ندرك جميعا بأن الأمن والإقتصاد مطلبان رئيسيان يطلبهما كل مواطن
عراقي، بل كل إنسان على وجه البسيطة، ويوضح القرآن الكريم هذه العلاقة
في قوله (تعالى): "فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم
من خوف" (سورة قريش 4)، الا أننا وللأسف الشديد وكلما إستيقظنا
تــُطالعنا وسائل الاعلام المقروءة والمرئية بأخبار العراق المؤلمة
المتمثلة في حصاد أرواح المواطنين الأبرياء بالسيارات المفخخة والأحزمة
الناسفة التي يرتديها الإرهابيون من كلا الجنسين، أو عبر الاختطاف
للحصول على المال، أو الاغتيالات عبر الكواتم للأشخاص الذين يواجهون
الارهاب وممن أصبح غير مرغوب بهم من قبل الدول الممولة للإرهاب.
حتى امتد الاستهداف الى الصحفيين ورجال الاعلام الذين لايملكون سوى
القلم سلاحا والكلمة ذخيرة، فكانت ولا زالت حرباً مفتوحة على الشعب
العراقي بكافة أطيافه وأجناسه من قبل الإرهابيين والحواضن التي توفر
الملاذات الآمنة للتنظيمات الارهابية... فالى متى يستمر مثل هذا الحال،
ومن المسؤول عن ذلك؟
أن كثير من الكتاب قد كتبوا مقالات ودراسات قيمة حول هذا الموضوع
وكل حسب درايته، ولي الشرف أن أكون أحدهم، فقد وُضعت العديد من
المعالجات الأمنية المستقاة من الظروف المماثلة لما يمر به العراق
اليوم، الا أننا ومثلما نأسف على وقوع الفعل الإرهابي، كذلك تـَنتابُنا
مشاعر الأسى حينما لانجد أذنا صاغية للمعالجات المطروحة، لكن ومع ذلك
فإن الضربات المتتالية الأخيرة والحالية الموجهة من قبل الحكومة
الوطنية لفصائل الإرهاب المقيت تعتبر حالة جديدة وبداية جادة لما تشكله
من تجسيد لارادة الشعب وبما يجعل منها مطلبا شعبيا أخذت الحكومة على
عاتقها تنفيذ مفردات هذا المطلب المتعلق بإقتلاع جذور الارهاب في أي
مكان وزاوية من زوايا العراق.
ومع ذلك، بالعودة الى ماسلف، أعيد التأكيد على العلاقة العضوية بين
الأمن والإقتصاد والتي يؤكدها القرآن الكريم في مواضع عدة، منها أيضا
دعاء سيدنا ابراهيم عليه السلام، المتمثل في قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ
مِنَ الثَّمَرَاتِ" (البقرة 126 )، ويبدو الارتباط جليا بين المفهومين
(الأمن والإقتصاد).. وبالنظر الى الظروف التي يمر بها العراق فيمكننا
القول بأن المجتمع العراقي قد انقسم الى طبقتين، طبقة غنية جدا تنعم
بالثراء الفاحش اليوم رغم أنهم بالأمس القريب كانوا حفاة عراة فأصبحوا
بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين نتيجة النفوذ الحزبي والسياسي الذي
أسهمت المحاصصة الطائفية والعرقية في تكريسه داخل الواقع السياسي في
العراق. ويقابل هذه الطبقة، طبقة مسحوقة تصل الى 6 ملايين عراقي ممن
يعيشون تحت خط الفقر (وفقا لإحصائيات بعثة الأمم المتحدة في العراق
"يونامي" 2013)، ناهيك عن مستوى البطالة الذي وصل الى 16 % وفقا
لتقارير وزارة التخطيط العراقية في عام 2012 والتي تضاعفت في العام
الذي تلاه نتيجة للتردي الكبير في الوضع الأمني.
ويؤكد ما سبق ضرورة وضع سياسات شاملة تسهم بإنتشال العراقيين من
الفقر وتطوير وسائل عيش مستدامة وفرص عمل لجميع العراقيين بالتزامن مع
مساعي الحكومة لمواجهة التحديات الأمنية. ولكن أيضا هل يكفي وضع
السياسات الاقتصادية وحسب، دون وجود ادارة كفوءة لتنفيذ تلك السياسات
الاقتصادية، كلا بالتأكيد خاصة وأن كلا القطاعين الأمني والإقتصادي
المرتبطان عضويا يعانيان في نفس الوقت من الافتقار الى عنصر الكفاءة،
رغم أن الكفاءة شرط أساسي في نجاح التنفيذ والتطبيق حيث قال الله
(تعالى) على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام): "اجْعَلْنِى عَلَىٰ
خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ " (يوسف 55). فالنزاهة
والكفاءة هما شرطان أساسيان يجب أخذهما بنظر الاعتبار لتحقيق الغايات
المنشودة والنهوض بالأمن والإقتصاد معا على حد سواء.
لاشك أننا مع الجهد الحكومي لضرب الإرهاب في كل زمان ومكان، فقد
أكدنا في مقالات سابقة على ضرورة الضرب بيد من حديد والقضاء على
الملاذات الآمنة للإرهاب وتجفيف منابعه وفضح الممولين له والمشجعين
عليه، ولازلنا عند هذا الرأي، ألا أننا وحرصا منا على أن لاتكون
المعالجة مرحلية، وأن لايكون المنجز الأمني المتحقق من هذه الضربات
الفعالة والجهد الحكومي المبذول عرضة للتآكل والتلاشي، فلا بد من الأخذ
بنظر الاعتبار ما أشرنا اليه من ترابط عضوي بين الأمن والإقتصاد في
التخطيط، كما في سورة قريش، والترابط الآخر بين النزاهة والكفاءة كما
تنص على ذلك سورة يوسف، ذلك ما نود التأكيد عليه فنحن أولى بإتباع
ارشادات القرآن الكريم الذي يؤكد على التلازم العضوي الوثيق بين الأمن
والإقتصاد للقضاء على الإرهابين في العراق من الجذور بمضاعفة الجهود
لإسقاط أقنعتهم، وتعرية ادعاءاتهم الدينية وليكونوا نسيا منسيّا. |