العسكرتاريا والدكتاتورية وجهان لعملة واحدة

علي حسين عبيد

 

شكة النبأ: لم يقل أحد من أصحاب التخصص العسكري، ولم يصرّح احد من الباحثين والخبراء العسكريين، بعدم أهمية الجيش للدولة!، ولم يظهر رأي يقول بأهمية إلغاء القوات العسكرية والاجهزة الامنية من مكونات الدولة، إلا اذا كان الامر يتعلق بالمدينة الافلاطونية الفاضلة!، ولكن عندما تتضخم هذه القوة وتصبح عاملا لتهديد الامن السياسي والمجتمعي، بدلا من تحصينه وحمايته، عند ذاك تظهر مبررات الدعوة لكبح جماح العسكرتارية التي ستشكل خطرا مزدوجا على الدولة والمجتمع، لأنها ستصبح في هذه الحالة منتجا أساسيا للمنهج الدكتاتوري في الحكم، وبهذا تتشكل بوادر ما يطلق عليه بالتقارب والتشابه والتداخل بين الاثنين، حتى تصبح العسكرتارية والدكتاتورية وجهان لعملة او حالة او صورة واحدة.

في تجارب الحكم العربية هناك نزوع شديد نحو العسكرة، فالطابع العام المعروف عن انظمة الحكم في البلدان العربية، هي انظمة يقودها أفراد عسكريون في الغالب، بل حتى بعض الانظمة التي يقودها رؤساء مدنيون، سرعان ما يرتدون الزي العسكري، فيصبحون عسكرا لأسباب لا احد يعرفها بالضبط، لكنها تشي بالميل نحو التفرد بالسلطة، فهل هو ميل لصناعة الهيبة (هيبة النظام السياسي)، لفرض السلطة الدكتاتورية على الشعب، أو ثمة أسباب أخرى خفية؟، لكن على العموم الامر الذي لا يمكن نفيه، ان الطابع العسكري واضح في معظم تشكيلات الانظمة السياسية العربية، الامر الذي يؤكد تداخل هذه الانظمة بما يصطلح عليه بـ العسكرتارية، كونها أما قادمة عبر الانقلابات، وهو ما كان قائما، وربما لا يزال منهجا لتداول الحكم، بسبب الارث السلطوي المعروف في تناقل السلطة عبر التاريخ السياسي العربي، وعلى الرغم من أن العسكرتارية مصطلح وافد، إلا أننا لا نستطيع نفيها عن الطباع العام للانظمة السياسية العربية عموما، كونها تخضع في الغالب للمؤسسة العسكرية.

في هذا الشأن يذكر احد الكتاب في توضيح له (أن المفاهيم الاكثر رواجاً حول العسكرتارية قادمة الينا من امريكا اللاتينية بالتحديد ومن بعض الدول الآسيوية كباكستان، حيث تختلف الظروف والحيثيات ويقترن حكم العسكر بالاحتكار ومسلسل الانقلابات، وفي عالمنا العربي ظهر زعماء مدنيون ارتدوا زي الجنرالات رغم ان مرجعياتهم ليست عسكرية ومنهم من قدم نموذجاً لاحتكار السلطة).

هذا يعني ان حكامنا متشبثون بالعسكرة، حتى عندما ينحدرون من العنصر المدني، فما هو السر في هذا التمسك المثير للجدل بالمظاهر العسكرية؟ خاصة أننا نفهم من تجارب التاريخ، ان تضخم هذه المؤسسات يعطي مؤشرات واضحة على تحول السلطة، من يد الشعب الى يد الحاكم، ليبدأ مسلسل الاستبداد والبطش!.

ولعل ما يحدث في مصر الآن من سيطرة قصوى للجيش على مقاليد الامور، قد يصلح مثالا او نموذجا للتعلق الشديد بالعسكرتارية، وقد تابع العالم مسلسل التغيير الذي حدث على يد الجيش المصري، وعملية عزل محمد مرسي واقصاء الاخوان، في خطوات حازمة تشي بأن الدكتاتورية العسكرتارية قادمة، خاصة ان الاخبار التي تسربها وتنشرها وسائل الاعلام، تذكر ان وزير الدفاع المصري، قائد عملية عزل مرسي، والمسؤول عن سيناريو فرض الحكم العسكري في مصر، يستعد للاستقالة من منصبه من اجل الترشيح الى انتخابات رئاسة الجمهورية؟، ترى ماذا تعني مثل هذه الخطوة؟ وهل هناك شك في ان النظام السياسي في مصر يعود مرة اخرى الى الفردية العسكرية؟، وكأن المصريين يعودون الى نقطة الصفر، فلا فرق بين العسكري مبارك والعسكري السيسي في المقاييس السياسية، طالما انه ينحدر من المؤسسة العسكرية، لذا قد تعود البوصلة الى الحكم العسكري مجددا في مصر، أي أن النظام السياسي في مصر سيعود فرديا، على الرغم من خطوة ارتداء اللباس المدني، وهو لباس شكلي مظهري كما هو واضح، لأن السيسي تربى في المؤسسة العسكرية وتعلم فيها، فالمرجح بل الاكيد ان الفردية في طريقها مرة اخرى الى حكم المصريين، وكأن الدول العربية عاجزة بصورة واضحة، عن مغادرة العسكر الى الحكم المدني!.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الثاني/2014 - 9/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م