المؤمن: سنبلة العطاء والتواضع

قراءة تحليلية في حديث للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله

 

شبكة النبأ: وصف الباحثون اللغويون وأصحاب التخصص، لغة القرآن الكريم بأنها لغة البيان والاعجاز، والمجاز والتشبيه التي لم يستطع أن يباريها كائن بشري، مهما كانت قدراته اللغوية وخياله من القوة والتفرد، وقد أخذ الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة الاطهار عليهم السلام من بعده، أخذوا قوة البيان والاعجاز في اقوالهم وأحاديثهم الشريفة، من اللغة القرآنية المباركة، لذلك نجد أقوال واحاديث وخطب ونصوص الرسول والائمة صلوات الله عليهم، تحمل من مزايا الخيال والمجاز ما يجعلها ضاربة في الاعماق، لكي تترك التأثير اللازم في النفوس والقلوب معا.

في النص او الحديث النبوي الشريف نقرأ: (مثل المؤمن كمثل السنبلة تخر مرة وتستقيم مرة، ومثل الكافر كمثل الأرز، لا يزال مستقيماً حتى يخر ولا يشعر)، هذا الحديث الشريف يصف المؤمن الحقيقي، عبر تشبيه جميل واضح مؤثر وعميق في الوقت نفسه، فالمؤمن هنا هو السنبلة التي يثقلها عطاؤها، وما تقدمه للكائنات من سد لحاجة الطعام ومواصلة الحياة، إنها تساعد الكائن الحي بشرا وغيره، على البقاء أحياء، بمعنى أن السنبلة لها الفضل الذي لا يُضاهى على الكائنات لكي تستمر بالحياة، ومع ذلك هي رقيقة متواضعة، يمكن لثقل الحبوب التي تحملها أن تحنيها نحو الارض، بفعل قوة الريح وما شابه، ولكن السنبلة سرعان ما تعلو وتستقيم فتعود الى شموخها ومكانتها الحقيقية.

إذاً الانسان المؤمن هو ذلك الكائن الكريم المثقل بالعطاء، وهو المتواضع على الرغم مما يقدمه للاخر من معاونة في سد احتياجاته المختلفة، بمعنى هو الاكثر عطاءً والاكثر تواضعا في الوقت نفسه، على العكس ممن لا يملكون الايمان الحقيقي، أولئك الذي سرعان ما يمنّوا على الناس فيما لو ساعدوهم بشيء بسيط!!، هذا اذا كانت لدى غير المؤمنين الجرأة على مساعدة الناس، لأن المساعدة والعمل على قضاء ما يحتاجه الآخرون، أمر يتطلب الشجاعة والقدرة على العطاء والكرم، والانسان غير المؤمن غالبا ما تثقل عليه مساعدة الناس، لأنه مجبول على الاستحواذ وتملّك الاشياء لنفسه، بل يرى في الحياة سباقا لكنز الاموال بأية طريقة كانت، ويبقى منشغلا بهذا الهدف ليل نهار، فيصبح جمع المال ومضاعفة النفوذ والقوة والجاه همّه وهدفه الدائم، لذلك فهو لا يشعر في اليوم الذي يخرّ فيه فجأة، ولا يمكنه الاستقامة او النهوض او القيام بعد أن يسقط سقطته الأخيرة التي تنقله الى العالم الآخر، عالم المقاضاة والحساب.

وصف متفرد وعميق ورائع حقا ودقيق، ذلك الذي ينطوي عليه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فحياتنا تضج بأولئك الذين ينشغلون عن مساعدة الآخرين بأنفسهم، ومصالحهم ومنافعهم، متخذين من السلطة والقوة والبطش وشتى مسالك التجاوز طريقا لتحقيق مآربهم، هؤلاء هم الذين وصفهم الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بشجرة الأرز، وهي نوع من الخشب المستقيم الذي لا ينحني للريح او سواها، لكنه في لحظة النهاية او الموت يخر ساقطا تلك السقطة الابدية التي لا نهوض بعدها، أما المؤمن فهو ذلك الذي يثقله تواضعه، ونزعة الخير التي تملأ كيانه وقلبه ونفسه، فيندفع بكل ما يستطيع من قدرة لمساعدة الآخرين، وإبداء التعاون وروح المشاركة معهم على تنظيم شؤون الحياة وتذليل مصاعبها، يقوده الى ذلك تواضعه الجم، وأخلاقه العالية، وحبه وتفضليه الاخرين حتى على نفسه، هذا هو الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالسنبلة المعطاء، السنبلة التي تتواضع للجميع مع انها تمنحهم سبل الحياة وديمومتها، فتميل مع الريح وتهبط نحو الارض لضرورة ما، لكنها سرعان ما تعود الى وضعها الاول ومكانتها العالية.

تلك هي صفات المؤمن وحياته، على الضد تماما من حياة الانسان الذي يخلو قلبه من الرأفة، والخشوع، والرغبة في التعاون على تذليل مصاعب الحياة، إنه الانسان المتغطرس، المنعزل على نفسه، اللاهث وراء المصالح بشتى السبل والطرائق، هو الارز المستقيم الثابت على الخطأ، وهو المنشغل بذاته ومنافعه بعيدا عن التواضع والتعايش والمحبة، حتى اللحظة التي يخر فيها ساقطا الى غير رجعة، حيث تحتضنه حفرة في باطن الارض الى الابد، على العكس من الانسان المؤمن المثقل بالعطاء والتواضع ومحبة الاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/كانون الثاني/2014 - 7/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م