حتى قبل دخوله البيت الأبيض وتسلّمه مقاليد السلطة في الولايات
المتحدة، لجأت مؤسسة نوبل للسلام، بمنح المرشح الفائز بالرئاسة
الأمريكية "باراك أوباما" لقب بطل السلام، وقامت بتسليمه الجائزة
بتمامها وكمالها، مبررة ذلك بأن أملاً راودها بأنه سوف أو سيفعل شيئاً
من أجل السلام العالمي، وحسب تقديرها للنوايا التي في رأسه والتي أنبأ
عن فحواها أثناء حملاته الانتخابية التي خاضها ضد المرشح الجمهوري "جون
ماكين" في العام 2008.
كما قامت مؤسسة لانتوس اليهودية، بتكريم وزيرة الخارجية الأمريكية
السابقة "هيلاري كلينتون" من خلال منحها جائزتها الخاصة بحقوق الإنسان
للعام 2013. التي كانت أنشئت على شرف النائب الديمقراطي "توم لانتوس"،
باعتباره الناجي الوحيد من المحارق اليهودية، ووصل إلى وظيفة نائب في
الكونجرس الأمريكي منذ عام 1981. تمّ منح "كلينتون" هذه الجائزة،
باعتبارها روّجت ما وسعها في كافة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان،
وساهمت في صنع السلام. على الرغم من أنها لم تُعطى اهتماماً واضحاً
بشأن معالجة انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين وهم يرزحون تحت
الاحتلال أكثر من ستّة عقود متتالية.
"أوباما" قبض الجائزة ولم يأتِ إلى المنطقة بشأن القضية الفلسطينية
سوى مرّة واحدة، وأثناء ولايته الثانية وليس في ولايته الأولى كما فعل
أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين. وبالنسبة
لـلوزيرة "كلينتون" فقد حصلت على خمس زيارات فقط لإسرائيل خلال فترة
ولاية كاملة، وهي أربع سنوات كاملة. لكن الأمر اختلف تماماً وعلى نحوٍ
أكبر بالنسبة لوزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" فقد فاق عدد زياراته
إلى المنطقة مجموع زيارات الاثنين معاً، إذ كانت حصيلتها عشر مرّات
متتالية وفي أقل من عامٍ واحد، حيث كانت من أكثر المناطق التي زارها
خلال تلك المدّة. وكانت تستهدف – كما هو الظاهر- سبباً واحداً فقط، وهو
العمل من أجل إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكأنه أفرغ
كل شيء من رأسه إلاّ من القضية الفلسطينية ومن كيفية التوصل إلى الحل
المبين.
كان نشاطه المكوكي في هذا الشأن وللوهلة الأولى، نشاطاً مبهراً ولا
شك، أمام المجتمع الدولي والفلسطينيين والإسرائيليين بشكلٍ خاص، لكن
الحقيقة والتي هي أمام نفسه المرتفعة، هو أنه عكف منذ اللحظة الأولى من
تسلمه المهمّة، على نسج الآمال تلو الآمال نحو مؤسسة (نوبل) لكسب
جائزتها- كيفما كان وبـ(نعم) أو (لا)- تمكّنه من فرصة الدخول إلى قاعة
المشاهير، بسبب أن لديه من الأسباب الكافية للحصول عليها والفوز بها،
حيث أنه لا يقل حظّاً من "أوباما" و"كلينتون"، لا سيما حين يذكّر، أنه
كانت درجة واحدة فقط، هي التي حالت دون وصوله لرئاسة الولايات المتحدة
في ختام الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في العام 2004،
منافساً للمرشح الجمهوري لولايةٍ ثانية "جورج بوش- الابن". وكان منذ
باكراً قد لجأ إلى تسجيل اسمه – رباعياً- في سجلاّت المؤسسة وساعة
البدء في نشاطاته تجاه العملية السلمية كأول وأهم وظيفة له على مدار
حياته.
وبالعودة إلى ما وصلت إليه سياسته في هذا الوضع الشائك، فإن من
المقبول القول: بأن جولاته إلى المنطقة كانت صعبة وحساسة، وقد سُجلت له
خلالها بعض الإنجازات بالرغم من أنها كاذبة، ولكن حتى أولئك الذين
يتفقون مع "كيري" يؤكّدون بقولهم، على أنّه يأخذ هذه المهمة على محمل
الجد، وقد بذل جهوداً كبيرة بهدف البحث عن حلول، أو تقريب وجهات النظر
بين الطرفين على الأقل خلال جولاته المكوكية السابقة.
وعلى الرغم من أن تلك الجولات إلى الآن هي خاسرة، ولم تتحرك نِسب
نجاحها عن الصفر، فهذه الجولة ولا شك تعتبر الأكثر حرجاً من سابقاتها،
بسبب وصولها إلى قضايا مفصلية تكاد تكون أعقد من المعقّدة، ولذلك كان "كيري"
تخلّى تماماً عن فكرة أن يصطحب معه ما أشاعه بشأن توصّله إلى اتفاق
إطار الذي سعى إليه جهده ورآه مواتياً لطبيعة الحل، ومن شأنه أن يضع
الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على السكة، بسبب وثوقه من أن أحداً من
الطرفين لن يقبله، وكان بات أيضاً على قناعة تامة، بأن المحاولة في
إجبار الفلسطينيين والإسرائيليين على قبولهما خطة الاتفاق غير ممكنة،
ولهذا تراجعت أهميّة هذه الجولة وأصبحت من فرض اتفاق إطار، إلى مجرّد
تداول أفكار. واكتفي على ما يبدو بالمحاولة خلال اللقاءات التي سيعقدها
مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين
نتانياهو" في تقليص الفجوات في المواقف المتعلقة بالاتفاق المقترح الذي
حسب ما تسرّب من بنوده بأنه سيحدد الخطوط العريضة للمفاوضات القادمة
والخاصة بالحل النهائي وذلك في عنوانين رئيسين وهما، دولة للفلسطينيين
والأمن لإسرائيل.
كما أبان "كيري" ليونة ظاهرة بعد اشتداده في الفترة السابقة لجولته
هذه، عن أن مهمّته ليست مصنوعة لفرض الأفكار الأمريكية، بل لاستخدام
أفكار الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لا سيما في ضوء تعقيد قضايا
المفاوضات بينهما، وبالنظر إلى المتغيرات والمعطيات التي باتت واضحة
أمامهما وتحتاج إلى تنازلات مهمّة. إضافةً إلى إدراكه بأنه لا يمكن
التوصل إلى اتفاق سلام دفعة واحدة، ولا بد أولاً من وضع الطرفين على
المحك، وفيما إذا كانا يريدان سلاماً أم لا.
تراجع أهمّية هذه الجولة في نظر البعض ليس معناه الاستهانة بها،
وخاصةً بالنسبة لتوقيتها، فهي تهدف إلى تجنب الانفجار الكبير على
الأقل، وتكمن أيضاً في ضمان استمرار المحادثات في الأشهر المتبقية
المقبلة، وفي محاولة طمأنه الجانبين، أملاً في الحصول على توقعاتهما،
وأيضاً في المسألة الأهم، والتي تكمن في التغلب على الحاجز أو المدّة
المنصوص عليها تسعة أشهر للتفاوض، والتحلل منها إلى ما بعدها من المُدد
الأخرى، ليتسنً للأطراف المتفاوضة مراجعة أفكارها تركيز جهودها وتداول
المقترحات المختلفة فيما بينها.
وبغض النظر عمّا سبق بشأن الحديث عن الأوضاع السياسية بشكلٍ عام،
فإن "كيري" يعتبر نفسه من السعداء جدّاً، حينما يعيش مع نفسه أوقاتاً،
يفكّر فيها في اللحظة التي سيتم خلالها تسلّمه جائزة نوبل ومنحه
لقبُها، لا سيما وأنه لا يزال أكثر حرصاً على تسجيل المزيد من الجولات،
والمزيد من المساعي من أجل السلام وإن لم يكن هناك سلام.
* خانيونس/فلسطين |