الذهب الأسود العراقي..

عندما تشكل الأحقية الدستورية خلافات سياسة تنتج الأزمات

 

شبكة النبأ: يعتبر ملف النفط واستغلال الثروات الطبيعية في العراق احد اهم وأبرز الملفات الخلافية القائمة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، وهو ما اسهم بتعطيل الكثير من المشاريع والخطط الاستثمارية التي تخص القطاع النفطي الذي يعد اهم مورد اقتصادي للبلاد هذا بالإضافة الى تأثيراتها الاخرى على مجريات العملية السياسية كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان الخلاف النفطي بين بغداد واربيل هو خلاف معقد يحتاج الى تنازلات وتوافقات خاصة، تحدد الصلاحيات والحصص النفطية والأحقية الدستورية بإبرام العقود والصفقات مع الشركات العالمية داخل الاقليم، الذي يسعى الى احكام سيطرته المطلقة على موارد النفط في الشمال، خصوصا مع وجود اطراف خارجية مستفيدة تسعى الى توسيع علاقاتها الاقتصادية والنفطية مع حكومة إقليم كردستان، وهو امر ترفضه الحكومة المركزية وتعتبره انتهاك صارخ لدستور العراقي، وفي هذا الشأن قال تجار ومصادر في قطاع النفط إن إقليم كردستان العراقي بدأ تصدير خام النفط الثقيل إلى الأسواق العالمية في خطوة جديدة لتعزيز سيطرته على قطاعه المربح بعيدا عن الحكومة المركزية في بغداد.

ويأتي بيع خام شيخان الثقيل الذي تنقله شاحنات عبر تركيا إلى ناقلة هناك قبيل التصدير المزمع لخام طق طق الخفيف عبر خط أنابيب جديد. وبدأت حكومة إقليم كردستان بيع نفطها بشكل مستقل عن بغداد في 2012 مستهلة عمليات البيع بالمكثفات النفطية ثم خام طق طق الذي تنتجه جينل النفطية المدرجة في بورصة لندن. وأغضبت تلك الصادرات حكومة بغداد التي تعتبرها عمليات تهريب.

والمحادثات جارية بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان للتوصل إلى اتفاق حول صادرات النفط وتقاسم الإيرادات بعدما وقعت أربيل وأنقرة حزمة اتفاقات في مجال الطاقة بمليارات الدولارات في نهاية نوفمبر تشرين الثاني من بينها إنشاء خطوط أنابيب للغاز واتفاقات تنقيب. وقال وزير النفط العراقي إن بغداد سوف تستعيد سيطرتها على إيرادات النفط.

ورغم تهديدات بغداد باتخاذ إجراءات قانونية ضد المشترين المحتملين على مدى العام الماضي فقد مضت حكومة إقليم كردستان قدما في تصدير خام شيخان في أول شحنات دولية لشركة جلف كيستون بالإقليم. وقالت مصادر تجارية مطلعة إن شركة باورترانس التجارية التي تعمل كوسيط تستخدمه حكومة كردستان لتصدير نفطها من تركيا باعت شحنة تزن 30 ألف طن من خام شيخان للتحميل في الفترة من السادس إلى العاشر من يناير كانون الثاني.

وقال مصدر تجاري إن الشحنة سيتم تحميلها في مرفأ دلتا روبس في دورتيول على خليج الاسكندرونة. وحقل شيخان النفطي تديره جلف كيستون وتملك فيه إم.أو.إل المجرية حصة نسبتها 20 في المئة. واستهل الحقل انتاجه التجاري في يوليو تموز 2013 بطاقة مبدئية عشرة آلاف برميل يوميا ومن المتوقع أن يصل الانتاج إلى 40 ألف برميل يوميا في أوائل 2014. بحسب رويترز.

من جانب اخر أفادت مصادر كردية بأن احتياطيات النفط الخام في إقليم كردستان العراق تبلغ اكثر من 60 مليار برميل. وقال بيوار خنسي، مستشار الأمن الاقتصادي في حكومة إقليم كردستان، في تصريح صحافي نشر على موقع حكومة الإقليم، إن العمل جار لمد أنبوبين آخرين لنقل النفط والغاز من الإقليم إلى تركيا من المؤمل إنجازهما في عام 2016 وإن احتياطي النفط في الإقليم يبلغ أكثر من 60 مليار برميل، إلا أن الاكتشافات الأولية بلغت حتى الآن زهاء 45 مليار برميل وتلك هي توقعاتنا، و60 مليار برميل إذا ما قامت الشركات الأجنبية المتخصصة بمسح أراضي الإقليم وإكتشاف إحتياطياته الحقيقية.

وأضاف قد يرتفع ذلك إلى ضعف هذه الكمية في حال عودة كركوك والمناطق الكردستانية خارج الإقليم إلى حدود إدارة إقليم كردستان، وإن عدد الشركات الأجنبية العاملة في المجال النفطي في إقليم كردستان يبلغ 52 شركة وقد توصلت باختباراتها العلمية والعملية وتوقعاتها المعتمدة الى هذه النتيجة والتي تمتد أعماق اكتشافاتها وتنقيباتها حتى الآن الى 3700 متر تحت الأرض.

وذكر أن الشركات الأجنبية تعمل حالياً في 14 حقلا نفطياً من مجموع 46 قطاعاً أساسياً والتي بالإمكان أن يصل معدل إنتاجها اليومي الحالي الى 300 ألف برميل، وأن تركيا دخلت بمساع لمعالجة القضايا العالقة بين حكومتي إقليم كردستان والعراق الاتحادي والمتوقع أن تصل مباحثات الجانبين بهذا الشأن إلى حل مناسب.

وقال خنسي إن نجاح مد الأنبوب النفطي الأول من الإقليم الى تركيا قد دفع حكومة إقليم كردستان للعمل حالياً على إنشاء أنبوبين جديدين أحدهما لتصدير النفط والآخر لتصدير الغاز واللذين يتم إنجازهما في عام 2016 وأن الاحتياطي المتوقع للإقليم من الغاز الطبيعي يبلغ من 3 إلى 6 مليار متر مكعب وسيكون له بذلك دوره في خط نابوكو الدولي الجامع للغاز الطبيعي من الإقليم في شتى بلدان العالم وذلك بتأمين قسم من متطلبات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي. وأضاف أن حكومة إقليم كردستان أبرمت حتى الآن 52 عقداً للنفط والغاز مع 52 شركة أجنبية من 27 دولة.

اتفاق عراقي تركي

في السياق ذاته قالت بغداد وأنقرة إنه يتعين موافقة الحكومة المركزية في العراق على الصادرات النفطية من أي مكان في العراق. جاء ذلك في اعقاب اجتماع ثنائي استهدف نزع فتيل التوتر حول صادرات الطاقة من منطقة كردستان شبه المستقلة بالعراق. وتريد تركيا العطشى للطاقة والمعتمدة على الاستيراد لتلبية كل حاجاتها تقريبا استيراد النفط من كردستان العراق للمساعدة في تنويع امداداتها من الطاقة وتقليص فاتورة الطاقة الضخمة البالغة 60 مليار دولار سنويا. لكن تودد تركيا لحكومة اقليم كردستان أغضب الحكومة المركزية في بغداد التي تقول إنها الوحيدة المخولة بإدارة موارد الطاقة العراقية.

قال نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني في مؤتمر صحفي مع وزير الطاقة التركي تانر يلدز في العاصمة العراقية انه اتفق مع يلدز على أن اي صادرات يجب ان تكون بموافقة الحكومة العراقية وانه سيتم بحث الآليات لتنفيذ ذلك. وقال يلدز ان تركيا ستطلب موافقة بغداد على التصدير التجاري للنفط من منطقة كردستان العراق.

وجاء في اعلان مشترك للوزيرين انهما يهدفان للحصول على موافقة الحكومة المركزية على التصدير التجاري للنفط من حكومة اقليم كردستان إلى تركيا والبدء في خطة تعاون لخدمة مصالح جميع الاطراف الثلاثة. وقالت مصادر مطلعة إن تركيا وكردستان العراق وقعا حزمة في مجال الطاقة بمليارات الدولارات وهو ما سيساعد على تحويل الإقليم العراقي إلى قوة في النفط والغاز. بحسب رويترز.

وتقول وزارة الخارجية التركية منذ ذلك الحين إن أنقرة وأربيل "أبرمتا بعض الاتفاقات التجارية" لكن ليس بشكل نهائي بعد وأضافت أن تركيا ستسعى للتنسيق مع بغداد في هذا الصدد. وقال يلدز إن الجانبين بحثا ايضا خطة حالية لمد خط انابيب لنقل النفط الخام من حقول نفط البصرة في جنوب العراق إلى تركيا.

وهذه أول زيارة يقوم بها يلدز إلى العراق منذ منعت بغداد طائرته من الهبوط في وقت سابق عندما حاول حضور مؤتمر للطاقة في أربيل بكردستان العراق وسط النزاع القائم منذ فترة طويلة بسبب النفط. وتقول بغداد إن المساعي الكردية للاستقلال النفطي قد تفضي إلى تفكك الدولة وأثار النزاع قلقا في واشنطن أيضا. وكان الشهرستاني قال إن أي اتفاق بشأن الطاقة مع أربيل سيكون "انتهاكا لسيادة العراق".

اكسون موبيل

على صعيد متصل باعت شركة اكسون موبيل الاميركية جزءا من حصتها المثيرة للجدل في حقل نفطي عملاق في جنوب العراق الشركتين هما الصينية بتروتشاينا والاندونيسية بيرتامينا. ويأتي بيع حصة اكسون موبيل جزءا من حصتها في حقل غرب القرنة 1 وهو احد اضخم الحقول النفطية في العراق، وسط خلافات بين الحكومة المركزية في بغداد والشركة الاميركية العملاقة اثر تعاقدات الشركة مع اقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد "تم التوقيع على استكمال بيع اكسون موبيل لجزء من حصتها في حقل غربي القرنة 1 البالغة 60 بالمئة". واوضح ان "الشركة الاميركية باعت 35 بالمئة من حصتها وبقيت 25 بالمئة مع بقائها المشغل الرئيسي للحقل كما هو الحال الان". واشار الى ان "شركة بتروتشاينا اشترت 25 بالمئة فيما اشترت بيرتامينا الاندونيسية عشرة بالمئة من حصة اكسون موبيل الاميركية". بحسب فرانس برس.

وكانت ائتلاف بقيادة اكسون موبيل الاميركية والشركة البريطانية الهولندية شل ابرما اتفاقا مع بغداد لتطوير انتاج الحقل النفطي الذي يحوي على احتياطات تبلغ 8,5 مليار برميل. ووقعت اكسون موبيل في تشرين الاول/اكتوبر عقدا لاكتشاف النفط مع كردستان العراق في عشر مناطق، تتنازع السلطات الاقليمية الكردية والحكومة المركزية في بغداد السيادة عليهما. واكدت الحكومة في بغداد ان كل العقود النفطية يجب ان تخضع لها وتعتبر العقود التي لا تحظى بموافقتها غير قانونية.

زيادة صادرات النفط

الى جانب ذلك يعتزم العراق زيادة إنتاجه النفطي أكثر من مليون برميل يوميا ليتجاوز أربعة ملايين برميل يوميا في 2014 وذلك في أكبر زيادة للإمدادات منذ الاطاحة بصدام حسين قبل عشرة أعوام. وقال وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي إن بلاده تعتزم في المتوسط إنتاج 3.4 مليون برميل يوميا من النفط في 2014 منها 400 ألف برميل يوميا من المنطقة الكردية.

ومع تقدير الاستهلاك المحلي بنحو 700 ألف برميل يوميا يرتفع إجمالي الامدادات لما يزيد على أربعة ملايين برميل يوميا من أقل من ثلاثة ملايين برميل يوميا في الوقت الحالي. ومن شأن زيادة الإنتاج أن تكثف الضغوط على المنتجين الآخرين في أوبك ولاسيما السعودية لتقليص الإمدادات لمنع هبوط الأسعار.

غير أن خبراء الصناعة ومسؤولين تنفيذيين في شركات النفط يعملون في تطوير حقول النفط في العراق يقولون إن من المستبعد على ما يبدو بلوغ هدف إنتاج أربعة ملايين برميل يوميا. ويتوقعون أن يسجل العراق زيادة متواضعة بسبب قيود البنية التحتية ومشاكل الأمن. وقال جونيت كازوك أوغلو من اف.جي.إي للاستشارات "التقديرات العراقية متفائلة جدا. لا أعتقد أن الانتاج سيصل إلى هذا المستوى ولا يمكن ان تسجل صادرات كردستان العراق 400 ألف برميل يوميا. ربما تبلغ 300 ألف برميل يوميا."

وقال لعيبي إن بغداد اقتربت من الاتفاق على خفض أهداف الانتاج المرتفعة لحقول جنوبية عملاقة هي الرملية وتديره بي.بي وغرب القرنة-1 وتديره إكسون موبيل ومجنون الذي تديره رويال داتش شل. وستكون أهداف الانتاج الجديدة قابلة للتحقيق مما يعني عدم تغريم شركات النفط لعجزها عن الالتزام بأهداف غير واقعية. وقال لعيبي إن هدف الانتاج الجديد في الرميلة نحو 2.1 مليون برميل يوميا من 2.85 مليون برميل من قبل وفي غرب القرنة-1 نحو 1.6 مليون برميل يوميا مقارنة مع 1.8 مليون برميل وفي مجنون بين مليون و1.2 مليون برميل من 1.8 مليون برميل يوميا. بحسب رويترز.

من جهة اخرى قالت مصادر تجارية إن الصين سترفع مشترياتها من الخام العراقي بما يزيد على الثلثين لتلبية الطلب الداخلي المتنامي. وأصبح العراق ثالث أكثر مصدر للصين بعد السعودية وأنجولا وتقدم على روسيا وسلطنة عمان مع نجاح جهوده للفوز بحصة أكبر في السوق. ووعدت بغداد ثاني أكبر منتج في أوبك المشترين في آسيا بشروط سداد ميسرة وبحسب مصادر وقعت خمس شركات نفط صينية عقودا لشراء 882 ألف برميل يوميا مع مؤسسة تسويق النفط العراقية (سومو) في 2014 بزيادة 68 بالمئة عن عام 2013.

وبذلك ستحصل آسيا على نحو 60 بالمئة من الصادرات العراقية بعقود محددة المدة. وقالت مصادر إن من بين الشركات الآسيوية التي رفعت حجم العقود لعام 2014 تويوتا تسوشو وميتسوبيشي كورب في اليابان ومؤسسة النفط الهندية وشركة بتروناس المملوكة للدولة في ماليزيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/كانون الثاني/2014 - 6/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م