عجز المجتمع الاستهلاكي

قراءة تحليلية في قول الرسول الكريم ص: (ملعون من ألقى كلَّه على الناس)

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: متى يمكن أن تُطلق مفردة أو صفة (ملعون) على شخص ما؟، ولماذا تُطلَق عليه دون غيره؟، وما هي المبررات والاسباب المقبولة التي تقود الآخرين، الى اطلاق هذه الصفة او المفردة على هذا الشخص أو ذاك؟، لا شك أن الملعون هو انسان ذو سريرة سيّئة، وطويّة خبيثة، كما انه ينطوي على مخاطر لا تمس شخصه وحده، أو من يتبعونه فقط، بل كل الدلائل تشير الى أن أضرار الشخص المحمَّل باللعنة والسوء، تتجاوز شخصه الى الآخرين، فتصيبهم وتؤثر عليهم، وتدفع بهم الى حافة الفكر المعاند، والسلوك الشائن.

بمعنى أكثر وضوحا، أن الملعون يشبه (خلية السرطان) في الجسد السليم، إنه خلية خبيثة، تؤثر على الخلايا السليمة، فتصيبها بالخبث، وتؤدي بها الى حافة الموت، فالملعون هو ذلك الانسان الذي لا ينتج، والذي يجعل من نفسه عبئا على الآخرين، ولا يكتفي بهذا، بل يتمادى في عجزة وكسله وخموله واتكاله، لكي يصيب الآخرين بحالة إلقاء الحمل على الاخرين، والتملص من المسؤولية، والسعي الى مصادرة حقوق الاخرين، بوسائل وطرق شتى، كالخداع والتضليل والكذب والضحك على الذقون والمخاتلة، لأنه لا يتورع عن استخدام كل الوسائل، لكي يلقي بمسؤولياته وأعبائه على الاخرين!.

لهذا وصف رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مثل هؤلاء الناس بأنهم (ملعونون) في القول الشريف: (ملعون من ألقى كلَّه على الناس)، كونهم يلقون بأعبائهم على كاهل الاخرين، ويستميتون من اجل التملص من العمل والمسؤولية والانتاج، بمعنى اوضح انهم يسعون الى جعل المجتمع غير منتج، ويميل الى الاستهلاك فقط، وعندما يصبح الانسان بلا انتاج يذكر، ويستهلك كل شيء لكي يبقى على قيد الحياة، عند ذاك سوف يكون شخصا مسيئا ليس لنفسه فحسب، بل للآخرين، لأنه يصبح مستهلكا بلا انتاج، بل يحث على الاستهلاك ويرفض المشاركة او التشجيع على الانتاج، لكي يتطور المجتمع، وبهذا فهو يستحق اللعنة كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

تُرى كم من هؤلاء يتواجدون في مجتمعاتنا الاسلامية والعربية؟، وما هي تأثيراتهم الخطيرة على مجتمعاتنا، وكيف يمكن أن نحد من تأثيرات هؤلاء الاشخاص غير المنتجين، على أننا نلاحظ أن المشكلة لا تتوقف عند حد عدم الانتاج والاتكال على الاخرين، بل يتعدى الامر الى محاولات هؤلاء للتجاوز على حقوق الاخرين من خلال مسالك الخداع وما شابه، لأن الانسان يحتاج المال حتى يواصل حياته بصورة سليمة، على الاقل يوفر حاجاته المادية كالاكل والشرب واللبس وما شابه، لهذا يتحرك هؤلاء وفق سبل وطرق خبيثة، كي يحصلوا على الاموال، وطالما انهم غير منتجين اصلا، ولا يتعبون انفسهم في هذا المجال، فإنهم سوف يسعون الى بدائل غير مشروعة، وهكذا لا يكتفون بالكسل والاتكال، إنما يذهبون الى طرق الاحتيال والتجاوز على حقوق غيرهم، كي يعيشوا كبقية خلق الله!.

النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يلصق بهؤلاء اللعنة، وهم يستحقونها، لأنهم يؤثرون ويدمرون المزايا الحسنة للمجتمع، ويشيعون العجز بين افراد المجتمع، وبدلا من ان يندفع الناس نحو التطور في الانتاج، نجدهم في حالة من النكوص والتردد بسبب أساليب يشيعها هؤلاء الإتّكاليون، حيث اللامبالاة والفوضى وغياب التنظيم، تعيث في المجتمع، وتجعله يرتع في مستنقع الجهل والتخلف.

لذا فإن محاربة الملعونين امرا لا مناص منه، وقد تجدي نفعا الخطوات الجادة لإصلاح هؤلاء، وقد يعود منهم الى جادة الحياة السليمة، إلا أن الفعل السيّئ سوف يصيب الشخص الذي لا ينهض بنفسه وافكاره وجهده، كي يتحول من الكسل الى العمل، ومن الطابع الاستهلاكي المحض، الى الطابع الانتاجي المتواصل، ومتى ما غادر الانسان الكسول عجزه ونمطه الاستهلاكي ولامبالاته، عند ذاك تُرفع عنه صفة اللعنة، ويصبح انسانا فاعلا في المجتمع، لأن الشعوب المتحضرة المتطورة هي الشعوب المنتجة، ولا حياة ولا رفعة ولا تطور ولا مواكبة للعصر عندما يكون الشعب مستهلكا فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/كانون الثاني/2014 - 29/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م