اخلاقيات التغيير.. الإخلاص خلاص

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تختزل مواعظ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مواعظ الأنبياء الذين سبقوه كافة، أي مواعظ مائة وثلاثة وعشرين الفا وتسعمائة وتسعة وتسعين نبيا، ولكن الله سبحانه يطلب من نبيه ان يلخص المواعظ كلها بكلمة واحدة، يقول تعالى لنبيه الكريم: (قل انما اعظكم بواحدة) و(انما) تفيد الحصر، أي بموعظة واحدة وحسب، فما هي الموعظة التي يأمر الله نبيه ان يقول لمخاطبيه ان يعظهم بها وحسب؟ تقول الآية المباركة: (ان تقوموا لله) أي ان يكون قيامكم ونيتكم وتوجهكم وتفكيركم خالصا لله، ولا يراد من القيام للصلاة او أداء العبادات الأخرى، بل المقصود التفكير وإخلاص النية، وبتعبيرنا المعاصر نكران الذات والتجرد عنها، وان يكون الله تعالى هو الهدف والنية والوجهة، وليس الذات ومصالحها..

من كتاب (من عبق المرجعية) للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي..

الإخلاص سورة من القران الكريم، لها اسم اخر تعرف به وهو (التوحيد)، يعتبرها معظم المفسرين والعلماء تعدل ثلث القران، لما تحمله من معاني هي جوهر الرسالات السماوية..

الموعظة الواحدة والتي تلخص مسار تلك الرسالات والتي يشير اليها السيد صادق الشيرازي، هي جزء من اية في (سورة سبأ) تتبعها كلمات (مثنى – فرادى – تتفكروا)..

الكلمة الأولى تدل على التفاعل بين متقابلين، متناظرين، وهو ما يتطلبه كل اجتماع بشري..

الكلمة الثانية تدل على الفردانية الواحدة ذاتا وموضوعا، دون نظر من اخر اليها، الا خالقها..

الكلمة الثالثة تعني التدبر والتأمل في معنى القيام لله، تفاعلا جماعيا او فرديا..

لا ينفصل القيام، الذي هو العمود والمرتكز، عن (النية والتوجه والتفكير) خالصا لله واليه وفيه..

القيام لا يعني كما في الفهم الشعبوي للدين ولجوهر الرسالات السماوية، هو ( القيام للصلاة او أداء العبادات الأخرى)، في مظهرها الجماعي والاجتماعي والذي تتبدى فيه الكثير من مظاهر الرياء والنفاق وعدم الإخلاص في القيام، بل هو (التفكير وإخلاص النية) على المستوى الفردي، والذي يسبق تلك المشاركة الجماعية، والتي تتطلب (نكران الذات والتجرد عنها)، لتحقيق القيام بعد الإخلاص في النية والتوجه والتفكير، لمن نقوم لاجله..

نكران الذات لا يعني الغاؤها، بل يعني التجرد من مصالحها، وجعلها ذاتا متفكرة واعية، تستطيع ان تحدد هدفها ونيتها ووجهتها وهو الله سبحانه وتعالى، لكي تقوم له ويتحقق الهدف من الخلق والتوحيد..

(هناك فرق بين (المخلص (بكسر اللام) والمخلص (بفتح اللام، فالاول من كانت اعماله خالصة لله، أي يقوم بها لله فقط ولا يقوم بها لغيره لا بالانفراد أي لغير الله فقط، ولا بالشركة أي لغير الله والله معا..

اما الثاني، فهو من طبعه الله بطابع الإخلاص، أي ختمه ومهره بختم الإخلاص، فاستخلصه وجعله خالصا وايد اخلاصه)..

يقوم السيد صادق الشيرازي، وفي موضع اخر من كتابه، بتحديد فرق جوهري بين مستخرجات احرف كلمة (خلص) من خلال التفريق بين معنى كلمة (مخلص) بكسر اللام، و(مخلص) بفتح اللام، فالاولى تعني اخلاص العمل لله من قبل القائم به، مع ذاته المتجردة أولا او مع الذوات الأخرى دون النظر الى ما قد يعنيه عمله الى الناظرين اليه، والثانية تعني، تلك الذات المتجردة الواعية المتفكرة والتي هي في الصميم من فهم القيام والتوجه اليه، خالصا نقيا لموضوع القيام، هي ذات محصنة بختم الإخلاص، ومؤيدة ومسددة لمن يكون له القيام..

التجرد الذاتي (فرادى) يطبع سلوك المتجرد من ذاته واهوائها ورغباتها، وكل عمل يقوم به يتلازم مع اعمال أخرى لذوات متجردة غيرها، تتشارك في الهدف والنية والتوجه، والتي هي في ثنائيتها (مثنى) تخلق وتؤسس لتفاعل (اجتماعي – جماعي) يطبع جميع اعمال المجتمع القرآني الذي تؤسس له قاعدة القيام..

الذات المتجردة والمتفكرة والواعية، حين تؤسس لقاعدة قيامها المخلص، فهي ذات تبحث في الوقت نفسه عن خلاصها وخلاص الاخرين، من خلال فعل (المراقبة) التي يتطلبها (الإخلاص)، مراقبة الذات المستمر وتجردها في قيامها..

مقتضى الإخلاص، في القيام والنية والتوجه والتفكير، هو الذي يقود الفرد والمجتمع الى الخلاص الذي تؤكد عليه الرسالات السماوية حسب الآية المباركة: (أن تقوموا لله)..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/كانون الثاني/2014 - 28/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م