستبداد الذي هو في وجه من وجوهه يريد اشكالا متشابهة لا اختلاف بينها للقطيع الذي يسوسه او يرعاه..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الثاني/2014 - 9/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م