الأعشاب الطبية.. عودة دواء الطبيعة الى الصدارة

 

شبكة النبأ: على الرغم من التقدم العلمي الهائل الذي يشهده الطب الحديث والذي اصبح يعتمد بشكل كبير على التقنيات والادوات الطبية والعلمية المتطورة، التي اسهمت بظهور أعداد هائلة من الأدوية والعلاجات المهمة والضرورية للكثير من الامراض الخطيرة التي كانت تهدد حياة الكثير من الناس، لاتزال الأعشاب الطبية التي عرفها الانسان منذ فجر التاريخ واحدة من أهم أفرع الطب البديل لما لها من وفوائد علاجية مختلفة كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على عودة استخدام الأعشاب الطبية في الكثير من بلدان العالم النامي والمتقدم على حد سواء، خصوصا وأن الكثير من العقاقير والمركبات الكيميائية الحالية لها أعراض جانبية متعددة مقارنة وصفات الأعشاب الطبية التي يفترض ان تعد وتوصف بشكل علمي لتلافي بعض الاضرار الخطيرة كما تشير بعض الدراسات والتقارير العلمية.

وفي هذا الخصوص فقد اكتشف عالم من شبه جزيرة اوكيناوا اليابانية للتو نبتة محلية قد تزيد اجل الحياة المتوقع وهو يأمل بفضل هذه الدراسة ان يجدد الاقبال على الاطعمة المحلية التي جعلت في الماضي من هذه المنطقة بطلة للعالم في العمر المديد. وفي مختبره يحرك شينكيشي تاوادا سائلا عنبري اللون في قارورة تتصاعد منها رائحة لذيذة وغريبة. انها زيت اساسي مستخرج من زهرة "غيتو" وهو اكسير يحوي بحسب العالم، سر العمر المديد الذي كان يتمتع به سابقا سكان اوكيناوا (جنوب اليابان).

ويوضح تاوادا استاذ الهندسة الزراعية في جامعة ريوكيو في نيشيهارا "كانت اوكيناوا تتمتع قبل عقود قليلة بالاجل المتوقع الاطول في العالم لطالما اهتممت بالمواد التي تقف وراء ذلك في الاطعمة التقليدية". وهو يدرس هذه النبتة التي تنتمي الى عائلة الزنجبيل منذ 20 عاما تقريبا وقد تكون جهوده اتت ثمارها اخيرا.

وخلال تجربة اخيرة وزع باحثون عددا من الديدان التي لا تعيش اكثر من شهر تقريبا على مجموعتين. ولاحظ هؤلاء الباحثون ان امد عيش الديدان في المجموعة الاولى التي اعطيت يوميا الغيتو (اسمها العلمي باللاتينية البينيا زيرومبيت) زاد بنسبة 22,6 % مقارنة بالمجموعة الثانية التي حرمت من هذه النبتة. فاوراق الغيتو الكبيرة الخضراء والحبوب الصغيرة الحمراء التي تحملها وازهارها البيضاء تزخر بمادة ريسفيراترول وهي مضاد للاكسدة يتواجد خصوصا في العنب وتاليا في النبيذ والذي ثبت تأثيره على امد الحياة منذ فترة طويلة .

ويوضح تاوادا تقليدا يعتبر سكان اوكيناوا انه بتناولهم طبق الموشي وهو طبق شتوي مؤلف من عجينة الارز الملفوف بورقة غيتو يحصلون على مناعة من الرشح ويزوده بالقوة والنشاط. لكن قلائل هم الاشخاص اليوم الذين يلاحظون وجود باقات الغيتو البرية والقوية على جوانب الطريق.

في وسط ناها كبرى مدن اوكيناوا تنتشر مطاعم الهامبرغر واكشاك بيع خبز البيغل ومطاعم اللحم المشوي لخدمة نحو 19 الف عسكري اميركي منتشرين في الجزيرة والذي يؤثر نمط عيشهم على السكان المحليين. وفي حين لا تزال نساء اوكيناوا من بين اليابانيات اللواتي يعشن حياة مديدة (87 عاما بشكل وسطي) تراجع رجال المنطقة الى المركز الثلاثين بين المناطق اليابانية مع 79,4 عاما وهو دون المعدل الوطني بقليل.

اما معدل البدانة في صفوف الرجال فهو الاعلى في البلاد. ويقول تاوادا "الشباب اليوم يأكلون الكثير من الوجبات السريعة. واجل الحياة المتوقع يتراجع بشكل كبير حان الوقت للعودة الى التقاليد المطبخية للمنطقة". وفي سوق ناها، لا زالت السيدات المسنات يشترين الخضار التقليدية مثل الغويا وهي نوع من القرع المر المذاق المعروف ايضا باثاره الايجابية على الصحة.

ويشتري عدد منهن ايضا اوراق الغيتو المتوافرة بكثرة في السوق. كيكو اوهارا اطلعت على دراسة تاوادا وقد ابرزت امام متجرها مجموعة من مستحضرات التجميل التي تعتمد على هذه النبتة. وتوضح هذه البائعة البالغة 64 عاما "نستهلك النبتة على شكل مشروب ساخن منذ فترة طويلة لانها تعيد الينا الشباب. وثمة سائل مستخرج من النبتة من دون اضافة اي كحول اليه يخفي كل التجاعيد". بحسب فرانس برس.

وفي الحقول ينوي المزارعون زيادة انتاجهم . ويقول ايسامو كينا من شركة "ريتش غرين" المنتجة الرئيسية للنبتة في المنطقة "لا نريد الاكتفاء باوكيناوا نريد ان ان نغزو الاسواق العالمية وتصدير الغيتو". وللبروفسور تاوادا طموحات كبيرة لنبتته "السحرية". ويقول "اليوم يستخدم الغيتو في مستحضرات تجميل الا ان ذلك جزء من قدرة هذه النبتة فيمكن استخدامها في المجال الطبي وقطاعات اخرى ذات قيمة مضافة عالية". وهو ريد بذلك المساهمة في انعاش اقتصاد البلاد.

دواء لكل داء

الى جانب ذلك وفي أحد الأيام المطيرة بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا أمكن لإيمي بيع نحو عشرين كيسا من أعشاب تولاك أنجين لعلاج نزلات البرد للموظفين والعمال الذين يمرون بكشكها على جانب الطريق.. تقول إيمي "الأعشاب الطبية مفيدة للصحة لأنها طبيعية." تبيع إيمي خليطا من الزنجبيل والقرنفل والنعناع مقابل 25 سنتا للكيس الواحد وتجد في ذلك تجارة مربحة. وطرحت شركة (بي.تي. اندستري جامو دان فارماسي سيدو مونكول تي.بي.كيه) التي تصنع أعشاب تولاك أنجين أسهمها في البورصة.

وقفزت أسهم الشركة إلى ما يصل إلى 24 بالمئة عندما أصبحت أول شركة للأعشاب الطبية تدرج نفسها في البورصة في جاكرتا. وتضع شركات العلاج التقليدي بالأعشاب في منطقة جنوب شرق آسيا خططا كبيرة للنمو وسط تزايد اهتمام المستثمرين. وتنظر شركات الأدوية العالمية مثل فايزر وروش لآسيا منذ فترة طويلة على أنها مصدر النمو في المستقبل إذ أن سوق الأعشاب الطبية من المتوقع أن تقفز مع تزايد الطبقة الوسطى في المنطقة.

وتقول شركة يورومونيتور انترناشيونال للأبحاث إن التوقعات تشير إلى نمو سوق الأعشاب الطبية المليئة بمنتجات لعلاج أي شيء من الروماتيزم إلى العجز الجنسي إلى 3.9 مليار دولار بحلول عام 2017 بزيادة 50 بالمئة تقريبا عن العام الحالي. وتروج اعلانات تلفزيونية يظهر فيها المشاهير لأعشاب تولاك أنجين التي تباع في مئات الآلاف من الأكشاك بالشوارع في أنحاء إندونيسيا وكذلك في المتاجر الكبيرة والصيدليات.

ووصل بعض صناع الأدوية التقليدية بالفعل إلى الأسواق العالمية فعلى سبيل المثال مثلت هونج كونج 47 بالمئة من عائدات ثلاثة أشهر فقط انتهت في سبتمبر ايلول لشركة يو يان سانج في سنغافورة. وتمثل عائدات المبيعات في سنغافورة 22 في المئة فقط في حين تأتي بقية العائدات من ماليزيا واستراليا. بحسب رويترز.

إلا أن قطاع الطب التقليدي أصبح تحت الفحص الدقيق من المنظمين العالميين في مجال الصحة إذ أنه من المزعوم أن بعض العناصر التي تستخدم في تصنيع هذه الأدوية تحتوي على معدلات عالية من السموم أو المواد الكيماوية رغم الترويج لها على أنها طبيعية. وفي وقت سابق حذر منظمون بريطانيون الناس من استخدام عدد من الأدوية الصينية التقليدية لاحتوائها على معدلات "عالية بشكل خطير" من الرصاص والزئبق والزرنيخ.

سوق اعشاب غريبة

من جانب اخر خيم الليل على بوغوتا الا ان حركة دؤوبة تسجل في ساحة صغيرة تضم سوقا للاعشاب فريدة من نوعها في كولومبيا. مكان مفعم برائحة التاريخ تتبادل فيه الاسرار لمداواة الامراض والاوجاع. الظلام ضروري لتحافظ هذه الاعشاب العلاجية او العطرة على نضارتها. وتنتشر باقات من اوراق البكورية والكزبرة واكليل الجبل والترنجان والبابونج في هذه السوق التي تزود المتاجر الكبرى في العاصمة. لكن الخيار هنا اوسع.

وتعدد آنا بيشينه مزايا اعشاب مختلفة قائلة "هذه تحمي من العين الحسودة وهذه فأل سعد على صعيد المال والحب وهذا زهر الثوم يستخدم لمكافحة الطاقات السيئة". وهي تعمل منذ 22 عاما في سوق الاعشاب ونبتات اخرى التي ترسلها لها عائلتها من مقاطعة فايي ديل كاكوا في جنوب غرب البلاد. ولا يكتفي برناردو غوتيرييز ببيع النبتات والاعشاب بل يحرص على تفسير كيفية استخدامها: كوب كامل كل ساعتين ممزوج مع زيت الزيتون والحامض للنبتة التي اشتراها هذا الزبون.

وتقع السوق في حي مارتيريس في وسط بوغوتا وتقام ايام الاثنين والخميس وتجمع نحو 400 بائع اعشاب متجول، يبدأون بعرض نبتاتهم التي تصل الى حوالى 200 جنس مختلف اعتبارا من الساعة العاشرة مساء. ويبدأ البيع عند الساعة الثالثة صباحا ويستمر قرابة الاربع ساعات. وبالنسبة لغالبية الباعة فهذا تقليد عائلي، على غرار ديانا اروشا التي تنتقل منذ 30 عاما من بلدة اوباتي في مقاطعة كوندينامارما وعاصمتها بوغوتا.

وتروي "في الماضي كانت سوق الاعشاب في الهواء الطلق وكنا نبيع قرب السكك الحديد. والدي عرفني على هذه السوق بات الان في سن الخامسة والثمانين ولم يعد يأتي الى هنا لكنه يعرف كل النبتات". اركاداي كويمبا اصله من اتنية مويسكا وهو من الباعة القلائل الذي يبيعون منتجات معدة مسبقا من النبتات الامازونية المنقوعة. ويؤكد انه تعلم "كل شيء من جدي والهنود".

وتجرى عمليات البيع ليلا "لان الاعشاب نبتات تذبل بسرعة" في حين ان البرد والظلام يسمحان بحفظها من الاضرار على ما توضح عالمة الاناسة آنا ماريا ميدينا صاحبة دراسة عن سوق الاعشاب المتنقلة. وتقول الباحثة من جامعة خافيريانا في بوغوتا مستندة الى محفوظات تاريخية ان هذا التقليد يعود الى تأسيس العاصمة الكولومبية العام 1538 قبل الحقبة الاستعمارية. وتشدد "ظهرت هنا اولى المخيمات. انها منطقة سابقة لاكتشاف الاوروبيين للقارة الاميركية لتبادل هذه النبتات ذات المزايا العلاجية والطبية". بحسب فرانس برس.

وفي الحقبة الاستعمارية، اصبح المكان موقعا للتلاقي بين "النساء الاسبانيات البيضاوات البشرة اللواتي كان لديهن معرفة خاصة بالنبتات المعطرة والنساء من السكان الاصليين اللواتي كن يحملن اعشابا" اخرى على ما توضح ميدينا. وتقول عالمة الاناسة ان الطابع المتنقل والجوال للسوق هو بالتحديد العامل الذي ساهم في استمراريتها موضحة "هشاشتها سمحت لها بالاستمرار. فالشخص الذي يزرع الحقل او يقطف الاعشاب في الغابة لا يمكنه ان يأتي كل يوم لبيعها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/كانون الثاني/2014 - 28/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م