التضخم الوظيفي ومؤشرات العجز الاداري

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التضخم الوظيفي يمكن وصفه ببساطة، بفائض أعداد الموظفين في المؤسسات والدوائر والمعامل الحكومية، وهو ما يطلق عليه في توصيف مقارب بـ (البطالة المقنّعة)، بمعنى أن الحكومة تقوم بتوظيف أعداد من العمال او الموظفين، لا يحتاجهم العمل الانتاجي، او الاداري، او الصحي، والتربوي والتعليمي وما شابه، فقد تضطر الحكومة الى مثل هذه التعيينات، لاستيعاب الخريجين الجدد، او لتقليل نسبة البطالة، ولكن اذا كان التوظيف غير مدروس، فوضوي ارتجالي من دون تخطيط، فإنه سيقود الى تدمير اقتصاد الدولة على نحو عام.

البطالة المقنّعة هي السبب الاول الذي يقف وراء التضخم الوظيفي، والاخير يقودنا بدوره الى البيروقراطية الادارية الخطيرة، وخلاصة النتائج التي تنعكس عن التعاضد بين الثلاثة (البطالة/التضخم الاداري/البيروقراطية)، تتمثل بإضعاف الاقتصاد والاستثمار والانتاج بوجه عام، وهو إضعاف وتدمير لمرتكزات الدولة المدنية.

الخطوات التي قد تتخذها الحكومة من اجل تقليص نسبة البطالة، يمكن أن ترفع من التضخم الوظيفي اذا كانت تتم بصورة عشوائية، أو تحدث لاسباب انتخابية، او تأتي كمراعاة لاعضاء حزب او كتلة سياسية كبيرة متمكنة في المسلك الحكومي، تعد أعضاءها بالتعيين وتوفير فرص العمل، فتضطر الى تعيينهم حتى لو كانت الدوائر والمؤسسات الحكومية لا تحتاجهم!، كما يحدث في بعض الوزارات الخدمية وسواها، بمعنى اوضح هناك وزراء يفضلون كادرا معينا يعمل معهم، حتى يضمن الوزير ولاء الموظف العامل معه، خاصة من يعمل في الوزارة نفسها، او في الدوائر التي تتبع لها، وهذه ظاهرة يمكن ملاحظتها بوضوح، اذ رافقت جميع الدورات الانتخابية وما تمخض عن نتائجها!، لذلك يتولد في هذه الحالة الفائض او التضخم في أعداد الموظفين، وتبدأ مخاطر الفائض الوظيفي بالظهور، حيث تنعكس على الاداء الاداري والانتاجي بشكل عام، ويزدهر السلوك البيروقراطي، وتنتعش ظاهر الابتزاز من اجل تحصيل الرشا (الرشوة)، والاختلاس وما شابه، فضلا عن تعقيد الاجراءات والخطوات الادارية التي تتعلق بانجاز المعاملات الفردية، والمشاريع التي تتعلق بالاستثمار والبناء والتطوير، وربما عقد الصفقات الوهمية ايضا !!.

فيصبح التضخم الوظيفي عائقا خطيرا بوجه الحكومة، لدرجة انها ستكون عاجزة بصورة شبه تامة، عن تطوير الخدمات والصحة والتعليم والتربية، وكل القطاعات الخدمية والانتاجية، وقد عانينا من هذه الظاهرة كثيرا، وانتشر السلوك البيروقراطي في ادارة مؤسسات ودوائر الحكومة، وظهرت حالات كثيرة تعقّد العمل الاداري بدلا من أن تجعله سلسا وسهلا وشفافا، وتهيّئ لبعض الموظفين الخارجين على الضوابط والقوانين، فرصا لابتزاز المراجعين، من خلال اساليب اتقنها هؤلاء الموظفون الصغار او الكبار احيانا، تتمثل بتعطيل انجاز المعاملات، وما شابه من اساليب تشي بضعف الجهات الرقابية المعنية بالحد من هذه الظواهر التي تعيق بناء الدولة ومؤسساتها ومرتكزاتها.

ولعل الجانب الاخطر في اجتماع وتآزر العناصر الثلاثة لهذه الظاهرة (التضخم الوظيفي/البطالة المقنعة/البيروقراطية)، يتمثل بالتدمير المتدرج الذي سيلحق بالاقتصاد، لهذا ينبغي أن تتحرك الجهات الحكومية المعنية بسرعة وقوة، لمعالجة هذه الظاهرة وما يتبعها من مخاطر، وفق منهجية علمية عملية تدرس الظاهرة واقعيا، بالدقة المطلوبة، وتخطط لسبل وطرق المعالجة الناجعة لها، ثم يبدأ التنفيذ الدقيق والحازم، من لدن الجهات المعنية، عبر تشريعات واجراءات عملية تتسم بالحزم، من اجل ضمان عدم انتشار النهج الاداري البيروقراطي، في المؤسسات والدوائر الحكومية.

تحتاج المعالجة الى تشريعات وصلاحيات جوهرية واضحة، لمكافحة اسباب الابتزاز وتعويق الاستثمار، كذلك وضع خطط التوظيف وفق رؤية اقتصادية مستقاة من واقع الحال، ومن الحاجة الحقيقية الى الموظف، بمعنى أن يكون التوظيف استنادا الى الحاجة الفعلية، وليس استجابة لدوافع حزبية، او دوافع المحسوبية والواسطة وما شابه، إذ هناك كثير من التعيينات تسمّى بـ (العائلية)، حيث نجد الاب والام والولد والبنت والاخت ومعظم الاقارب، موظفين في دائرة واحدة؟!، لذا تحتاج هذه الظاهرة وكل ما ينتج عنها من مخاطر، الى متابعة حقيقية ومعالجات تستند الى التخطيط السليم الواقعي والتنفيذ الصحيح، من لدن الجهات المعنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الثاني/2014 - 3/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م