قيم التخلف: العناد والتكبّر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الحلم والهدوء من أهم المؤشرات التي تدل على تميّز الانسان، عن غيره، خاصة أولئك الذين يتسرعون في اتخاذ المواقف المتشنجة حيال الاخرين، أما الشخصية المتوازنة، فلا شك انها تضم بين طياتها الادراك الواعي، وتتسم بالهدوء والحلم، وتبتعد عن العناد، ولا تأخذها العزة بالاثم، لأنها تدرك مخاطر هذه الصفة التي تدل على التكبر الفارغ، والغطرسة التي لا تجدي نفعا لصاحبها او حاملها، بل غالبا ما تشكل وبالا عليه، فيكون مكروها من لدن الجميع، ويتحاشاه الناس ولا يتعاملون معه، بسبب شعوره بالتعالي عليهم.

هناك عواقب وخيمة تعكسها الشخصية المعاندة او العنيدة، وكلما كان الانسان العنيد في موقع مهم وحساس وخطير، من حيث المسؤولية الحكومية والامنية وما شابه، كلما كان عناده يشكل خطرا اكبر على المجموع، لأن العناد والتكبّر من اخطر القيم المتخلفة التي تشيع الظلم والتراجع، في شخصية الانسان، وبين النسيج المجتمعي عموما، ولدينا ما يكفي من تجارب التاريخ على الطغاة الذين اصابهم التكبر والغلو والعناد، فانعكس ذلك على قرارات مصيرية عادت على شعوبهم بالويلات والحروب والمهالك، كما في شخصية هتلر، هذا القائد المعاند المتكبر الذي كان يتصور بعناده وتكبره، انه قادر على إخضاع العالم كله تحت سطوته وسلطته وهيمنته، لكن ماذا جنى الشعب الالماني من هتلر غير الويلات والحروب والازمات، بل ماذا جنى هتلر نفسه وزوجته غير الانتحار والموت في آخر المطاف، بسبب العناد والتكبر والعزة بالاثم، وعدم التراجع نحو العقل والتوازن والحلم والهدوء والتفكير الانساني.

لقد اثبتت الوقائع كلها أن العناد قيمة متخلفة، وان التكبر دليل على غياب العقل والادراك السليم، لذلك فإن النتيجة الحتمية للتمسك بهذه القيمة، هي التراجع والسقوط في مستنقع التخلف، بسبب القرارات الخاطئة التي يتخذها الانسان، استنادا الى عناده، وتكبره الذي غالبا ما يقوده الى اتخاذ القرارات غير المناسبة، حتى لو كان فردا غير مسؤول عن غيره، فإن الضرر سوف يلحق بشخصه، ويؤدي به الى خسائر مادية و معنوية قد تغير مسارات حياته ومصيره نحو المجهول، لذلك ليس امام الانسان سوى نبذ هذه القيمة من قيم التخلف، كونها تذهب به دائما بالاتجاه غير الصحيح، فالعناد يؤدي الى التصادم، وهذا يؤدي الى خسائر كثيرة، وتنتج عنه اخطاء جوهرية، ويقود الى مشاكل وازمات لا مبرر لها.

لهذا نجد المجتمعات المتطورة متناغمة منسجمة هادئة متوازنة، لا تشكل فيها قيمة العناد ظاهرة، أو منهج حياة، بل على العكس من ذلك، لا عناد في المجتمعات المتطورة، قد نلاحظ حالات فردية غالبا ما تكون منبوذة، ولكن السلوك العام في تلك المجتمعات هو التفاهم والتناغم والانسجام، أما التكبر والعناد فإننا سوف نلاحظه في المجتمعات المتخلفة، المتعصبة، التي تكابر في المواقف، وتختلق المشكلات، وتبر في اثارة الصراعات، بحجة او اخرى، ويبقى العناد هو السبب الاساسي، لصنع الازمات بين الافراد وبين الجماعات ايضا، بسبب التمسك الاعمى بهذه القيمة المتخلفة.

من هنا لابد من مقارعة منهج العناد، بالنسبة للافراد او الجماعات، بمعنى ينبغي ان يبذل الانسان ما بوسعه لكي يتخلص من التكبر ويبتعد عن العناد، خاصة اولئك الذين يحصلون على مناصب حساسة، ويتحلون بالجاه والنفوذ والقوة، لان التكبر هنا سيؤدي الى اضرار مزدوجة تشمل الشعب وتشمل المسؤول نفسه، كذلك لابد ان تسعى الجماعات الى نبذ هذه القيمة المسيئة والخطيرة في الوقت نفسه، ويمكن ان نصل الى نتائج جيدة في هذا المضمار، من خلال التدريب المجتمعي والفردي المستمر، اي التثقيف والقيام بالحملات الاعلامية والتربوية من لدن الجهات الحكومية والمنظمات والمؤسسات التي تعنى بهذا الجانب، وصولا الى نبذ هذه القيمة المتخلفة بصورة قاطعة للتخلص من اضرارها الفادحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/كانون الثاني/2014 - 28/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م